|
إن منن الله على عباده لا تحصى ، ونعمه عليهم لا تستقصى ، وإن من مننه وآياته ،
ومن نعمه وأعطياته ، أن جعل النوم سباتاً للناس ، وجعله لهم خير سكنٍ ولباس ،
يقول الملك المنان ، في معرض الامتنان : " وجعلنا نومكم سباتاً * وجعلنا الليل
لباساً " ، ويقول في فضل الإنعام ، في سورة الأنعام : " وجعل الليل سكناً " ،
ليل تهدأ به الأنفاس ، وتسكن فيه الأعضاء والحواس ، وتحصل فيه الراحة والإيناس
، جعل الله الليل برحمته وفضله وقت منام ، وهدوء عام ، قال الله المتفضل ، في
شأن التفضل : " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله
ولعلكم تشكرون " .
أمة الإسلام : كان الليل في زمن مضى ، وذهب وانقضى ، ميدان سبق ، ومطية تنافس ،
ومضمار صدق ، لا ترى فيه إلا مصلياً ، أو ساجداً أو باكياً ، أو مستغفراً أو
داعياً ، وكان السلف رحمهم الله تعالى يرونه أعظم مطية ، إلى الجنة العلية ،
أما اليوم فقد أصبح الليل وقتاً للتهريب ، وزمناً للفعل الفواحش والتخريب ،
وحلبة لاقتراف الكبائر ، واقتراف الجرائم ، وتعدٍ لحدود الله تعالى ، اليوم
أضحى الليل لدى كثير من الناس ، لحظات طيش ، وظلال عيش ، وأصبح السهر اليوم في
الأعم الأغلب منبعاً للعار ، وإيذاءً للجار ، صار السهر اليوم مجمعاً للأخطار ،
وطريق للمهالك والمضار ، ومسرحاً للأعمال الخبيثة ، والأفعال القبيحة ،
والليالي الحمراء ، لأصحاب الوجوه الغبراء ، في الليل تعرض الأفلام الخليعة ،
والبرامج المريعة ، والحركات الفظيعة ، مشحونة بخطوات الشيطان ونزغاته ،
وأحلامه وترهاته ، مدفوعة بأفكاره وحزبه ، وأوهامه وجنده ، قال تعالى : " يا
أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر
بالفحشاء والمنكر " ، وقال تعالى : " ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد
خسر خسراناً مبيناً * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً * أولئك
مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً " ، فالخير في شباب الأمة مأمول ، والبر في
قلوبهم مأهول ، وهنا تبرز أهمية الدعوة والدعاة ، لانتشال بقايا الفطرة السليمة
، وإنقاذ ما تبقى من الكرامة والغيرة ، وهنا نحتاج إلى التربية الصحيحة السوية
، حتى يعود الناس إلى رشدهم ، ويراجعوا فطرتهم ودينهم ، قال تعالى : " فطرة
الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس
لا يعلمون " ، نعم يا عباد الله ، إن حقيقة الفطرة أن تميل النفس إلى الحق ،
ومن خرج عن هذا الأصل ، فلعارض عرض لفطرته أفسدها ، وعيب أعيبها ، قال صلى الله
عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه " [ أخرجه أبو داود وغيره ] .
أمة الإسلام : لقد أصبح الليل اليوم ميداناً لنصب الشباك ، واصطياد الشباب ،
فنتجت ثلة من الشباب لا يقبلون دعوة ولا معروفاً ، ولا يهتدون إلى حق أو صواباً
، جيف بالنهار ، خفافيش بالليل ، أصبح ليلهم سهر مخيف ، وسمر سخيف ، مجمع لكل
مجرم موبوء ، ومزبلة لكل شر وسوء ، لا ترى فيه إلا قطعاناً من الماشية ، تقودهم
الشهوات ، وتظللهم الشبهات ، تسيرهم القنوات ، وتحركهم المنكرات ، مواقف عجيبة
، وأحداث غريبة ، تمرض الأفئدة والقلوب ، وتولد الجرأة على الذنوب ، وما ذاك
إلا نتاج إرضاع أجيال الأمة ، من كأس الحرية المزعومة ، والانفتاحية الموهومة ،
إلا وإن من أسباب تلكم النقمات والمحدثات ، آباءً ضلوا طريق الصواب ، وارتكبوا
سبل الخراب ، فنشأت أجيال لا تعرف لخالق ولا مخلوقٍ حقاً ، ضيعوا الدين بالكلية
، وعصوا الراعي والرعية ، رضعوا عادات الحياة الغربية ، وتقمصوا أحوال الهمجية
، وسلكوا مسالك اللصوصية ، شربوا سم العلمانية ، وهضموا خطط الصهيونية ،
وتلبسوا لباس الصليبية ، فنكست الطباع ، وتغيرت الأوضاع ، زاد شررهم ، وتعاظم
خطرهم ، ولابد من اجتثاث جرثومتهم ، واستئصال شأفتهم ، فلا معروفاً يعرفون ،
ولا منكراً ينكرون ، والآباء على تربيتهم غير قادرين ، وعن مسؤوليتهم متنصلين ،
شباب أينعت رؤوسهم وحان قطافها ، فلابد من سيف الحجاج الخراب ، أو درة عمر بن
الخطاب ، فإما هداية وعودة ، وإما حزم لا تؤدة .
أمة الإسلام : واجب على الأمة بجميع فئاتها وطبقاتها ، وخاصة ولاة أمرها ،
حماية أجيالها ، من خطر محدق ، وشر مغدق ، لابد من حماية الشباب من براكين
الغرب ، وحمم الأعداء ، الذين يتربصون بهم الدوائر ، ويقعدون لهم كل مرصد ،
فلابد للباب أن يوصد ، ولا يتم ذلك إلا بنشر الدعوة إلى الله تعالى في كل بيت
وحي ومقر عمل ، حتى تصفو النفوس ، وتهدأ القلوب .
أيها المسلمون : إن أيام الصيف ، طيف وضيف ، أيام ثم تنتهي ، وليال ثم تنقضي ،
فطوبى لعبد أخذ من حر لهيبها ، ولفح سمومها ، لينجو به من جهنم وجحيمها ، وطوبى
لعبد قضى فيها خير الأوقات ، وعمل فيها أفضل الطاعات ، بين حلقات قرآنية ، أو
دروس علمية ، أو دورات مهنية ، أو تطوير للقدرات العقلية والتربوية ، أو فسحة
مباحة تقية نقية ، من المحرمات طاهرة برية ، لنيل الحسنات ، ورفعة الدرجات .
أمة الإسلام : ألا وإن سهر الليل إلى أسحاره ، ومسامرته إلى إدباره ، ومدافعة
المرء النوم عند الحاجة إليه ، وتمنعه منه عند هجومه عليه ، ومغالبته لاغفاءات
عينيه ، باستخدام منبهات محرمة ، أو تعاطي حبوب مسهرة ، يورث آفاتاً عظاماً ،
وأخطاراً جساماً ، وينطوي على أضرارٍ صحية ، ومخاطر اجتماعية ، ومصائب أسرية ،
واضطرابات نفسية ، وتخلفات عقلية ، وأمراض جسدية ، وتخبطات فكرية ، فيصبح
الساهر والسامر ، عديم الحماسة ، منهوك القوى ، كسولاً خمولاً ، لا يستطيع
النهوض بعبئه ، ولا القيام بمسئوليته ، مما يؤدي إلى تضييع حقوق واجبة عليه في
نفسه وأهله ، وأعظم من ذلك تجاه ربه وخالقه ، لأن السهر جهد وبلاء ، وثقل وشقاء
، وتعب وعناء ، تثقل معه الواجبات ، وتهون المحرمات ، فاحذروا السهر ، وإياكم
والسمر ، لا سيما فيما لا فائدة فيه ، ولا طائل منه ، يقول رسول الهدى صلى الله
عليه وسلم : " إن هذا السهر جُهد وثُقل " [ أخرجه الدارمي ] ، يقاوم الساهر
المناما ، ليخسر بعدها ساعات وأياماً .
أيها المسلمون : من هدي النبي الكريم ، والرسول العظيم ، في النوم والسهر ، ما
أخرجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال ، وتقول عائشة رضي الله عنها ، ما
نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ، ولا سمر بعدها " [ أخرجه ابن
ماجة ] ، وحينما سمعت رضي الله عنها عروة يتحدث بعد العشاء قالت : ما هذا
الحديث بعد العتمة ، ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راقداً قط قبلها ،
ولا متحدثاً بعدها ، إما مصلياً فيغنم ، أو راقداً فيسلم " [ أخرجه عبدالرزاق
في مصنفه ] ، واليوم أصبح الليل محط الأنظار ، ووقت الأسفار ، تعرض فيه
المسلسلات ، ويُشاهد فيه الأفلام ، فيه يعصي كثير من الناس ربهم تبارك وتعالى ،
تعالياً واستكباراً ، وجهلاً وإصراراً ، عمدت القنوات الفضائية على عرض المشاهد
العارية في وقت السحر من الليل ، فعكف الكثير من المسلمين متحلقين حولها ،
ينطوي بهم ليلها ، يقتلون الأوقات الفاضلة ، بالمشاهد الفاضحة ، وكل ذلك مسجل
في صحائف الأعمال ، وسجلات الأقوال ، ودواوين الأفعال ، كل ذلك مسطر في كتاب لا
يضل ربي ولا ينسى ، قال تعالى : " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له
يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً "
، وقال تعالى : " إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثرهم وكل شيء أحصيناه
في إمام مبين " .
أمة الإسلام : إن النوم في أول الليل هو هدي رسول الثقلين ، فيه خيرات وبركات ،
وإن راحة الجسد ، وسكون التعب ، متحقق في من نام أول الليل ، يقول عباد الله بن
عباس رضي الله عنهما : بت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ،
فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها
، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو
بعده بقليل ، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس يمسح النوم عن وجهه
بيديه ، ثم قرأ العشر آيات من خواتيم سورة آل عمران ، ثم قام إلى شن معلقة
فتوضأ منها ، فأحسن وضوءه ، ثم قام يصلي " [ متفق عليه ] ، هكذا كان ليله صلوات
الله وسلامه عليه ، فأين الاقتداء والاتباع ، لقد هجر الكثير من المسلمين سنن
المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وما أكثر السنن الميتة المهجورة ، ولا حول ولا
قوة إلا بالله ، فأوصيكم ونفسي عباد الله ، باتباع هدي رسول الله ، صلى الله
عليه وسلم ، فمن تمسك به فقد هدي إلى صراط مستقيم ، وكان من المقتدين المهتدين
.
أيها المسلمون : إن عليكم ملكان يصحبانكم طول دهركم ، ويكتبان كل أعمالكم ،
فأريحوا كُتَّابكم ، من السهر الممنوع ، والسمر غير المشروع ، فعن هشام ابن
عروة عن أبيه قال سمعتني عائشة وأنا أتكلم بعد العشاء ، فقالت : يا عريه : ألا
تريح كاتبك ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ينام قبلها ، ولا يتحدث
بعدها " [ أخرجه ابن حبان ] ، وأخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن عائشة رضي الله
عنها كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العشاء فتقول : ألا تريحون الكُتَّاب ؟ " ،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذم السهر ، ويزجر عنه ، فعن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله عليه وسلم يجذب لنا السمر بعد العشاء " [
أخرجه أحمد وغيره ] ، ومعنى يجذب : أي يذم ويعيب ويحذر ، وقال صلى الله عليه
وسلم : " إياك والسمر بعد هدأة الرِجِلْ " وفي رواية : " بعد هداة الليل ،
فإنكم لا تدرون ما يأتي الله في خلقه " [ أخرجه الحاكم وغيره ] ، وعن أبي برزة
الأسلمي رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من
العشاء ، وكان يكره النوم قبلها ، والحديث بعدها " [ أخرجه ] ، فالنوم قبل
العشاء ربما أدى لتأخيرها عن وقتها المختار ، والحديث بعدها ربما كان سبباً
لترك صلاة الفجر أو تأخير عن وقتها ، أو عن قيام الليل ، وكان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يضرب الناس على ذلك ويقول : أسمراً أول الليل ، ونوماً آخره " ،
وإذا تقرر أن علة النهي في ذلك خشية ترك الصلوات أو تأخيرها عن وقتها المختار ،
فربما يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار ، والكراهة في كلتا الليالي حسماً
للمادة ، هو الراجح والمأخوذ به ، يقول النووي رحمه الله : " واتفق العلماء على
كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسمر أحياناً في بعض مصالح المسلمين ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر ليلة في الأمر من أمور
المسلمين وأنا معه " [ أخرجه أحمد والترمذي ] ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا سمر إلا لأحد رجلين : لمصل
أو مسافر " [ أخرجه أحمد ] ، وقد بوب البخاري في صحيحه باباً في السمر مع الأهل
والضيف ، وباباً في الفكر والخير ، وخلاصة القول في المسألة : أن السهر بعد
العشاء مكروه إلا ما كان في خير أو ما لابد منه من الحوائج ، وكل سهر أدى إلى
تضييع واجب شرعي ، أو حق مرعي ، فإنه يكون سهراً محرماً ، حتى لو كان في طاعة
وعبادة ، ومطالعة واستفادة ، وكل سهر أدى إلى الوقوع في أمر محرم ، فهو سهر
محرم ، والسهر في طاعة الله ، إذا لم يترتب عليه ضياع واجب ، أو فوات مصلحة
شرعية ، أعلى وأرجح منه ، فإنه سهر محمود .
أيها المسلمون : لقد استساغ كثير من الناس السهر والسمر ، حتى ضيعوا صلاة الفجر
، بل ربما خرج وقتها ، فوقعوا في المحذور ، وارتكبوا الممنوع ، وتكاسلوا عن
أداء الصلاة في الوقت المشروع ، وكانوا في دائرة المنافقين ، لقول النبي صلى
الله عليه وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين ، صلاة العشاء والفجر ، ولو
يعلمون ما فيهما من الخير والأجر والرغائب لأتوهما ولو حبواً " [ متفق عليه ] ،
فناهيكم عن السمر المذموم ، والسهر المشئوم ، فإنهما مطية إلى عذاب الله ،
وعظيم عتابه ، وشديد عقابه ، إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً ، بارك
الله لي ولكم في الكتابين الوحيين ، وجعلني وإياكم من المتبعين لهدي سيد
المرسلين ، أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه
كان للأوابين غفوراً ، وللتوابين رحيماً .
أمة الإسلام : كم من السهرات التي لا فائدة فيها ، بل كتبت سيئات على أصحابها ،
حتى ذكر الله تعالى نسوه ، ولم يعودوا يتذكروه ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما
من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه ، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار
، وكان عليهم حسرة " [ أخرجه أبو داود ] ، فيا أهل البلوت والشطرنج ، ويا أهل
الفضائيات والكرة ، اعلموا أن الله معكم يسمع ويرى ، وكل الخطوات والخطرات ،
مكشوفة عند رب الأرض والسموات ، لا يخفى على الله منها شيء .
أمة الإسلام : ساعات الأسحار ، ساعات توبة واستغفار ، وتضرع وانكسار ، يقول
عليه الصلاة والسلام : " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين
يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من
يستغفرني فأغفر له " [ متفق عليه ] ، ويقول عليه الصلاة والسلام : " أقرب ما
يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله
تعالى في تلك الساعة فكن " [ أخرجه الترمذي ٍٍٍٍٍٍ] ، هكذا هو دأبه وهديه وأمره
صلى الله عليه وسلم ، ولا نشاهد اليوم إلا أناساً أصابتهم حمى السهر ، وضربتهم
شمس السمر ، لا على طاعة ولا خير ، ولا سنة ولا بر ، ولكن على معصية وذنب ،
وكبيرة وإثم ، فاتقوا أيها الناس ، واعلموا أن الحياة ساعات ، وليال ولحظات ،
ثم يفضي العبد إلى عالم الخفيات ، ورب البريات ، فإما عمل صالح صاحبه مأجور ،
وإما عمل طالح عامله مأزور .
أيها الآباء والأولياء : أنتم مأمورون بكف صبيانكم عن الخروج إذا أقبل جنح
الليل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " احبسوا صبيانكم حتى تذهب لوعة العشاء ،
فإنها ساعة تمترح فيها الشياطين " [ أخرجه الحاكم ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم
: " إذا كان جنح الليل ، أو أمسيتم فكفوا صبيانكم ، فإن الشياطين تنتشر حينئذ ،
فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم " [ متفق عليه ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "
لا ترسلوا حواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس ، حتى تذهب فحمة العشاء ، فإن
الشياطين تبعث إذا غربت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء " وفي لفظ : " فإن للجن
انتشاراً وخطفة " [ أخرجه ] .
أيها المسلمون : إذا كان لشياطين الجن انتشاراً وابتعاثاً في تلك الساعة ، فإن
لشياطين الإنس في هذا الزمان ، انتشاراً وخطفاً وابتعاثاً طوال ساعات الليل ،
يحاولون جر الشباب والأولاد ، وفلذات الأكباد ، إلى بؤر الانحراف والفساد ، عبر
مغريات وملهيات ، لا يحصرها حاصر ، ولا يحصيها حاصٍ ، مما يوجب اليقظة والحيطة
، فكونوا على حذر ، فقد نجى أخو الحذر ، فكفوا أولادكم عن الضياع ، واتباع
الرعاع ، فإنهم مندفعون لا تجربة لهم ولا خبرة ، فكونوا نعم الحراس ، وخير
الناس للناس ، وكونوا أمناء فطناء ، وإياكم والإهمال ، فإن نتائجه ضر ، وثماره
مر ، وعاقبته خسر ، واعلموا أن ثمرة الاستماع الاتباع ، فكونوا من الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ،
وثنى بملائكته المسبحة بقدسه ، وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه ، فقال
الحق تعالى في علاه ، في كتاب قرأناه واتبعناه : " إن الله وملائكته يصلون على
النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم على
المبعوث رحمة للعالمين ، سيد الأولين والآخرين ، محمد بن عبد الله خير الثقلين
، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وعلى الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم
أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا
البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق ولي أمرنا
بتوفيقك ، وأيده بتأييدك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم كن له على الحق عوناً
ومعيناً ، وسنداً وظهيراً ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة ، التي وفق
جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك ، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ،
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ياذا
الجلال والإكرام ، اللهم عليك بأعداء الملة والدين ، اللهم اجعلهم أذلة صاغرين
، وأخرجهم من بلاد المسلمين ، اللهم طهر بلاد المسلمين من رجز الوثنية ، وعادات
الجاهلية ، ومن قتلة الإنسانية ، اللهم إنا نسالك الجنة ونعميها ، ونعوذ بك من
النار ولهيبها ، اللهم أصلح نياتنا وجميع أعمالنا ، واهدنا لأحسن الأقوال
والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرفه عنا إلا أنت ،
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، واغفر لنا
بالليل والنهار ، يا عزيز يا غفار ، سبحان الله عدد ما مشى على الأرضين ودرج ،
والحمد الله الذي بيده مفاتيح الفرج ، ولا إله إلا الله عدد من ولد وخرج ، ولا
تزال ألسنتكم رطبة من ذكر الله ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه
على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .