|
الحمد لله ذي العرش المجيد ، الفعال لما يريد ، الأقرب لعباده من حبل الوريد ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبدئ ويعيد ، كتب الموت لكل العبيد ،
فقال الأحد الشهيد : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا
كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } ، قسَّم العباد إلى شقي وسعيد ، وعد عباده المؤمنين
بيوم المزيد ، { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } ،
وتوعد العصاة بيوم شديد ، فقال العزيز الحميد : { كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ
فَحَقَّ وَعِيدِ } ، هدد كل كفار عنيد ، بالنار والحديد ، { أُوْلَـئِكَ فِي
ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } ، وحذر المسلمين من اتباع سبيل كل كافر عنيد ، فقال الواحد
المجيد : { وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } ، وأشهد أن محمداً عبد
الله ورسوله النبي الرشيد ، ذو الرأي السديد ، صلى الله وسلم عليه من قريب
وبعيد ، وعلى آله وأصحابه خير من أطاعوا ربهم من العبيد ، جاهدوا في البحر
والصعيد ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعد والوعيد . . وبعد :
أثناء مطالعتي لبعض صحفنا المحلية والأجنبية ، استوقفتني بعض المقالات التي يقف
لها العاقل مشدوهاً ، والحليم حيران ، والتي أثارت انتباهي ، وأقلقت مشاعري ،
خوفاً على نفسي ، وعلى إخواني وأخواتي المسلمين والمسلمات ، ومن باب الإيمان
بالله ، وامتثالاً لقول الحبيب المصطفى ، والنبي المجتبى _ صلى الله عليه وسلم
_ : " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ ( أَوْ قَالَ لِجَارِهِ
) مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " [ متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ،
وما بين القوسين عند مسلم ] .
وعندما يمشي أحدنا في الشوارع ، أو يحتاج لحاجة فيذهب إلى السوق ، يجد شيئاً
يحشرج في نفسه ، وغصة في حلقه ، سببها مرارة المشاهد ، وسوء المناظر التي
يطالعها هنا وهناك ، وهي عوائق والله تعيق المرء عن سلوك الطريق الصحيح ،
والسبيل السوي الأقوم ، فكانت هذه الخواطر التي سطرتها الأنامل على الأسطر ،
لعل الله أن ينفع بها الجميع .
وحتى لا أطيل على القارئ الكريم ، فنبدأ بإذن الله تعالى أولى العوائق .
العائق الأول :
العلمانية تعني : اللادينية ، ورجل علماني أي : رجل لا دين له ، والعلمانية :
تدعو إلى فصل الدين عن جميع مجالات الحياة ، فالدين لا يكون إلا في المساجد ،
وإذا خرجت من المسجد ، فلا دين ، بل كل إباحية ، وكل معصية ، تستطيع فعلها
فافعلها ، ولهذا نرى أولئك العلمانيون _ المنافقون _ ينهقون كالحمير ، وينبحون
كالكلاب ، وينعقون كالغربان ، مطالبين بأمور حرمها الشرع منذ بزوغ فجره ،
احتواها القرآن العظيم ، وسنة النبي الكريم _ صلى الله عليه وسلم _ فهم يدعون
كما يشاهد جميع الناس ، وكما يسمعون ، يدعون إلى تحرير المرأة ، وربما ظن
المغفل أنهم يدعون إلى تحريرها من الظلم والاضطهاد الواقعين من قبل بعض الأزواج
الظلمة الفجرة ، ولكنهم يدعون إلى أمور مغلفة بهذه الترهات والأحلام الفاضحات ،
فربما انطلى الأمر على كثير من السذج والجهلاء من الناس ، والحقيقة التي لا
مراء فيها ، أنهم يدعون إلى تحرير المرأة من قيود الشرع المطهر ، يدعون إلى
خروج المرأة من بيتها بكامل زينتها ، يريدون المرأة أن تختلط بالرجال الأجانب
كي تكون فريسة سهلة للذئاب البشرية ، يريدون من المرأة أن تقود السيارة وتعرض
نفسها لهتك عرضها ، وخدش حيائها ، والفتك بأنوثتها ، هذه هي مطامع القوم في
المرأة المسلمة ، لإخراجها من خدرها ، والافتتان بها ، حتى تكون ألعوبة بيد
شياطين الإنس والجن ، والأدلة على تحريم دعواهم ، وبطلان مزاعمهم كثيرة ، وليس
الموقف موقف سرد الأدلة ، ولكن هاكم شيئاً منها :
قال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [ الأحزاب33 ] .
وقال تعالى : { َإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء
حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ الأحزاب53 ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ
أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
[ الأحزاب59 ] .
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَىٰ النِّسَاءِ " ، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟
قَالَ : " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " [ متفق عليه ] .
ولربما ظهر أحد العلمانيين اللبراليين ، عبر شاشات الفضائيات وهو يزين الباطل
بشيء من الحق ، يقول كلمات لاذعة قادحة في الدين والعقيدة ، والسفهاء خلف
الشاشات يتأثرون بما يُقال ويُكال من كلمات جارفة حارقة مارقة ، يؤيد قيادة
المرأة المسلمة بدعوى الحاجة والضرورة ، فيقول : أم لها أربعة أطفال ، زوجها
مشغول ببعثة أو دورة ، وليس لهم من يقضي حاجاتهم ، فلا سبيل لهم إلى ذلك ، إلا
بالسماح للمرأة العفيفة المسلمة الطاهرة النقية بقيادة المركبة _ السيارة _
سبحان الله كلمة حق أريد بها باطل ، أليس لهذه المرأة أخوة وأزواج أخوات ، أليس
لها أعمام وأخوال ، وعمات وخالات وأبناؤهم ، أليس لها والدين ، أليس لها أقارب
، أليس هناك باصات لتوصيل الأطفال من وإلى المدارس ، أليس لها جيران ، سبحان
الله العظيم ، يبطنون ما لا يظهرون .
فأفيقوا أيها الناس ، فالحق ما وافق الكتاب والسنة ، والباطل ما خالفهما ، ومن
تأمل الأدلة السابقة ، ودعوى هذا الرجل الباطلة ، لأيقن يقينا لا جدال فيه ، أن
قيادة المرأة للسيارة باطل من أساسه ، ولهذا امتنع مجلس الشورى حتى من النظر في
هذا الموضوع ، لمعرفتهم بعواقبه الوخيمة ، التي عانت منها الدول حولنا ، فهل
نعيد تجربة فشلت على مستوى الكرة الأرضية ، وظهر خطرها ، وبان ضررها ، لا سيما
والكتاب العزيز والسنة الصحيحة المطهرة حذرا من خروج المرأة لوحدها ، أو
اختلاطها بالرجال ، وأنها أعظم الفتن على الرجال الأجانب .
عَن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم : " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً ، هِيَ أَضَرُّ عَلَىٰ الرِّجَالِ
، مِنَ النِّسَاءِ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللّهَ
مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا
الدُّنْيَا ، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ " [ أخرجه مسلم ] .
فاتقين الله يا نساء المسلمين ، وأطعن الله ورسوله تفلحن وتفزن بالجنان ، وبرب
راض غير غضبان ، وإياكن والاختلاط بكل صوره وأنماطه وأشكاله ، سواءً في الوظائف
أو القيادة أو غير ذلك ، وعلمن أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً ، ومن عصى
الله فليبشر بهذه الآية في كتاب الله ، حيث قال شديد العقاب : { وَمَن يَعْصِ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا
وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء14 ] .
وإني أحذر الرجال والأولياء تحذيراً بليغاً ، جاء على لسان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، من حديث مَعْقِلَ بنَ يَسَارٍ الـمُزَنِـيَّ رضي الله عنه ، حيث
قال : قال رسولَ الله صلَّـى الله علـيهِ وسلَّـمَ يقولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ
يَسْتَرْعِيهِ رَعِيَّةً ، يـموتُ يومَ يـموتُ وهو غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ ، إلاَّ
حَرَّمَ الله علـيهِ الـجنةَ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال27
] .
فأي أمانة يرعاها الرجل وهو يرى موليته تخرج من بيتها سافرة عارية ، متبرجة
بزينة ، والأدهى من ذلك والأمر ، عندما تخرج إلى السوق ، وترى ذكراً _ لا رجلاً
_ ومعه زوجته ، وهي بكامل زينتها ، ويفوح عطرها ، وهو كالخنزير لا يحرك ساكناً
، بل ربما أفرحه ذلك وأشجاه ، فأين الرجولة ؟ وأين الدين ؟ وأين الغيرة يا هذا
؟
وكثيراً ما نشاهد مشاهد العري في الأماكن العامة ، ولا ريب أن ذلك أمر محرم ،
والعجيب عندما ترى شاباً يافعاً ومعه عدة فتيات _ أخواته _ يقودهن في الأسواق
أو الملاهي أو المطاعم العائلية ، وكأنه يعرضهن للبيع ، سلعاً للنظر والمتعة من
قبل الرجال الأجانب ، وهو في نشوة الفرح والقبح ، وربما كان عند بعضهم بقايا من
الغيرة ، فتراه يغضب عندما ينظر أحدهم إلى من معه من الفتيات ، يا أخي : اهتم
بلبس أخواتك ومن معك من النساء ، وأمرهم بالستر والحجاب الكامل ، ووالله لن
يتجرأ أحد من النظر إليهن ، بل الكل سيكن لهن كل تقدير واحترام ، وكل الناس
يعرف ذلك ، وما هذا التبرج إلا نتيجة أمراض ونقص في الشخصية ، وحب جذب للغير ،
فنسأل الله السلامة والعافية .
أترضى أن يتمتع الرجال برؤية زوجتك ؟ ويتغزلون بها ، ويمعنون النظر فيها ،
وربما صوروها عبر الجوالات وهي كذلك ، لتشيع الفاحشة ، اسمع يا هذا حديث عمار
بن ياسر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة
ديوث " [ أخرجه أبو داود الطيالسي 2/33 وفيه ضعف ولكنه يتقوى بالحديث الذي
سيأتي ] .
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : "
ثَلاَثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ أَبَداً : الدَّيُّوثُ ، والرَّجِلَةُ مِنَ
النِّسَاءِ ، والمُــدْمِنُ الخَمْرِ " ، قالوا : يا رسول الله : أما المــدمن
الخمر ؟ فقد عرفناه ، فما الديوث ؟ قال : " الذي لا يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلى
أَهْلِهِ " قلنا : فما الرَّجِلة من النساء ؟ قال : " التي تَتَشَبَّهُ
بالرِّجَالِ " [ أورده الهيثمي وهو حديث مقبول ] .
والديوث : هو الذي لا يغار على أهله ، ويقر فيهم الخبث ، أو يستجلبه لهم .
فهل يُعقل أن رجلاً عاقلاً مؤمناً ، يؤمن بالله واليوم الآخر ، يرضي بأن تقود
امرأته السيارة ، ويتعرض لها الرجال في الشوارع ، ويضايقونها وربما سقطت فريسة
في أيدي بعضهم ، وربما تضررت بذلك ضرراً بالغاً جراء خروجها بمفردها .
وأحذِّر النساء تحذيراً آخر ، من الانسياق وراء المنافقين ، والسير خلف
العلمانيين ، فطريقهم معبد إلى نار جهنم والعياذ بالله ، وانظرن في حقيقة
خَلْقِ المرأة ، لماذا خُلقت ؟ واعلمن أنكن جواهر مصونة ، ودرر مكنونة ، إذا
خرجتن من حصونكن انقض عليكن أعداء الفضيلة ، ودعاة الرذيلة ، واعلمن أنكن أكثر
أهل النار يوم القيامة ، فلا تزدن الجراح ، واسلكن طرق الفلاح ، فوراءكن يوماً
ثقيلاً ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " قُمْتُ عَلَىٰ بَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا
عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ ، وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ _ الغنى _
مَحْبُوسُونَ ، إِلاَّ أَصْحَابَ النَّارِ ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَىٰ
النَّارِ ، وَقُمْتُ عَلَىٰ بَابِ النَّارِ ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا
النِّسَاءُ " [ متفق عليه ] .
العائق الثاني :
أقم صلاتك قبل مماتك ، أمة أكثر أهلها لا يقيمون الصلاة ، ومعظم شبابها لا
يُصلَّون ، تخلوا عن هويتهم الإسلامية ، وخلعوا أجندتهم الدينية ، تراهم على
الأرصفة ، وعلى عتبات الأبواب ، وفي الملاعب ، وفي السيارات ، لقد بلغوا من
السن مبلغاً عظيماً ، منهم من تجاوز العشرين ، ومنهم من يناهزها ، وكل بلغوا سن
الاحتلام ، وجرت عليهم الأقلام ، وبدأت صحائف الأعمال تُسطِّر ، والملائكة
تُسجِّل ، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ، وويل لمن جاء بصحيفة
سوداء مكفهرة .
قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } [ الزمر47 ] .
تمعنوا أيها الشباب ، يا من تركتم الصلاة من أجل الملاهي والمغريات والملهيات ،
من أجل أصحاب السوء ، وأصدقاء الضلال ، تذكروا قول الله تبارك وتعالى : {
وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى
بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء13-14 ] .
أيها الشاب المسلم ، أيها الغافل عن الله ، تذكر أن أعمالك مسطرة : { فِي
كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [ طه52 ] .
أعمالك وأقوالك أيها الشاب المسلم شاهدة عليك ، يوم تعرض على ربك يوم القيامة ،
يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل ، يوم يلجمك العرق من أخمص قدميك إلى
أن يبلغ أذنيك ، تذكر أنك محاسب بما تقول وتعمل ، قال تعالى : { وَاتَّقُواْ
يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا
كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ البقرة281 ] .
وقال سبحانه : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ
مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا
يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا
عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف49 ] .
وقال رب العزة والجلال : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً
وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ يونس44 ] .
تذكروا أيها الشباب عندما كان المؤذن يؤذن للصلاة ، وكأن الأمر لا يعنيكم ،
يالها من غفلة ، الله جل وعلا يدعوكم إلى الخير والفلاح ، والأجر العظيم ،
بأداء الصلوات في بيوته سبحانه ، ضيوفاً كراماً ، قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ
أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ
عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [ النور 36-37 ] .
وأنتم تمتنعون وترفضون ، وعن الصلاة تنامون ، وباللعب واللهو عنها مشغولون ،
قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ
سَاهُونَ } [ الماعون4-5 ] .
نعم أيها الشباب ، رجال لا تلهيهم كرة ، ولا جلسات ، ولا أذية ، ولا أصدقاء سوء
، ولا أفلام ، ولا مسلسلات ، ولا سيارات ، ولا تفحيط ، ولا غير ذلك من توافه
الأحلام الشبابية ، لا تلهيهم تلك الأمور عن إقام الصلاة ، فإذا قال المؤذن :
الله أكبر ، فذلك يعني : أن الله أكبر من كل شيء ، فيجب المسارعة فوراً إلى
المسجد لأداء فرائض الله تعالى ، وكلها خمس صلوات لا غير ، ولا تستغرق الصلاة
الواحدة أكثر من عشر أو اثنتي عشرة دقيقة ، وهذا وقت زهيد جداً في مقابل أوقات
فراغ الشاب المسلم .
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ : " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ ، يَغْتَسِلُ
مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَىٰ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ "
قَالُوا : لاَ يَبْقَىٰ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ، قَالَ : " فَذٰلِكَ مَثَلُ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا " [ متفق عليه ] .
نعم أيها الشباب ، إذا أردتم الفوز في الدنيا والآخرة ، فعليكم بإقامة الصلاة ،
إذا أردتم رحمة الله تعالى ، والفوز بالجنة والنجاة من النار ، فعليكم بأداء
الصلاة جماعة في بيوت الله تعالى .
وأعلموا أيها الشباب أنكم لم تُخلقوا عبثاً ، ولن تتركوا هملاً ، بل خلقتم
لغاية عظيمة ، وحكمة سامية ، لو علمتموها وأيقنتموها لم تتأخروا عنها طرفة عين
، ألم تقرءوا قول الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات56 ] .
أما علمتم أيها الشباب أن تارك الصلاة كافر محكوم بكفره ، ويجب قتله ، لأنه خرج
من دين الإسلام ، فأصبح عدواً للمسلمين ، وليس بأخ لهم ، قال تعالى : { فَإِن
تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي
الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ التوبة11 ] .
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم : " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ المُصَلِّينَ "
[ أخرجه أبو داود ] .
ومعنى الآية والحديث ، أن تارك الصلاة ليس أخاً للمسلمين ، فيجب قتله ما لم يعد
إلى الصلاة ويستمر عليها ويحذر من خطوات الشيطان وأوهامه وأحلامه ، فالمصلي لا
يُقتل ، أما غير المصلي فيجب قتله إذا لم يتب .
ووالله إن المسلم الصادق ليقف حيران ، أمام تلكم الجموع الغفيرة ، التي تقف
أمام مكائن الصرف الآلي ، وهم يصفون صفوفاً طويلة ربما وصلت الكيلو متر ،
والمؤذن ينادي " حي على الصلاة " ، " حي على الفلاح " ، صلاة وفلاحاً أمروا
بإتيانها ، وواجب عليهم إقامتها ، قال تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ
والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ } [ البقرة238 ] .
لقد خف ميزان الصلاة عند كثير من المسلمين ، فأصبحت الصلاة لا تمثل في جدول
أعمالهم شيئاً معتبراً ، بل إن البعض من المسلمين لا يصلي الصلوات إلا بعد
الفراغ من جميع أعماله ، وإكمال نهمة نومه ، ولا شك أن ذلك ذنب كبير ، وشر خطير
، وضرر مستطير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصلاة ، فَإِنْ
صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ
" [ أخرجه النسائي والترمذي وحسنه ، وقال الألباني رحمه الله : صحيح لغيره ] .
قال أبو حاتِم : " في هٰذا الخبرِ دليلٌ على أنَّ أمرَ النبيِّ _ صلى الله عليه
وسلم _ بإتيانِ الجماعات أَمْرٌ حَتْمٌ لا نَدْبٌ ، إذ لو كان القصدُ في قولِه
: " فلا صَلاة لَه إلا مِنْ عُذْرِ " يُرِيدُ به في الفضل ، لكان المعذورُ إذا
صلَّى وحده ، كان له فضلُ الجماعة ، فلما استحال هٰذا ، وبطل ، ثبت أن الأمرَ
بإتيان الجماعة أمرُ إيجابٍ لا ندب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ ، فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ " [
أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح ] .
فهب أيها الرجل أن ملك الموت أتاك لقبض روحك وأنت مستعد لصرف راتبك أو شيئاً من
مالك من الصراف الآلي ، وتسمع الناس وهم يصلون ، وتركت صلاة الجماعة عمداً من
أجل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا ، فما عساك بالله عليك تقول : أتقول : أخرني
لأصلي ، أعتذر لك يا رب لأني لم أصلي الصلاة في وقتها ، وهب أنك مت في تلك
اللحظة وقد تركت الصلاة بالكلية ، فما هو حالك في قبرك يوم توضع في ظلمته ، ألم
تسمع هذا الحديث :
عَنْ أُمِّ أَيمنَ رضي الله عنها ، أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قال :
" لا تَتْرُكِ الصَّلاةَ متَعمِّداً ، فِانَّهُ مَنْ تركَ الصَّلاةَ متعَمِّداً
، فقَدْ برِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله ورسُولِهِ " [ أخرجه أحمد ، وقال الألباني
رحمه الله : صحيح لغيره ] .
وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يقولون
: أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر .
ثم أبشر أيها الشاب إذا تبت إلى الله تعالى توبة نصوحاً ، وعدت إلى ربك عوداً
صادقاً حميداً ، وتركت طيش الشباب ، وهجرت السيئ من الأصحاب ، والفاجر من
الأحباب ، إذا تركت المنكرات ، وعدت لرب البريات ، أبشر ببشارات عظيمة ، وأفراح
كثيرة ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن
بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [
الأعراف153 ] .
وقال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر53 ] .
بل اسمع أعظم البشارات المفرحات ، قال تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان70 ] .
ياله من رب عظيم كريم ، غفور رحيم ، يجازي بالسيئة بمثلها ، وبالحسنة بعشرة
أضعافها إلى أضعاف كثيرة ، بل ويبدل السيئات إلى حسنات ، ثم بعد ذلك يُعصى
الإله الرحيم الكريم .
انظروا أيها الشباب كيف أن الله تعالى يتحبب إليكم بإنزال الخيرات ، وإتمام
الصحة والعافية لكم ، ولا يؤاخذكم بفعل المعصية فوراً ، بل يمهل لمفرطكم ،
ويملي لظالمكم لعلكم تعودون ، ولو أن الله تعالى أخذكم فور اقترافكم الذنب ،
لكان عدلاً منه سبحانه ، ولكنه أرحم الراحمين ، والعافي عن المذنبين ، وقابل
التائبين ، قال تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا
تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }
[ النحل61 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا
تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ
مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً
} [ فاطر45 ] .
وَعَنْ أَبِي مُوسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلّم : " إنَّ اللَّه يُمْلِي لِلظَّالِمِ ، فَإذَا أَخَذَهُ لَمْ
يُفْلِتْه ُ، ثُمَّ قَرَأَ : { وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ الْقُرَى
وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } " هود 201 " [ أخرجه البخاري
ومسلم ] .
وهناك كم هائل من المسلمين يتركون الصلاة لأجل شهوة النوم ، فيقدمون رغباتهم
على أمر مولاهم وخالقهم ، يتركون الصلاة لأجل النوم ، ومنهم من يؤخرها لأجل أخذ
قسط من الراحة ، فإذا ما استيقظ سرد الصلوات الفائتة تباعاً ، والنصوص الشرعية
تأبى ذلك وترفضه وترده ، وقد توعد الله أولئك العصاة بوعيد شديد ، قال تعالى :
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً } [ مريم59 ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم : " إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، صَلاَةُ
الْعِشَاءِ ، وَصَلاَةُ الْفَجْرِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا ،
لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ
فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ
مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ ، إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ
الصَّلاَةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ " [ متفق عليه ] .
يا الله ، يا له من عذاب ونكال شديد همَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن
ترك صلاة الجماعة ، وآثر الصلاة في بيته ، ومن ترك صلاة العشاء والفجر ولم
يصلها في المسجد فهو في عِداد المنافقين الذين قال الله فيهم : { إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ
إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ
اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء142 ] .
وقال سبحانه وتعالى في عذابهم : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [ النساء145 ] .
وعن بريدة رضي الله عنه أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : "
مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ " .
وعن سَمُرَة بن جنْدب رضيَ الله عنه قال : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
مما يكثرُ أَن يقول لأصحابِهِ : " هل رأى أَحدٌ منكم من رُؤيا ؟ قال : فيَقصُّ
عليه ما شاء الله أن يَقصَّ ، وإِنه قال لنا ذاتَ غَداةٍ : إِنَّه أتاني
الليلةَ آتِيان ، وإِنهما ابتعثاني ، وإِنهما قالا لي : انطلِق ، وإِني انطلقتُ
معهما ، وإِنا أَتينا على رجل مَضْطجع ، وإِذا آخرُ قائم عليهِ بصخرةٍ ، وإِذا
هو يَهوي بالصخرةِ لِرَأسهِ فيَثْلغ رأسَهُ ، فيتدَهدَه _ يتدحرج _ الحجر ها
هنا ، فيتبعُ الحجرَ فيأخُذُه ، فلا يَرجع إِليه حتى يَصحَّ رأسُه كما كان ،
ثمَّ يَعودُ عليه فيفعل به مثلَ ما فَعَلَ به المرَّةَ الأولى ، قال : قلتُ
لهما : سُبحانَ الله ، ما هذانِ ؟ . . . قالا : إِنه الرجلُ يأخذُ القرآن
فيرفضهُ ، وينامُ عن الصلاة المكتوبة " [ أخرجه البخاري ] .
فما قيمة حياة يكون بعدها عناء وعذاب لا تطيقه الجبال الراسيات ، والله إنها
لحياة بؤس ونكد وندامة .
وأبشر يا من أطعت الله ورسوله ، فآثرت رضى الله على رضى نفسك ، أبشر بهذه
النصوص ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ : " مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ ، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ " [
أخرجه ابن ماجة بسند صحيح ] .
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" بَشِّرِ الْمَشَّائين في الظُّلمِ إِلى الْمَسَاجِدِ ، بالنّورِ التّام يَوْم
الْقِيامَةِ " [ أخرجه الحاكم واللفظ له ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه ] .
فأوصي جميع إخواني الشباب بطاعة الله تعالى ، إذا رغبوا في التوفيق والسداد في
هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة ، إذا أرادوا راحة البال والاطمئنان ، إذا أرادوا
السعادة والحياة الهانئة الهادئة ، فعليكم أن تتمسكوا بشعائر دينكم ، وكفاكم
لعباً ولهواً ومعصية ، ولقد آن الأوان للعودة لدين الله تعالى .
العائق الثالث :
المخدرات ، ذلك الشبح المخيف ، والحلم المفزع ، والوهم المفجع ، يحسبه المدمن
مكان الأمن والنشوة والفرح ، وإذا به مكمن الخطورة ، بل هو السلاح النائم ، ما
إن تستعمله حتى توقظ الهمَّ في حياتك ، وتنغص يومك وليلتك ، وتشتري بيديك عذابك
، وعدم راحتك .
ولنبدأ بهذه الآيات الكريمات التي بين الله تعالى فيها ضرر الخمر على الأفراد
والمجتمعات ، بين سبحانه تحريم الخمر ومشتقاته ومترادفاته ، كالمخدرات ،
والحشيش والقات والمسكرات ، والدخان والشيشة والمفترات ، لأنها بوابات لدخول
عالم المخدرات ، قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ
مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ
يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [ البقرة219 ] .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن
يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ
} [ المائدة90-91 ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ : " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ
يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ
يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ " [ متفق عليه
واللفظ لمسلم ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى اله عليه
وسلم : " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " [ أخرجه مسلم ] .
ومعنى الحرام : ما يثاب تاركه ، ويعاقب فاعله .
فحينما تمسك المخدرات بتلابيب الإنسان ، وتستشري في دمه ولحمه ، فهي تستأصل كل
مواصفات آدميته ، ويتحول المدمن إلى كتلة من الرغبة الجامحة ، والنزوة الطامحة
، وفي سبيل الحصول على لحظة الوهم القاتل ، والحلم الفاشل ، فإنه يلغي كل
المُثل والقيم والأخلاقيات ، ويسقط في براثن الحياة البهيمية ، والنشوة
الحيوانية ، ويقع في مستنقع الإدمان ، ووحل الخذلان ، قال تعالى : { أَمْ
تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا
كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان44 ] .
فما أسوأ أن يفقد الإنسان إنسانيته ، ويتخلى عن إيمانه ، بدخوله عالم المخدرات
، ويحلق في أجواء المنحلين والمنحلات ، والساقطين والساقطات ، فتضيع حياته
هباءً منثوراً ، ويفقد ثقة جميع الناس ، بل يعيش في بيته كسرطان يجب اجتثاثه ،
وجرثومة يجب استئصالها ، وعضو فاسد يجب بتره .
فلا يأمنه الناس على أهليهم وأموالهم ، بل أدهى من ذلك ، أن أهله لا يأمنونه
على أنفسهم وأموالهم ، فلربما فعل أمراً قبيحاً مشيناً تبوء الأسرة بعاقبته مدى
الحياة .
لأن المدمن فاقد العقل والأهلية ، كما قال الله عز وجل : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ
لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف179 ] .
كم من أسر تحطمت حياتها ، ومات أفرادها ، بسبب وجود مدمن في بيتها ، المدمن
كالثعبان النائم ، ما إن يحتاج إلى التعاطي حتى تراه هائجاً هائماً ، يضرب
ويكسر ، ويفعل المستحيل للحصول على المخدر ، وربما باع عرضه ، وأثاث بيته ، وكل
ما يملك ، حتى إنسانيته ، بل يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، والشواهد على ذلك
كثيرة ، فمن طالع الصحف ، وأقسام الشرطة ، ومستشفيات الأمل لعلاج الإدمان ،
ومراكز هيئات الأمر بالمعروف ، لوجد شيئاً لا يصدقه عقل عاقل ، ولكن وللأسف هي
الحقيقة المرة التي لم يرد تصديقها أحد .
المخدرات سبب لإزهاق الأرواح ، فكم من شاب وشابة وجد مشنوقاً ، أو مقتولاً بيده
لا بيد غيره ، بسبب الضغوط النفسية التي يعاني منها ، فكلما أفاق من المخدر
احتاج للمخدر ، فتصبح حياته سوداء قاتمة ، لا طعم للإيمان فيها ، ولا لون
للسعادة فيها ، فما هي إلا أشهر من الإدمان حتى يُقال فلان أو فلانة انتحر ، أو
اعتدى على أحد أقاربه فأرداه قتيلاً ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ
عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ
يَسِيراً } [ النساء29-30 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ } [ البقرة195 ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله
عليه وسلم : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ ،
يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، خَالِداً فِيهَا أَبَداً
، وَمَنْ شَرِبَ سَمّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ ، خَالِداً مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ
فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، خَالِداً
مُخَلَّداً فِيهَا أَبَداً " [ متفق عليه ] .
وأهمس في آذان الآباء والأمهات ، إياكم والحرية الفردية المزعومة ، بأن تتركوا
للفتى أو الفتاة الحرية في اختيار الأصدقاء ، لاسيما ونحن في زمن فشت فيه ظواهر
غير طبيعية ، ولا أخلاقية ، ولا دينية ، دخل من أبوابها كثير من الشباب
والشابات فوقعوا فريسة للإدمان والمخدرات ، وكما قيل : سباق الألف ميل يبدأ
بالخطوة الأولى ، والخطوة الأولى هنا هي باب الدخان والهاتف ومشاهدة أفلام
الرغبة الجنسية والجسدية ، والكيف والتعاطي ، هنا لابد للشاب أو الشابة من
التقليد الأعمى ، والانسياق وراء توافه الأحلام ، وأوهام الشيطان ، الذي يسبب
الإدمان وانهيار الحياة الأسرية ، وبالتالي يشل حركة المجتمع ، ويقطع سير الأمة
الحثيث .
لأن الشاب والشابة هما ركيزتا الأسرة ، فإذا ما خسرت الأسر مثل هذه الركائز ،
فعلى الأمة السلام .
ولقد جاء الإسلام ، هذا الشرع الإلهي المطهر بحفظ بني الإنسان من كل شيء يؤذيه
، أو يكون سبباً في إيذائه ، فالإنسان مخلوق لعبادة الواحد القهار ، ولا يجوز
له بحال أن ينخلع عما خلق لأجله ، فإن فعل فالله يمهل له لعله يتوب ويعود ، فإن
تاب ، تاب الله عليه ، وإن عصى واستمر في الغي والهوى ، فالله شديد العقاب ،
قال تعالى : { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ
وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ البقرة211 } .
فأعظم نعمة أنعمها الله على عباده ، هي نعمة الإيمان والهداية لدين الإسلام ،
قال تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ
الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ
بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ
الْحِسَابِ } [ آل عمران19 ] .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إنا كنا أذلّ قوم ، فأعزّنا الله بالإسلام
، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزنا الله به ، أذلنا الله " [ أخرجه الحاكم في
المستدرك ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ] .
ولقد حفظ الإسلام كل حياة العبد ، وكل أعضاء جسده ، وحرم التعرض لها بحال ، ما
لم يكن في ذلك حق شرعي ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ
مُسْلِمٍ ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلٰهَ إلاَّ اللّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللّهِ ،
إلاَّ بِإِحدَىٰ ثَلاَثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ،
وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ " [ متفق عليه ] .
ومن شديد أمر الخمر والمخدرات ما يترتب على تعاطيها من مخاطر كثيرة وعديدة منها
:
=
أنها سبب لترك الصلاة : فالمدمن لا يستطيع أن يفيق ، بل كلما أفاق احتاج لجرعة
ليتخلص من عذاب الضمير ، وشدة ألم الجسد ، فكيف يصلي وهذه حاله ، فهذا حاله إلى
أن يتوب ، أو يلقى الله بهذه الحالة المزرية ، والنهاية المؤسفة ، بل المؤسف أن
شارب الخمر ومتعادي المخدرات لا تقبل له صلاة ما دام أثرها في عروقه وجسده ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلّم : " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ
أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ، فَإنْ تَابَ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإنْ عَادَ لَمْ
تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ، فَإنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ
عَلَيْهِ ، فَإنْ عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ،
فَإنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ ، لَمْ
تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ، فَإنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ
عَلَيْهِ ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ " ،
قِيلَ : يا أَبَا عَبْدِ الرَّحمنِ ! وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : نَهْرٌ
يَجْرِي مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ [ أخرجه الترمذي وحسنه ، والحاكم وقال :
صحيح الإسناد ، ووافقه الألباني رحمهم الله ] .
=
تعاطي المخدرات ، وشرب الخمر ، سبب لغضب الجبار ، الواحد القهار ، لأنها في
تعاطيها معصية لله عز وجل ، وخرقاً لأوامره سبحانه ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ
الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
: " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ
اسْمِهَا ، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنّيَاتِ ،
يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ
وَالْخَنَازِيرَ " [ أخرجه ابن حبان وابن ماجة ، وقال الألباني رحمه الله :
صحيح لغيره ] .
=
تعاطي المخدرات ، وشرب الخمر ، سبب لكل فاحشة ورذيلة ، وطريق إلى الشذوذ الجنسي
والأخلاقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " اجْتَنِبوا الخَمْرَ ، فَإِنّها مِفْتاحُ كُلِّ شَرّ " [ أخرجه الحاكم
وغيره ، وقال : صحيح الإسناد ، وقال الألباني رحمه : حسن لغيره ] ، فمتعاطي
المخدرات لا يمنعه دين ولا خلق من ارتكاب أشد منها جرماً ، وأعظم منها ضرراً ،
وأخطر فتكاً ، فإذا غاب العقل الذي هو مناط التكليف ، فناهيك بما يفعله السكران
، وفاقد الوعي والعقل من الجرائم والآثام ، قالَ عثمانُ بنُ عَفَّانَ رضي الله
عنه : " إِيَّاكُمْ والخَمْرَ ، فَإِنَّهَا مفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ، أُتِيَ رجلٌ
فقيلَ لهُ : إِمَّا أَنْ تُحْرِقَ هَذَا الكتابَ ، وإِمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا
الصبيَّ ، وإِمَّا أَنْ تَقَعَ على هذِهِ المرأةِ ، وإِمَّا أَنْ تَشْرَبَ
هَذَا الكأسَ ، وإِمَّا أَنْ تَسْجُدَ لِهَذَا الصليبِ ، قالَ : فَلَمْ يَرَ
فِيْهَا شيئاً أهونَ من شُرْبِ الكأسِ ، فلمَّا شَرِبَهَا ، سَجَدَ للصليب ،
وقَتَلَ الصبيَّ ، ووقَعَ على المرأةِ ، وحَرَقَ الكتابَ " [ أخرجه البيهقي ] .
=
تعاطي المخدرات ، وشرب الخمور ، سبب للحرمان من دخول الجنان ، عن أبي موسى رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ
مُدْمِنُ خَمْرٍ ، ولا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ ، ولا قَاطِعٌ رحم " [ أخرجه ابن حبان
، وقال الألباني رحمه الله : حسن لغيره ] .
=
أنها سبب للعنة الله تعالى : فمتعاطي المخدرات ملعون ، لعنه الله عز وجل ،
وطرده وأبعده عن رحمته ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : " أتاني جبريل فقال : يا محمد ، إن الله عز وجل لعن
الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وشاربها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ،
ومبتاعها ، وساقيها ، ومستقيها " [ أخرجه أحمد بإسناد صحيح ] .
=
شرب الخمر ، وتعاطي المخدرات ، غواية شيطانية ، وابتعاد عن منهج الله القويم ،
وصراطه المستقيم ، عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم : : ليلةَ أُسرِيَ بي رأيتُ موسى ، وإِذا هوَ رجُلٌ ضَرْبٌ رَجلٌ ،
كأنهُ من رجالِ شَنوءَة ، ورأيتُ عيسى فإِذا هو رجلٌ رَبعة أحمرٌ ، كأنما خرجَ
من ديماس ، وأنا أشبَهُ ولدِ إبراهيم صلى الله عليه وسلم به ، ثمَّ أُتِيتُ
بإناءَينِ ، في أحدِهما لبنٌ ، وفي الآخر خمرٌ ، فقال : اشرَبْ أيَّهما شئت ،
فأخذتُ اللبنَ فشرِبتُه ، فقيل : أخذتَ الفطْرة ، أما إِنكَ لو أخَذتَ الخمرَ
غَوَتْ أُمتُك " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه سلم أصاب الفطرة السليمة ، فكيف يجرؤ عبد أن
يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها ، ويتبع زيغ الشيطان وخطواته ، وأكاذيبه
وزلاته .
=
تعاطي المخدرات ، وشرب الخمور ، دليل على قرب وقوع القيامة ، عن أنسٍ رضيَ الله
عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أشراطِ الساعة : أن
يَظهرَ الجهلُ ، ويَقلَّ العلم ، ويَظهرَ الزِّنا ، وتُشرَبَ الخمرُ ، ويَقلَّ
الرجالُ ، وتكثرَ النساءُ ، حتى يكونَ لخمسينَ امرأةً قَيِّمُهن رجُلٌ واحد " [
أخرجه البخاري ومسلم ] .
فكيف يتجرأ عبد ضعيف على مخالفة أمر ربه ، ويهلك ماله وعقله ، ويمرض جسده بغير
وجه حق ، سيما وقد أوردت بعض الأدلة والنصوص الدالة على تحريم التعرض للنفس بأي
أذى ، وأن من فعل ذلك فقراره نار جهنم والعياذ بالله ، وأختم بهذه الآية
الجامعة ، قال تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ
حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [
النساء14 ] .
والعوائق عن دخول الجنة كثيرة ، لا يسعها الوقت ولا الجهد ، وحسبي أني نصحت ،
ووجهت إلى الوجهة السليمة بإذن الله تعالى ، والحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب
العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد .