|
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا لله
وحده لا شريك له نصر عباده الموحدين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ،
صلى الله وسلم عليه إلى يوم الدين ، وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ،
والتابعين ومن تبعهم بإحسان يارب العالمين ، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا
الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " . . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، وراقبوه في كل أعمالكم وجميع أقوالكم ، فإنها محصاة
عليكم ، فبها تحاسبون ، وبها تمتحنون .
معاشر المسلمين : العشرة الزوجية ضرب من المحبة في النفس ، فهو الذي يسكن به
الزوجان ، ويلتقي فيه الاثنان ، ويشعران بالسعادة والاطمئنان ، فيكون كل منهما
متمماً للآخر ، قال تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا
إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ، هذه هي الغاية
من الزواج ، السكن والراحة والاطمئنان ، ولا يتأتى ذلك إلا بالعدل والرحمة
وأداء الحقوق من كلا الزوجين للآخر ، والقسم بين الزوجات ، والحذر كل الحذر من
الميل لواحدة دون الأخريات ، فهذا هو الطريق الموصل إلى نار تلظى لا يصلاها إلا
الأشقى ، ومن أعظم الناس شقاءً الرجل لا يعدل بين زوجاته . ولقد ضرب نبيكم صلى
الله عليه وسلم أروع ضروب الأمثلة في العدل والرحمة والوصية بالنساء ، والخيرية
في أهله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً " [ متفق عليه ]
، وقال عليه الصلاة والسلام : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي " [
أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ] . وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يفرك مؤمن
مؤمنة ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر " [ أخرجه مسلم ] ، وفي هذا الصدد يقول
المولى جل وعلا : " فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً
كثيراً " .
أيها المسلمون : الأصل في الزواج هو التعدد ، قال الله تعالى : " وإن خفتم ألا
تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا
تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا " . فالتعدد قضية محسومة
من
قبل الشرع ، ولا مجال للرأي فيها ، وهي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولكن
ليس التعدد العشوائي هو ما حث عليه الكتاب والسنة ، بل التعدد وفق ضوابطه
الشرعية المحكمة من لدن حكيم حميد ، فمن كانت له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن
يعدل بينهن ، ولا يحل له بحال أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخريات ، من
النفقة والسكنى والمبيت والهدية وحتى الابتسامة ، فإذا تبسم في وجه الأولى كان
لزاماً عليه أن يتبسم في وجه الأخرى ، هذا شرع ربنا ، وسنة نبينا ، والشرع حق
والحق أحق أن يتبع ، لقد جاء التشريع بالتعدد في كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يشرع المولى جل وعلا أمراً يكون فيه ضرر وظلم
للناس ، إذ لا يُتصور ذلك أبداً ، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، ومن اعتقد
مثل ذلك الأمر فقد هوى ، وضل عن الهدى ، وكفر كفراً مبيناً ، وزاغ عن الصراط
المستقيم ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، فلما عُلم أن الشريعة الإسلامية قد أباحت
التعدد ، عُلم بالضرورة أن في التعدد فوائد كثيرة وعظيمة ، وفيه خير وبركة
للبشرية جمعاء ، بل فقدان التعدد سبَّبَّ العديد من الكوارث والنكبات على مستوى
المجتمعات ، وأوجد العديد من المشاكل والبلاقع ، وأحدث الكثير من الكوارث
والفظائع ، وانبت الغث والسمين من الأهوال والفواجع ، التي تئن منها كثير من
البيوتات ، والواقع خير شاهد ، فلقد كثر العوانس والمطلقات في البيوت ، وعلى
المرء المنصف الطالب للحق أن يعلم ذلك علم يقين . وعلى المرأة الصادقة مع الله
تعالى ، أن تنظر إلى التعدد بعين العانس والمطلقة التي تبحث عن زوج وأسرة
وأولاد ، لا بعينها هي وما يكتنفها من أوهام وأحقاد ، وعلى العاقل الفطن أن لا
ينظر إلى التعدد من زاوية واحدة فقط ، وهي ظروف الزوجة الأولى ، بل يجب أن لا
يُغفل جانب المصالح العظيمة التي ترتب عليها تعدد الزوجات ومن أهمها امتثال أمر
الله تعالى ، ومنها مصالح الزوجة الثانية ، فهذه المرأة الثانية هذه هي فرصتها
، فلماذا تضيعها ، وإذا لم تتزوج بهذا الرجل فاتها قطار الزواج ، وربما تحرم من
الذرية وبناء الأسرة المسلمة ، واللبنات الأولى في المجتمع المؤمن ، وما أثير
من أن الزواج بأكثر من واحدة يجلب المشاكل ، ويُكثر القلاقل ، فهذا أمر عار عن
الصحة وبعيد عن الحقيقة ، فالرجل العاقل المؤمن المتتبع لكتاب الله تعالى ،
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلم علم اليقين أن ذلك هراء وغثاء ، وسم بين
الدسم ، بل هو السم الزعاف ، إنه كلام من يدعون حرية المرأة ، وهم يريدون الفتك
بالبرية ، بل التعدد جزء من السعادة ، أما المشاكل فلا يخلو منها بيت على
الإطلاق ، حتى بيت النبوة لم يخلوا من المشاكل ، ودواوين السنة شاهدة بذلك ، بل
إن البعض من الناس ليس له إلا زوجة واحدة ، ومع ذلك فهي تكيل له من العناء
والتعب ما لا طاقة له به ، فأمر المشاكل ليس عائقاً عن التعدد ، بل هو أعظم
أسباب التعدد ، لأن الرجل إذا لم يجد السعادة في بيت ، وجدها في الآخر ، وهناك
من النساء من ترفض التعدد لا لشيء ، إلا لجهل منها بحكم الشرع في ذلك ، وحب
للسيطرة والتملك ، ولو كان لديها بنات في سن الزواج وتقدم لخطبتهن رجال متزوجون
لما رفضت ذلك إطلاقاً ، فكيف ترضى لبناتها ذلك ولا ترضاه لبنات المسلمين ، إن
مثل هذه المرأة لا بد أن تعلم أن التعدد شُرع من أجل المصلحة الاجتماعية للفرد
والأمة الإسلامية ، من التكاثر في النسل ، وإنقاذ الكثير من العوانس وانتشالهن
من براثن أهل السوء ودعاة التبرج والإباحية .
أيها المسلمون : العدل أساس التعدد ، وقد جاء الوعيد الشديد لمن كانت عنده
امرأتان فلم يعدل بينهما ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم
القيامة وأحد شقيه ساقط " [ أخرجه الخمسة وغيرهم ، بسند صحيح ] ، وفي رواية : "
من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى ، جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه
ساقطاً أو مائلاً " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل
" ، وفي هذه الأدلة دليل على تأكيد وجوب العدل بين الضرائر ، وأنه يحرم ميل
الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخس لحقهن ، إلا أن يسمحن بذلك .
عباد الله : إن الله الذي فطر النفس البشرية ، يعلم من فطرتها أنها ذات ميول لا
تملكها ، ومن ثم أعطاها خطاماً لينظم حركتها فقط ، لا ليعدمها ويفقدها بالكلية
، من هذه الميول أن يميل القلب البشري إلى إحدى الزوجات ويؤثرها على الأخريات ،
فيكون ميله إليها أكثر من الأخرى أو الأخريات ، وهذا ميل لا حيلة فيه ، ولا
يملك محوه أو التخلص منه ، فالله تبارك وتعالى لا يحاسبه على أمر خارج عن
إرادته ولا حول له فيه ولا قوة ، فلا يكون الرجل موزعاً بين ميل لا يملكه ،
وأمر لا يطيقه ، فأمر القلب خارج عن إرادة بني البشر فلا يملكه إلا الخالق
سبحانه ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القسم بين نسائه
ويقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك " [
أخرجه الخمسة ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود صـ 164ـفحة ] ، لكن هناك من
العدل ما هو داخل في إرادتهم ، فهناك العدل في المعاملة ، والعدل في القسمة ،
والعدل في المبيت ، والعدل في النفقة ، والعدل في الحقوق الزوجية كلها ، حتى
الابتسامة في الوجه ، والكلمة الطيبة باللسان ، وهذا هو المطالب به الأزواج ،
هذا هو الخطام الذي يقود ذلك الميل وينظمه ، فالقلب بين إصْبَعَين من أصابع
الرحمن ، يقلبه كيف يشاء ، وكذلك الجماع ، فقد ينشط الزوج للواحدة ما لا ينشط
للأخرى ، فإذا لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه مما لا يستطيعه فلم
يتعلق به تكليف .
عباد الله : القسم بين الزوجات واجب شرعي ، متعلق به حقوق الزوجية بين الزوجين
، وعماد القسم هو الليل ، لأنه مأوى الإنسان إلى منزله ، وفيه يسكن إلى أهله
وينام على فراشه ، والنهار للمعاش ، والاشتغال ، والنهار يتبع الليل فيدخل في
القسم تبعاً ، قالت عائشة رضي الله عنها : " قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بيتي وفي يومي " وإنما قبض نهاراً ، وهو تبع لليلة الماضية . وعن عروة رضي
الله عنه قال : قالت عائشة رضي الله عنها : " يا ابن أختي كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يُفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا ، وكان قل يوم
إلا وهو يطوف علينا جميعاً ، فيدنو من امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو
يومها فيبيت عندها " [ أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد حسن ، وصححه الحاكم ] ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم يطوف على زوجاته ويتفقد أحوالهن ولكن من غير جماع ،
أو مبيت ، ولا يكون مبيته إلا عند التي هو يومها ، وهذا من عدله صلى الله عليه
وسلم ، وقسمه بين زوجاته رضوان الله عليهن ، لأنه لو لم يتفقد أحوال الواحدة
إلا في يومها ، لكان في ذلك مشقة عليهن لكثرتهن ، ولاحتياج كل واحدة لشيء من
متطلبات الحياة ، فكان عليه الصلاة والسلام يطوف عليهن ويداعبهن ويلاطفهن من
غير جماع ، وذلك لتطمئن نفوسهن ، مع أن الله تعالى لم يوجب على نبيه القسم بين
نسائه وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، فله أن يرجي من يشاء منهن ويؤوي
إليه من يشاء ، وأن أعينهن قارة بذلك وراضية به ، لأنه أمر الله تعالى ، ومع
ذلك فكان عليه الصلاة والسلام أعدل الناس مع نسائه ، وأعظمهم قسماً لهن . وكان
تفقده صلى الله عليه وسلم لنسائه بعد صلاة العصر ، ويشهد لذلك حديث عائشة رضي
الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر دار على
نسائه ثم يدنو منهن . . . الحديث " [ متفق عليه ] . ألا فاتقوا الله أيها
الأزواج في نسائكم ، واعلموا أن الميل إلى واحدة دون الأخرى ، من أعظم الظلم
والجور والحيف ، مما يسبب انكسار قلب الأخرى وبغضها لضرتها ، فتقع المفاسد
والمشاكل الأسرية بين الزوجات بسبب ذلك الميل الأهوج ، والتعسف الأعوج ، ولا
ريب أن ذلك من أعظم الظلم ، وهو أن يظلم الرجل زوجته التي ائتمنه أهلها عليها ،
وأشد خطراً من ذلك إن كانت يتيمة ، فهذا هو البلاء العظيم ، والخطر الجسيم الذي
يبوء به صاحبه في الدنيا وفي الآخرة والعياذ بالله ، فالظلم ظلمات يوم القيامة
، سئل النبي صلى الله عليه وسلم : ما حق امرأة أحدنا عليه ؟ قال : " تطعمها إذا
طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت
" [ أخرجه أبو داود ] . بارك لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه
من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم .
أيها المسلمون : في عدم العدل بين الزوجات ضياع للأمانة ، وتفريط وخيانة ، "
والله لا يحب الخائنين " فالمرأة أمانة في عنق زوجها ، ومسؤول عنها أمام الله
تعالى في عرصات يوم القيامة ، فهو راع وزوجاته من رعيته ، فإن قصر سأله الله
تعالى عن سبب تقصيره ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله
والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الرجل
راع في بيته ومسؤول عن رعيته " ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : " ما من عبد
يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " [
متفق عليهما ] ، فالأمر خطير ، وفيه فساد كبير ، والله لا يحب المفسدين ، فاحذر
أيها المعدد من نقض العهد مع الله ، بتفريطك فيما ائتمنك الله عليه من الزوجات
، فالتعدد ليس وجاهة ولا جاهاً ولا تفاخراً ولا تكثراً ، بل التعدد شرع الله
لخلقه ، وسنة النبي لأمته ، فمن لم يستطع العدل فلا يحل له التعدد ، بل التعدد
في حقه حرام ، حتى لا يَهْلَك ، ولا يُهْلِك . فكم هم الأزواج الذين باءوا بغضب
من الله وسخط ، بسبب ميلهم لإحدى الزوجات دون الأخريات ، فغضوا الطرف عن الزوجة
، وأغفلوها تماماً ، ولم يرعوها اهتماماً ، فقد قتلوا سعادتها ، ودمروا حياتها
، فهي تعيش حياة البؤس والبغي والطغيان ، وتكابد حياة النكد والغدر والعدوان ،
داعية ربها أن ينتقم لها من بعلها ، فأنشدكم الله ! أهكذا يأمر الإسلام أهله ؟
أهكذا يأمر الدين متبعيه ؟ والله إن تلك التصرفات الرعناء لا تمت للدين بصلة ،
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن الله أرسل رسله ، وأنزل كتبه ليقوم
الناس بالقسط أي العدل ، ومنَّ عليهم بهذه الشريعة التي مبناها على الحكم
ومصالح العباد ، في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، وحكمة كلها ،
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى
المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة " ألم تسمعوا قول الله
تبارك وتعالى : " فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " . فأين الرجال
الصادقون المخلصون ، المتقون لربهم ، والخائفون من سوء أعمالهم .
أيها الأخوة العقلاء : لقد كثر أهل الوشاية ، وأهل الحسد والحقد ، ومن لا يرضون
بسعادة الأزواج ، فنكسوا الطباع ، وعكسوا الأوضاع ، وصيروا أسباب المودة
والالتئام ، عللاً للتباغض والانقسام ، ولربما كان للغيرة مدخلاً ومكمناً من
قبل أهل الزوج ، أو من إحدى الزوجات ، فحدثت مواقف جلية ظاهرة ، وأخرى ملتوية
باطنة ، في ظاهرها النصح والسعادة ، ومن قبلها الفرقة والعذاب ، فدبت الخلافات
وعدم العدل بين الزوجات ، بسبب الغيرة وغيرها من الأسباب ، فالزوج بين مطرقة
الحُساد وسندان الغيرة ، والضحية هي إحدى الزوجات ، فلا إله إلا الله رب الأرض
والسموات ، ماذا يريد أولئك ، وما أهدافهم ، وما هي مخططاتهم ، فإن لم تستأصل
شأفتهم ، وتطفأ نيرانهم ، ستحدث المحن والفتن ، وليس لها من دون الله كاشفة ،
وأي عقل وأي دين وأي عرف يقر تلك الأعمال الشنيعة ، بل أين المروءة والرحمة
والإنسانية عن أولئك ، إن مثل تلك التدخلات في الحياة الزوجة ، لهي مكمن الخطر
لدى كثير من الأسر ، فما بال أولئك يهجمون على البيوت فيأتونها من ظهورها ،
ويمزقون ستارها ، ويقتلعون هناءها ، ويفتكون بكيانها ، فيزرعون البغضاء ،
وينبتون الشحناء ، إن شرهم مستطير ، وخطرهم كبير . والله لا يرضى بالفتنة ولا
يحب أهلها ، " والفتنة أشد من القتل " ، فما أعظم قتل النفس بغير حق ، وأشد منه
، تدمير الحياة وقتل نفسين أو أنفس .
أيها المسلمون : سيطل علينا بعد أيام قلائل شهر عظيم الخيرات ، وكثير البركات ،
وجزيل العطايا والمسرات ، إنه شهر رمضان المبارك ، فليحرص الجميع على اغتنام
هذه الفرصة العظيمة ، بالتطهر من أرجاس الرذائل ، والمفاسد ، والعودة إلى الله
تعالى ، والإنابة إليه سبحانه ، ورد المظالم إلى أهلها ، وأعظم ذلك ، مظلمة
الرجل لزوجته ، حتى تصفوا النفوس ، وتزكوا القلوب ، ويشعر الجميع بروحانية هذا
الشهر الكريم ، والضيف العزيز ، واعلموا أنما هذه الحياة الدنيا ، أيام وسويعات
، ثم يفضي كل واحد لما قدم ، فكل مرتهن بعمله ، فاليوم عمل ولا حساب ، وغداً
حساب ولا عمل ، حتى يقول الظالم : " رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا
إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " فاحذر أيها الزوج المعدد
للزوجات ، أن تأتي يوم القيامة وشقك مائل تُعرف به من بين الخلائق ، وتكون
زوجتك المظلومة هي خصمك ، فإذا دعتك قدرتك على ظلمها ، فتذكر قدرة الله عليك .