المعارضة مبغوضة . . . والمظاهرة مرفوضة
ماذا ينقمون من حكامنا ؟
ماذا يريدون من بلادنا ؟
إنهم يحاربوننا في ديننا !
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد الله رب الأرباب ، وقاهر الصلاب ، ومسبب الأسباب ، وخالق الإنسان من تراب
، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الغفور التواب ، شديد العقاب ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأواب ، والرسول التواب ، صلى الله وسلم
عليه ما ظهر نجم وغاب ، وعلى آله وأهل بيته خير الأهل والأحباب ، وعلى الصحابة
الكرام أفضل الخلان والأصحاب ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب . .
وبعد :
خلق الخلق لعبادته سبحانه دون سواه ، فقال سبحانه : " وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون " [ الذاريات 56 ] ، ولما خلقهم لعبادته فمنهم من آمن بربه ، ومنهم من
كفر ، فمن آمن فله الرضا والجنة ، ومن كفر فله السخط والنار ، ومن حكمة المولى
جلت قدرته أن جعل في الناس من يتولى أمورهم ويجمع كلمتهم ، ويلم شعثهم ،
ويسوسهم بسياسة الإسلام الخالدة ، فما من قوم ولا دولة إلا وكان فيهم ملوكاً
وأمراءً وخلفاء يديرون شؤون الدولة ، ويرعون حق الرعية ، ولا يمكن أن تقوم
لدولة من الدول قائمة إلا إذا التأم شملها ، وتلاحم أفرادها ، واجتمع شعبها ،
وأمَّروا أحدهم عليهم ممن يخاف الله تعالى ، ويعمل بشرعه ، ويُحكِّم سنة نبيه
فيهم .
فأمر الخلافة والملك والإمرة في الشعوب من أعظم أسباب استقرارها ، واستتباب
أمنها ، وهو أمر مجمع عليه بين العلماء قاطبة ، وغلت فيه طائفة الشيعة وجعلوها
ركن الدين وقاعدة الإسلام ، وألصقوها بآل البيت بعلي بن أبي طالب وبنوه رضي
الله عنهم أجمعين [ مقدمة ابن خلدون 190 بتصرف ] .
وكما قلت : فقد أجمعت الأمة على وجوب عقد الإمامة أو الولاية أو وجود حاكم يحكم
البلاد ولا يتركها هملاً ، وأجمعت الأمة أيضاً على وجوب الانقياد والطاعة لمن
تم اختياره والياً أو حاكماً يحكم بالعدل والسوية بين الناس ، ويقيم فيهم أحكام
الله تعالى ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم بمجرد أن بلغهم نبأ وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم بادروا إلى عقد اجتماع في سقيفة بني ساعدة ، وتركوا أهم الأمور لديهم
في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشييع جثمانه الطاهر ، وتداولوا في أمر
الخلافة .
وهم وإن اختلفوا في بادئ الأمر حول الشخص الذي ينبغي أن يبايع ، أو على الصفات
التي يجب أن تتوفر فيمن يختارونه ، إلا إنهم لم يختلفوا في وجوب نصب إمام
للمسلمين ، ولم يقل أحد مطلقاً لا حاجة إلى ذلك ، وبايعوا أبا بكر رضي الله عنه
، ووافق بقية الصحابة الذين لم يكونوا حاضرين في السقيفة ، وبقيت هذه السنة في
كل العصور ، فكان ذلك إجماعاً على وجوب نصب الإمام .
وهذا الوجوب للكفاية ، فإذا قام به من
هو أهله سقط الإثم عن الجميع ، وإن لم يقوموا به أثم من الأمة فريقان :
1- أهل الاختيار وهم : أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس ، حتى يختاروا
إماماً للأمة .
2- أهل الإمامة وهم : من تتوفر فيهم شروط الإمامة ، إلى أن يُنصب أحدهم إماماً
.
وشروط الإمامة المتفق عليها بين العلماء
ما يلي :
أولاً /
الإسلام : وهذا معلوم لقوله تعالى : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلاً " [ النساء 141 ] .
ثانياً /
التكليف : ويشمل العقل والبلوغ ، فلا تصح إمامة الصبي والمجنون ، لأنهما في
ولاية غيرهما ، فلا يليان أمور المسلمين .
ثالثاً /
الذكورة : فلا تصح إمامة النساء ، لحديث أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : لَقَدْ
نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى
قَالَ : " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً " [ أخرجه
البخاري ] .
رابعاً /
الكفاية ولو بغيره : والكفاية هي الجرأة والشجاعة والنجدة ، بحيث يكون قيماً
بأمر الحرب والسياسة وإقامة الحدود والذب عن الأمة .
خامساً /
الحرية : فلا يصح عقد الإمامة لمن فيه رق ، لأنه مشغول بخدمة سيده .
سادساً /
سلامة الحواس والأعضاء : مما يمنع استيفاء الحركة للنهوض بمهام الأمة .
هذه هي الشروط المتفق عليها بين العلماء ، وهناك شروط أخرى مختلف فيها كالعدالة
والاجتهاد والنسب [ الموسوعة الفقهية 6 / 217 ، مقدمة ابن خلدون 185 وما بعدها
] .
فإذا عرفنا ذلك وأيقنا به ، فإن من أعظم ما أمر الله به طاعة ولاة الأمر ، لا
سيما إن كانوا يحكمون بشريعة الرحمن جل وعلا ، ويظهرون في الناس سنة نبيه صلى
الله عليه وسلم ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ . . " [ النساء 59 ] ،
وقال تعالى : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا
قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " [ النساء 65 ] .
فتلك النصوص الشرعية تبين وجوب طاعة الأمير ومن تولى زمام الأمور في الدولة ،
وحاكمها الأعلى ، ثم طاعة من ولاه الملك على أمور المسلمين في كل مدينة أو
محافظة من مدن ومحافظات تلك الدولة ، فلن تسير سفينة الدولة إلى بر الأمان إلا
بالطاعة لولي الأمر ، وعدم مناقضته أو مناهضته ، فإن ذلك يفضي إلى دمار الديار
، وخراب العمران ، وسفك الدماء ، حتى يعيش الجميع وكأنهم في غابة يأكل فيها
القوي الضعيف ، وتستبد فيها الأمور ، ويهلك الضعفاء والفقراء ، والنساء
والأطفال وكبار السن ، فإن كان ذلك هو الحاصل فعلاً ، فلابد من حاكم يحكم
الرعية ويتولى خطام أمرها ، ثم يجب على الرعية السمع والطاعة له ، عَنْ أُمِّ
الْحُصَيْنِ قَالَت : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ ،
أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى
رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّمْسِ ،
قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا
كَثِيرًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ
مُجَدَّعٌ ، قَالَتْ : أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا " [ أخرجه مسلم ] ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ
كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ
السُّلْطَانِ شِبْرًا ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " [ أخرجه البخاري ومسلم ]
.
دل الحديثان على ما قلته سابقاً من وجوب طاعة الأمير ولو كان ظالماً ، كما حصل
للصحابة رضوان عليهم من طاعة الحجاج بن يوسف الثقفي وهو من هو في الظلم والتعسف
، ولكن خوفهم رضي الله عنهم من تفرق الأمر ، وشق عصى المسلمين ، وافتراق أمرهم
، ووجود النفاق والشقاق ، واتباعاً للكتاب والسنة ، وعلمهم بما سيؤول إليه
الأمر لو نابذوه بالسيوف ، كل ذلك كان سبباً في صبرهم على الظلم ، وتحملهم
للفضاضة والغلظة ، وعدم الخروج على الوالي والحاكم مهما بلغ من ظلمه وجوره ما
لم يأمر بمعصية الله تعالى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ
الْكَعْبَةِ قَالَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ
عَلَيْهِ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : كُنَّا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا
مَنْزِلًا ، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ ،
وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " إِنَّهُ لَمْ
يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ
عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ
لَهُمْ ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا ،
وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ
فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ
: هَذِهِ مُهْلِكَتِي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ
الْمُؤْمِنُ : هَذِهِ هَذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ
وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ
يُؤْتَى إِلَيْهِ ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ
وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ
يُنَازِعُهُ ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ :
أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ ،
وَقَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا
ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ ! يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا
بِالْبَاطِلِ ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا ، وَاللَّهُ يَقُولُ ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) قَالَ : فَسَكَتَ سَاعَةً
ثُمَّ قَالَ : أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ
اللَّهِ " [ أخرجه مسلم ] ، عَنْ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قال : قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ
فِيهِ ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ،
قُلْتُ : هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، قُلْتُ
: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قُلْتُ :
كَيْفَ ؟ قَالَ : " يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ ،
وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ
قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ ، قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ
لِلْأَمِيرِ ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ "
[ أخرجه مسلم ] .
سأل رجل علياً رضي الله عنه : ما بال المسلمين اختلفوا عليك ، ولم يختلفوا على
أبي بكر وعمر ؟ فقال : لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلي ، وأنا اليوم وال
على مثلك [ مقدمة ابن خلدون 203 ] ، يشير رضي الله عنه إلى وازع الدين ، فكأن
من لديه دين لا ينازع الأمر أهله ، ومن ليس لديه دين فإنه يحارب ولاة أمره
ويشنع عليهم ويكيل لهم التهم الباطلة ، فهل هذا أهل لأن يكون حاكماً أو يكون
داعية متبعاً ، كلا ورب الكعبة ليس هو كذلك ، بل هو الذي لابد أن ينابذ بالسيف
ويخرس لسانه وتقطع أركانه ، لإثارته الفتن والقلاقل ، ولإيجاد المشاكل .
وقد حرم العلماء بالإجماع الخروج على ولي الأمر مهما ظهر فسقه وشاع جوره وظلمه
.
قال الحنفية : يُدعى له بالصلاح ونحوه ، ولا يجب الخروج عليه .
وقال الدسوقي : يحرم الخروج على الإمام الجائر ، لأنه لا يُعزل السلطان بالظلم
والفسق وتعطيل الحقوق بعد انعقاد إمامته ، وإنما يجب وعظه وعدم الخروج عليه ،
إنما هو لتقديم أخف المفسدتين ، إلا أن يقوم عليه إمام عدل ، فيجوز الخروج عليه
وإعانة ذلك القائم .
ونحن نقول : هل وجدنا على ولاة أمرنا ما ننقمه عليهم ، بل ظاهر أمرهم الخير
والعدل وما دعوتهم إلى فعل الخير وبذل المعروف إلا دليل على ذلك ، فهاهم يحثون
الناس على إقامة الصلوات في بيوت الله تعالى ، ويأمرون الناس بإخراج زكاة
أموالهم ، ويرغبون في أداء الحج والعمرة ، والمشاركة في المشاريع الخيرية
الهادفة البناءة ، ثم هاهم يدعمون جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ويكرمون طلبتها
والمشاركين فيها ، وهاهم يدعون إلى وحدة الكلمة بين المسلمين ، ودعم الفقراء
داخل وخارج البلاد ، فهلا عقل المسلمون ذلك ؟ وأعرضوا عن أولئك المخربون
الداعون إلى الفساد والإفساد .
قال الإمام مالك رحمه الله : إن كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على
الناس الذب عنه والقتال معه ، وأما غيره فلا ، دعه وما يراد منه ، ينتقم الله
من الظالم بالظالم ، ثم ينتقم من كليهما .
وفي ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ،
وقالوا : هذا أمر قد تفاقم وفشا ـ يعنون إظهار القول بخلق القرآن ـ نشاورك في
أنا لا نرضى بإمرته ولا سلطانه ، فقال : عليكم بالنكرة بقلوبكم ، ولا تخلعوا
يداً من طاعة ، ولا تشقوا عصى المسلمين .
هكذا كان العلماء النبلاء الفضلاء ، يرعون حق الراعي والرعية ، ويخشون من تفاقم
الوضع وخطورته حال الخروج على ولي الأمر من سفك الدماء المعصومة بغير وجه حق ،
فالخير والشر موجودان في بني الإنسان ، ولا يظنن ظان أن شأنه كله خيراً ، أو
كله شراً ، وإن كان هناك من العلماء من شأنه الخير كله ، لكن جل الناس اليوم
خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فعسى الله أن يتوب علينا وعليهم ، والكمال
مطلوب ، والتقصير موجود ، إذ لا يمكن أن يكون هناك حاكم يُرضي جميع الأهواء ،
فالله جل جلاله ، ورحمته بخلقه لم يُرضهم بل قالوا : " إن الله فقير ونحن
أغنياء " ، وقالوا : " يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " ، فرب
العزة والجلال تعرض لأذى بني الإنسان ، فكيف بالإنسان نفسه ، لا يمكن بحال أن
يرضي الأهواء والرغبات ولكنه التسديد والمقاربة ، ومحاولة ترميم القلوب ، ورأب
الصدع ، ليعود الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد ، فرضا الناس غاية لا تدرك ،
وهذا مفهوم معلوم لدى العامة والخاصة ، فإذا كان ذلك كذلك ، فيجب طاعة ولي
الأمر بالمعروف ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي
اللَّه عَنْهمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ ، فَإِذَا
أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ " [ أخرجه البخاري ] ، عَنْ
عَلِيٍّ بن أبي طالب رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ
وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ، قَالُوا :
بَلَى ، قَالَ : فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا ، فَجَمَعُوا ، فَقَالَ : أَوْقِدُوا
نَارًا فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا ، فَهَمُّوا وَجَعَلَ
بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا ، وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ ، فَمَا زَالُوا حَتَّى
خَمَدَتِ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ " [ أخرجه البخاري ومسلم ]
، وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : دَعَانَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ
عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا
وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا
نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا
عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " [ أخرجه البخاري ] ، وعَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أيضاً قَالَ : بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ
وَالْمَكْرَهِ ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُومَ
أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ
لَائِمٍ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " السَّمْعُ
وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ، مَا لَمْ
يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا
طَاعَةَ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
فتلكم النصوص تدل دلالة قاطعة على وجوب الطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية
الخلق جل وعلا ، فإذا أمر بذلك فلا طاعة له ، كمن يأمر بخلع حجاب المرأة ، أو
يأمر بإشاعة الزنا واللواط والمتعة بالنساء واستعارة الفروج ، أو يأمر بالربا
والرشوة ويأمر الناس بذلك ، فهذا لا طاعة له ، لكن على جميع المكلفين العارفين
من العلماء وطلبة العلم ومن لهم الكلمة بذل النصيحة والتحذير من تفاقم الوضع ،
فلربما حقت كلمة العذاب على تلك الديار ، بسبب المعاصي وشيوع الآثام ، عَنْ
تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : "
لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ " [ أخرجه مسلم ] ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ
الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ
وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ
وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ " ، قِيلَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ : أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ ؟ ، فَقَالَ : " لَا مَا
أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا
تَكْرَهُونَهُ ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ "
[ أخرجه مسلم ] ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : وَعَظَنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ
مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا
الْقُلُوبُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ ، فَمَاذَا
تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى
اللَّهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، فَإِنَّهُ مَنْ
يَعِشْ مِنْكُمْ ، يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ
الْأُمُورِ ، فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ
فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ،
عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " [ أخرجه الترمذي واللفظ له وأبو داود وابن
ماجة ] .
ونحن في هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله من كل سوء
ومكروه ، وبارك في ولاة أمرها ، وأعانهم على أمور دينهم ودنياهم ، نحن نعيش في
ظل أمن وراف ، وأمان عام ينعم به العامة والخاصة ، ولله الحمد والمنة ، ولم نر
من ولاة أمرنا ما يدعو لقتالهم لا سمح الله ، ولا ما يدعو للخروج عليهم ، أو
التحريض عليهم وعلى حكمهم ، بالمظاهرات والكتابات المشينة ، أو هتك الأسرار ،
وبث الأخبار ، فكل ذلك من الخروج على ولي الأمر بلا بينة ، القصور موجود في كل
زمان ومكان ، فالفقراء موجودون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك بعض
الكبائر ، كل ذلك وجد في العصور المفضلة ، والقرون الأولى .
ألا فليعلم كل مسلم ومسلمة أن ما تدعوا إليه قناة الإصلاح ، ومن يتشدقون فيها
بأفواه الكفار والمنافقين والعلمانيين والشيعة الرافضة واليهود والنصارى ،
ليعلم الجميع أنما يريدون أن يحل ببلادنا ما حل بإخواننا في فلسطين والعراق
اليوم ، وما حل لسبإ بالأمس ، قال تعالى : " لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان
عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا
فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من
سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور " [ سبأ 15 – 17 ] ،
وقال تعالى : " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من
كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " [
النحل 112 ] ، فتلكم عاقبة الكفر بنعم الله تعالى ، وعدم شكره على مننه وأفضاله
، والبعد عن تعاليم شرعه ، واقتراف نهيه وزجره .
فتلكم القناة التي تدعو إلى الإصلاح في ظاهر أمرها ، وهي في حقيقة باطنها تدعو
إلى الاختلاف والفرقة ، والخروج عن تعاليم الكتاب العظيم ، والسنة المطهرة ،
ونبذ ولاة الأمر وفقهم الله لكل خير ، فماذا يريدون ؟ وإلى ماذا يدعون ؟ ولماذا
يخططون ؟
إنهم يريدون المساس بأمن البلاد والعباد ، ويدعون إلى الحرية والتفسخ من تعاليم
الشرع الحنيف ، والسنة النبوية ، يريدون أن تخلع المرأة جلبابها ، وتهتك ستارها
، يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل
: " إن الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا
والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " [ النور 19 ] ، فأولئك الإصلاحيون ـ
زعموا ـ ما هم إلا تخريبيون مظللون ، درسوا في الغرب واستقوا شريعتهم الكافرة ،
ورضعوا أفكارهم المسمومة المشوهة ، انتكست مفاهيمهم ، وتغيرت فطرهم ، وغسلت
أدمغتهم ، ولويت أعناقهم ، فرأوا المنكر حقاً ، والمعروف باطلاً ، تحركهم أيد
الخراب اليهودية ، والدمار النصرانية ، تديرهم أيد عابثة شيعية وأخرى علمانية ،
هدفهم نزع الدين من قلوب المسلمين ، وإخراج المرأة المسلمة من بيتها ، حتى تكون
فريسة لشهواتهم الحيوانية ، ورغباتهم السفيهية ، ونزواتهم البهيمية ، يتحركون
كالريموت بأيد الكفار والمنافقين والمرجفين في الأرض ، لا يريدون الاصلاح ولا
الصلاح ، وإنما الفساد في الأرض أرادوا ، وأي إصلاح يبتغون وهم يفضحون ولاة
أمرهم ، وقادتهم وحكامهم ، ويتتبعون عوراتهم ولا شك أن ذلك منكر من القول
والعمل ، وربما انطلى الأمر على البعض ممن جهل حيلهم وألاعيبهم ، ولكن المفرح
لنا والمحزن لهم أن الجميع هنا عرفوا باطلهم فتركوه ، وأيقنوا بمخططاتهم
فنبذوها وأعرضوا عنها ، وعلم الجميع أن هناك أيد خفية تريد المساس بالأمن ،
ونزع الأمان ، تريد أن تدخل القوات الأجنبية إلى بلاد الحرمين الشريفين ،
ووالله لن يتم لهم ذلك بحول الله وقوته إلا وقد قدمنا جماجمنا فداءً للدين
والوطن ، وسيرنا أجسادنا جسوراً للجهاد في سبيل الله تعالى ، من أجل حماية
الدين والعرض والوطن ، ودفاعاً عن ولاة الأمر حفظهم الله تعالى .
وما تلكم المظاهرات إلا نتاجاً سيئاً من نتائج أعمالهم ، ودليلاً بيناً لسوء
نياتهم ، وخبث طوياتهم ، فمن يا ترى سيذهب ضحية تلك الفوضى العارمة والمظاهرات
الفاشلة ؟ أليس كل أخ أو قريب لنا في هذه البلاد ، فالمتظاهر من بلدنا والمدافع
ورجل الأمن من بلدنا ، فالكل يهمنا ، فهل اهتم أهل الإصلاح بذلك ؟ لا والله ما
اهتموا ولن يهتموا ، فربما قتل الأخ أخاه ، والجار جاره ، فأصبحنا نطالب بدماء
بعضنا بعضاً ، حتى تسيل الدماء وتقع البغضاء ، وليس لها من دون الله كاشفة .
مخططاتهم لا تخفى على السفيه فضلاً عن العاقل الفطن ، الذي وهبه الله العقل
والتفكير ، فهم يخططون لزرع البغضاء ، وإيجاد الشحناء بين الراعي والرعية ،
يثيرون الفتن ، ويؤججون نيران المحن ، ويؤلبون الناس على حكامهم ، وأنهم فعلوا
بهم كذا وكذا ، يفترون الكذب ، ويختلقون الافتراء ، وطويتهم تخفي العداء ،
يريدون الإطاحة بمن يحكم بشريعة الله تعالى ، فإن أطاعهم الناس في ذلك فحتماً
ستقع من البلايا والرزايا ما لا يعلمه إلا الله تعالى .
قولوا لي بربكم : كيف تسير الأمور وقد خرجت عن نصابها ؟ كيف وقد أصبحنا في غابة
لا حاكم لها ؟ ستحدث الفوضى ، ويكثر الهلكى ، كما شاهد ملايين البشر ما حدث في
العراق الشقيق إبان الإطاحة بحاكمه ورئيسه ، لقد رأينا بأم أعيننا ما حصل من
جرائم تصفيات جسدية ، وسرقات علنية ، ونهب واضح ، وتعد على الأعراض والممتلكات
، لا أمن ولا أمان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
إن من يريدون الإصلاح يدعون إلى قيادة المرأة للسيارة ، ولا ريب أن كل مسلم
غيور ، وعلى قول الحق جسور ، لا يرضى بقيادة المرأة للسيارة لما في ذلك من
الفتن والمفاسد التي ربما قضت على الأمن والاستقرار في ربوع البلاد ، وهم يدعون
إلى ذلك ، ويرغبون الناس فيه لاسيما الطبقات المترفة في البلاد ، ويدعون إلى
الإباحية لما شاهدوه في بلاد الكفر والعهر والفجور ، يريدون خروج المرأة عارية
وشبه عارية إلى الأسواق والمنتديات العامة ، يريدون المرأة المسلمة السعودية
الأبية بنت القبائل والرجال أن تخرج وتخالط الرجال حتى ينقض عليها سفلة الذكور
منهم ، فيمزقون حياءها ، ويدمرون شرفها ، ويدنسون عفافها ، ويضعون كرامتها .
وأي أب أو أخ أو زوج يرضى بمثل تلك الدعاوى الباطلة ، والحجج الزائفة ،
والأفكار الغادرة التي تدعو لها قناة الإصلاح ؟
يدعون للإصلاح وفي الحقيقة يسعون في الأرض فساداً ، لقد حق عليهم قول ربنا
تعالى : " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون " [ البقرة
11 ] .
يريدون أن يحصل لنا من الشرور والمفاسد ما حصل ويحصل الآن في العراق وفلسطين
وغيرهما من الدول والشعوب ، من اختلاف في الرأي والمشورة والهدف ، وهاهو العالم
بأسره يرى ما يحصل في كثير من بلدان العالم بسبب الخلاف على الرئاسة وتنحية
الرؤساء من حروب أهلية ، وتناحرات عصبية ، وويلات تئن منها الأوطان والبلدان .
يريدون أن تحل الديموقراطية المزعومة في بلادنا ، يريدون العلمانية شعاراً
ونبراساً ، يريدون احتلال أراضي المسلمين ، والاستيلاء على المقدرات ، ونهب
النفط والثروات ، ولا غرابة أنهم يريدون ذلك ، لأن وراء تلكم القناة البائسة
دولتي الكفر الصليبية واليهودية ، فمنشؤها بريطانيا وأمريكا ، وتمولها إسرائيل
وغيرها ممن يظهرون العداء لأهل السنة والجماعة من الشيعة وغيرهم قاتلهم الله
أنى يؤفكون ، أطماعهم معروفة مفضوحة والله لهم بالمرصاد ، فالله يدافع عن الذين
آمنوا .
يطمعون في زعزعة الأمن ، وإزاحة الحاكم الإسلامي الذي يحكم بشرع الله تعالى ،
وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم .
لقد حق عليهم قول الله تعالى : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا
ويشهد الله على ما في قلبه وهو أشد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها
ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة
بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد " [ البقرة 204-206 ] ، ويقول الله فيهم : " إن
الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة
ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " [ الأنفال 36 ] .
فلم لا يذهبون إلى الدول المحيطة بنا ، والبعيدة عنا فينشرون صلاحهم وإصلاحهم ،
ويبسطون هناك آمالهم ، في دول فسد فيها الراعي والرعية ، وهلك السائل والمسؤول
، لا لا يمكن أن يذهبوا هناك ، فهناك هلك الدين ، وهُجرت سنة الحبيب صلى الله
عليه وسلم ، وتم تحكيم القوانين الوضعية البشرية ، وتم الاستغناء عن الكتاب
والسنة إلا في أمور سهلة بسيطة ، لم لا ينشرون هناك مخططاتهم ، ويبثون شرهم ،
وينفثون سمومهم ، لأنها بلاد تعمل بحكم الطواغيت ، وتدين لهم ، وتلين في أيديهم
، بينما في بلاد الحرمين ، لا حكم إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، يريدون
القضاء على ذلك ، وهيهات هيهات أن يكون لهم ما يبغون ، أو يُحقق لهم ما يرجون ،
قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " [ الحجر 9 ] ، وقال تعالى
: " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره
الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون " [ التوبة 32،33 ] .
حكامنا كانوا ولا يزالون مناضلين عن الدين ، وعنه منافحين ، نصروا الدعاة
والعلماء من لدن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، وحتى يومنا هذا ، بنوا
المساجد ، والجامعات ، وأسسوا دور العلم والتعليم ، وأناروا للناس طريق العلم
الصحيح ، ووقفوا في وجه التيارات المعادية لأهل السنة وأناخوا رقابهم ، فجزاهم
الله عنا وعنا المسلمين خير الجزاء .
أينقمون علينا أن حكمنا شرع الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ؟
نحن والحمد لله والمنة له سبحانه نعيش حياة استقرار ، واستتباب أمن وأمان ،
نؤدي شعائر ديننا كما يجب ، نصلي الفروض الخمسة في بيوت الله تعالى ، يسافر
المسافر لا يخاف إلا الله تعالى ، يطبق الجميع سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم
في ظل حكومة رشيدة تحكم بشرعه صلى الله عليه وسلم ولا تخرج عنه قيد أنملة ،
المرأة لدينا عزيزة مكرمة ، تحتجب الحجاب الكامل بينما في بعض الدول كفرنسا
وتركيا محرم على المرأة أن تتحجب بل الأمر هناك بأن تخلع الحجاب حتى تكون سهلة
الافتراس ، نحن ولله الفضل ننعم بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ألا وإن من أعظمها
نعمة الأمن التي يعيشها سكان المملكة العربية السعودية والتي يحسدهم عليها كثير
من أهل الدول والشعوب ، ثم ننعم بنعمة الوظيفة والراتب المجزئ ، وإن كان هناك
قصور فهو قصور له أسبابه ، ويزال إذا زالت الأسباب ، فلربما كانت هناك أسباباً
سياسية واقتصادية لا يعلمها كثير من الناس ، بل لا يعلمها إلا خاصة الخاصة ،
فلا نكلف الدولة فوق طاقتها ، ولا نطلب المستحيل لا سيما في ظروف الوضع الراهن
التي تعيشه دول العالم أجمع ، فلنلتمس الأعذار ، ولو لم يكن هناك أعذار فلنختلق
الأعذار ، هذا هو ديدن المؤمن الصادق .
المواطن ينعم بنعمة العمران والسكن ، ينعم بنعمة الحرمين الشريفين وما قدمته
الحكومة الموفقة إزاء ذلك ، فكل مسلم زار هذه البلاد المقدسة يقدم شكره وتقديره
وعرفانه للدولة حرسها الله تعالى ، ولقد سمعنا كثيراً من دعوات المسلمين الخاصة
بذلك الشأن .
ثم أعود وأقول : إن كان هناك قصور وهو موجود فله أسبابه الخاصة يزول متى زالت
الأسباب بإذن الله الوهاب ، والكمال منشود والقصور موجود ، فالصبر الصبر فالفرج
مع الصبر ، واليسر مع العسر .
سبحان الله أيريدون أن يكون قادتنا أنبياءً أو ملائكة ؟ هذا هو الذي لا يمكن
حصوله أبداً ، ووالله لو قلب الحصيف بصره ، والعاقل عقله ، لغابت الهفوات
والسقطات في خضم أعمال شامخات ، ولغرقت الزلات في بحار هائلة وأمواج متلاطمة من
أعمال البر والخير ، فجزا الله الحكومة خير الجزاء ، وأثابها خير الثواب .
وكل ذلك ليس بمسوغ على أن يخرج المسلم على ولاة أمره ، أو يهينهم أو يسبهم
ويعلن العداء لهم ، فهم لم يقصروا ، وليسوا شمساً شارقة ، ونجمة بارقة ، يحصون
كل شاردة وواردة ، بل ربما كان القصور من غيرهم من بطانة السوء ، عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ ،
بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ
تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ
اللَّهُ " [ أخرجه البخاري ] ، وعند الترمذي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ
اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ ،
بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ،
وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا ، وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ
وُقِيَ " [ قَالَ الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ] .
إن من يدعون إلى المظاهرات ، وتغيير الحكم ، ومن يسعون في الأرض فساداً
بالتفجير والتدمير والتخريب والقتل ، إنما ينشدون الفرقة ليعيش الناس في ظلام
دامس ، وظلال مستطير ، في ظل تفكك الأمن والحروب بين القبائل والفصائل والعشائر
، وحصول القتل وسفك الدماء ، يريدون حصول الفوضى بدل الاستقرار ، والخوف بدل
الأمان ، يريدون زرع الهلع والذعر في قلوب الناس .
إن كانوا يريدون الكمال فالكمال لله وحده ، وإن كانوا يريدون العصمة من الزلل
والخطأ فهذا هو المستحيل بعينه ، فلا عصمة إلا لله ولأنبيائه .
بل الطبيعة والجبلة البشرية أن الخطأ والصواب مجبول عليهما الإنسان ، ولكن
المؤمن كلما أخطأ تذكر فاستغفر ربه ثم أناب ، فعليكم يا أهل المظاهرات
والمناورات أن تصلحوا داخلكم ، وأن تطيبوا نياتكم ، حتى يُقبل قولكم ، إن ما
تدعون إليه ما هو إلا شر محض ، وفساد صرف ، فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه في
السر والعلن ، واحذروا كل الحذر تلكم المخططات المكشوفة ، والألعاب المعروفة ،
فلقد انكشفت السرائر ، وظهرت البواطن ، حتى عُلمت المقاصد ، وعُرفت المفاسد .
فالحل ياعباد الله أن نتقي الله تعالى في أنفسنا وفيمن ولانا الله أمره من
أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا وغيرهن ، وأن نحيطهم بالرعاية والنصح والإرشاد ، وأن
نتقي الله في ولاة أمورنا ومن ولاه الله أمرنا ، وألا نخرج عليهم مهما كانت
الظروف والأحوال كما ثبت ذلك في الأحاديث السالفة الذكر ، وأن نحارب تلك القناة
الهوجاء ذات الأفكار الغوغاء ، التي تدس السم في الدسم ، لتدمير الدين والعقيدة
والعرض والوطن .
فالله الله أيها المسلمون في كل مكان وخاصة بلاد الحرمين ، عليكم بالتكاتف
ومراجعة النفس ، والالتفاف حول العلماء والحكام ، فالعلماء هم بإذن الله المخرج
من مدلهمات الأمور ، فعليكم بعلمائكم سلوهم عن كل صغيرة وكبيرة في أمر دينكم
ودنياكم فهم كما عليه الصلاة والسلام ورثة الأنبياء قال الله تعالى : " فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [ الأنبياء 7 ] ، العلماء هم المخرج من المحن ،
والسلوى في الفتن ، واحذروا استماع الكلام الزائف المنمق ، وعليكم بمراجعة ولاة
أمركم ومناصحتهم في كل منكر ترونه فأبوابهم مشرعة ، وقلوبهم رحبة ، يستمعون
للجميع ، وينفذون ما تدعو الحاجة إليه .
كانت تلكم كلمات صادقة في حق ولاة الأمر ، ورداً وذباً عن أعراضهم وحقوقهم ،
خرجت من القلب وأسأل الله عز وجل أن تصل إلى كل قلب طلب الحق والعدل ، ولم أرد
فيها إلا النصيحة لإخواني المسلمين ، والتحذير من الإشاعات والخرافات والأقاويل
التي تبثها دول الكفر عن طريق المعارضة ، ومعلوم عند الكافة من الناس أن دول
الكفر لم تدخل دولة من الدول إلا بوجود ثغرة المعارضة ، فيدخلون باسم التحرير
والإصلاح ، ثم لم يلبثوا أن تظهر أطماعهم ونياتهم ، فالله المستعان وعليه
التكلان ، هو حسبنا ونعم الوكيل .
اللهم يا حي يا قيوم أدم على بلادنا أمنها واستقرارها ، وأهلك عدوها ، اللهم من
أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه ، واجعل تدبيره تدميراً عليه ، اللهم أفسد
مخططاتهم وأدر الدائرة عليهم ، اللهم نكس رؤوسهم واجعل الخوف لباسهم ، اللهم
أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح
أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا
أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا
البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين ، ربنا آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا عزيز يا غفار .