|
الحمد لله المنعم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنتقم ، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله الرسول المعلم ، والنبي الملهم ، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه وسلم . . وبعد :
فإن مما يؤسف النفوس المسلمة ، ويثير القلوب المؤمنة ، وأيم الله أقولها وكلي
حرقة ، وأعرف أن الجميع من المأمومين المصلين الخاشعين الراكعين الساجدين ،
يجدون آلاماً ، ويزفرون جراحاً ، عندما يُجبرون على إمام لمسجدهم ، يشبه هُبل
أو اللات والعزى ، صنم صامت لا يتكلم ، لا حراك فيه ، ولا يُرجى منه خير أبداً
.
لهذه معضلة الكثير والكثير من المساجد اليوم ، وجود أئمة كل اهتمامهم ، نهاية
الشهر ، فهم ينتظرونه بفارغ الصبر ، فالمهمة مقصورة على الراتب المشبوه ، وأقول
مشبوه ، لأن الملاحظ للكثير من الأئمة أنهم لا يقومون بواجبهم تجاه مساجدهم ،
ولا نحو جيرانهم ، ولا من حولهم من المصلين ، فالمنكرات تعج بها الأحياء ، ولا
سائل ولا مسؤول ، ولا منكر ولا نكير ، فقدوا واجب الأمانة ، وأداء النصيحة ،
وبذل الخير ، ونسوا أن من أعطي الأجر طولب بالعمل .
وفروع الوزارة تطلب من الإمام أن يكون قدوة ، بل من ضرورات الإمامة أن يكون
الإمام قدوة وأسوة ، لاسيما في الانضباط في الوقت ، وحضور جميع الصلوات في
مسجده إماماً للمصلين ، ولا يُقبل منه التخلف عن الجماعة مهما كانت الأسباب ،
إلا أسباباً قهرية كالمرض العضال ، والسفر اللازم ، وما عدا ذلك ، فالإمام محط
أنظار الناس حوله .
لكن الملاحظ اليوم أن الغالبية العظمى ، والكثرة الكاثرة من الأئمة دون المستوى
المطلوب علماً وفقهاً وورعاً وتقوىً ونصيحة ومشورة ، فلا يبالي الإمام أحضر أم
لم يحضر ، ربما لعدم وجود المراقبة الدقيقة من فروع الوزارة ، أو لعدم وجود
عقوبة صارمة ، وربما كان لبعض الأئمة واسطة أو شفاعة يحظى بها ، أو للمحسوبية
والمكانة التي هو يتسنمها ، إلى غير ذلك من الأسباب .
الإمام منهمك بالعمار ، أو العقار ، أو الزواج ، أو الأسهم ، أو ما شابه ذلك من
مشاغل الحياة الدنيا ، وترك أمور الآخرة وراء ظهره ، والمؤسف له حقاً ، عندما
تجد أحدهم وقد وضع جدولاً للقراءة اليومية ، فهي موزعة من السبت إلى الجمعة ،
في الفروض الجهرية ، فإذا ما أتيت إليه يوم السبت وجدته يقرأ في سورة ق _ آيات
معينة منها _ وإذا أتيت أي سبت آخر ، وجدته يقرأ نفس الآيات ، وهكذا دواليك .
المسجد فيه من الأخطاء الكثير ، والناس تطحنهم الشحناء ، وأكثرهم لا يعرف بعضهم
بعضاً ، والمسجد حالته يُرثى لها .
وياليت الإمام ممن يحافظ على فروضه وواجباته ، بل ربما وجدت منزله يبعد المسجد
عشرة أمتار أو أقل ، ومع ذلك يفقده جماعة المسجد في الفجر والعصر غالباً ،
وبقية الفروض أحياناً .
فأين الأمانة ؟ وأين المسؤولية المناطة بالإمام في التوجيه والإرشاد والنصح ؟
فاتقوا الله أيها الأئمة ، واعلموا أن أموالكم أعداء لكم ، فسوف تُسألون عنها ،
من أين اكتسبتموها ، وفيم أنفقتموها ؟
أيها الأخوة الكرام ، كم نسمع أصوات الجوالات عالية في المساجد ، وأصوات
الأطفال وضحكاتهم المتتابعة ، ولعبهم المستمر في بيوت الله تعالى ، كما أن هناك
فئة من الناس تراه يمر أمام المصلين المنفردين وكذلك بعض الأطفال ، مما يعكر
صفو المصلي ، ولا تجد أثراً ور رجعاً حيال هذه الأمور المهمة والخطيرة .
كما أن الكثير من الأئمة يغفل عن الورد اليومي للمصلين ، فلا ينبه في المناسبات
المهمة كقدوم رمضان ونهايته ، والأعياد والحج ، وصيام عاشوراء وغيرها من
المناسبات المهمة التي تحتاج إلى تذكير ونصح وتوجيه .
وأما درس العصر والعشاء ، فهذه قد اندثرت ، وأكل عليها الزمن وشرب ، بل صُلي
عليها صلاة الميت .
وهي دروس مهمة ، تفيد الناس لاسيما كتاب التوحيد ، والفتاوى المعاصرة لهيئة
كبار العلماء ، وكتاب رياض الصالحين ، وغيرها من الكتب الجميلة والمشوقة والتي
كتب الله لها القبول عند الأمة .
فينبغي على الأئمة أن يدركوا هذه الحقائق ، ويعملوا لما فيه مصلحة العامة ، وأن
يخلصوا في أمانة المساجد ، وأن يقوموا بواجبهم تجاه ذلك ، فلو كانت الغاية من
الإمامة القراءة على الناس في الصلاة ، لكان هناك ممن ليسوا بمتمسكين ولا
ملتزمين أولى من غيرهم ، فهم أحفظ من بعض الأئمة ، وأجود قراءة ، وأندى صوتاً ،
وربما لديهم من العلم والجرأة ما يجعل أحدهم يُقدم للصلاة من غيره ، لولا حلق
اللحى وإسبال الثياب وشرب الدخان .
وحتى أكون منصفاً ، أقول : أن هناك أئمة على النقيض مما ذُكر ، فهم أمناء
مخلصين صادقين ، بل منهم من تصدق براتب المسجد ولا يعرفه ولا يمر على جيبه ، بل
هو لأهل العوز والحاجة من المساكين والفقراء ، والأيتام والأرامل ، فلله درهم .
لقد عرفنا بعضهم ممن لديهم العلم والفقه والفهم والغيرة على دين الله تعالى ،
فغالب أوقاته بعد الصلاة دروس وكلمات وتوجيهات ، حتى ترى تعلق أهل الحي به
كثيراً ، يحل المشاكل ، ويؤلف بين المتخاصمين ، ويزور المقصرين والمتكاسلين ،
ويقيم الاجتماعات لأهل حيه ، يناقشهم ويناقشونه ، فيما يعود على الحي والمجتمع
بالخير والفضل العظيم .
فإن كان غيرهم أصناماً صامتة ، فهم الجبال الشماء المتحدثة ، نفع الله بهم
كثيراً من الناس ، فوقتهم لغيرهم ، وجهدهم للمسلمين .
فطوبى لهم ، ورزقهم الله الإخلاص في أعمالهم ، وجزاهم الله خير الجزاء على
جهودهم ، ورفع مكانتهم ، وأثابهم على ذلك الخير الكثير .
فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور ، فالدنيا زائلة فانية ،
فاعملوا فيها لما يكون لكم ذخراً عن ربكم وخالقكم ، فاليوم عمل لا حساب ، وغداً
حساب ولا عمل .
أرجو أن يعذرني إخواني الأئمة إن قسوت شيئاً ، فإن ما دفعني للكتابة في هذا
الموضوع هو ما شاهدته خلال صلاتي في بعض المساجد ، وما رأيته وسمعته من كثير من
المأمومين ، واعتراضهم وشكواهم للمقصرين من الأئمة ، ولكن للأسف لا حياة لمن
تنادي .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك