|
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،
وصفيه وخليله أفضل البشر أجمعين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه
وسار على نهجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل ، فالتقوى أساس الإيمان ، ودليل
الإحسان : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون " ، " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن
الله كان عليكم رقيباً " .
أمة الإسلام : لقد أتى على المرأة حين من الدهر ، لم تكن شيئاً مذكوراً ، ولم
تقم لها قائمة ، فكانت تائهة عائمة ، مسلوبة الإرادة ، محطمة العواطف ، مهضومة
الحقوق ، مغلوبة على أمرها ، متدنية في مكانتها ، مُتَصَرَّفاً بشؤونها ، فكانت
عند الرومان تعد من سقط المتاع ، وعند اليهود تعتبر نجسة قذرة ، واحتار فيها
النصارى أهي إنسان له روح ؟ أم إنسان بلا روح ؟ ثم انتهى بها الأمر إلى وأدها
في مهدها .
وبعد تلك الويلات ، وإثر تلك النقمات التي كانت تعيشها المرأة ، جاء الإسلام
وأشرق نوره في جميع أصقاع المعمورة ، فأعلن مكانة المرأة ، ورفع قدرها ، وأعظم
من شأنها ، فأخذت كامل حقوقها ، ومن أعظم ذلك الصداق وهو المهر ، فالمهر ملك
لها وحدها تقديراً لها ، ورمزاً لتكريمها ، ووسيلة لإسعادها ، وثمناً لاستمتاع
الزوج بها ، لها في مهرها حرية التصرف بضوابطه الشرعية ، فهو ملك لها ، وليس
لأحد من أوليائها أن يشاركها فيه ، ومن أخذ من مهرها ولو شيئاً يسيراً بغير
إذنها ورضاها ، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الظلم والتعسف ، وأكل الأموال
بالباطل ، قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم
رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله
يسيراً " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق
فلهم النار يوم القيامة " [ رواه البخاري ] . وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام .
فاتقوا الله أيها الأولياء في بناتكم ومن ولاكم الله أمرهن من الأخوات وغيرهن ،
أحسنوا إليهن ، وأكرموهن ، وأعطوهن مهورهن ، فهذا هو الشرع المطهر ، والنور
المبين .
معاشر المسلمين : المرأة ليست سلعة تباع وتشترى ، وليست عنزاً حلوباً يحلبها
صاحبها متى شاء ، المرأة إنسانة مكرمة ، ذات مشاعر وأحاسيس مرهفة ، تحمل بين
جنباتها قلباً عظيماً ، وفؤاداً طيباً ، ولقد أوصى الإسلام بها وصية كبيرة ،
ورغب في ذلك ، وجعل جزاء ذلك دخول الجنة دار الأبرار ، والبعد عن النار دار
الفجار ، قال صلى الله عليه وسلم : " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة
أنا وهو كهاتين " وضم أصابعه [ رواه مسلم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من
ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " [
متفق عليه ] ، وحذر الشارع الكريم من إهمال حق البنات ، أو عدم العناية بهن ،
قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرج حق الضعيفين ، اليتيم والمرأة " [
رواه النسائي وغيره بإسناد حسن ] ، ومعنى ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم
يلحق الإثم بمن ضيع حقهما ، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً ، فاتقوا الله
أيها الناس في النساء .
عباد الله : لما ضعف الإيمان ، وقل اليقين ، وطغت على الناس الماديات ، ولما
انجرف كثير من العباد وراء المغريات والملهيات ، فآثروا حب الدنيا على الآخرة ،
ونتيجة لتفشى الجهل بين كثير من الناس ، هبت عاصفة المدنية الحديثة ، والتحضر
الزائف ، فأحدث الناس أموراً عجيبة ، وعادات غريبة ، بعيدة كل البعد عن الدين ،
ومن هذه العادات الباطلة ، التغالي في مهور البنات ، حتى وصلت إلى مئات الآلاف
من الريالات ، والبنت لا حول لها ولا قوة ، لقد أعادوا عادات الجاهلية السحيقة
، وأحيوا جذوة نار الظلم والجور التي كانت تعاني منها المرأة في الأزمنة
الغابرة ، وأدوا البنت حية ، لم يدفنونها في قبرها ، ولكن هالوا عليها تراب
الجحيم في سجن زوج لا تطيقه ، ولا تريده ، من أجل حفنة قذرة من المال ، سبحان
الله العظيم ، أنرضى بعادات الجاهلية لنا ديناً وقد أبطلها محمداً صلى الله
عليه وسلم ، أنحن أفضل من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في مهر بناته وزوجاته
أمهات المؤمنين ، كلا والله ، لسنا بأفضل منه ، فهو القدوة والأسوة التي يتحذى
به ، قال عليه الصلاة والسلام : " خير الصداق أيسره " [ رواه الحاكم ] ، وقال
صلى الله عليه وسلم : " إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ،
وتيسير رحمها " [ رواه الإمام أحمد ] ، قال ابن القيم رحمه الله : " المغالاة
في المهر مكروهة في النكاح ، وأنها من قلة بركته ، وسبب عسره " ، قال الله صلى
الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه ، فزوجوه ، إلا تفعلوا
تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " [ رواه الترمذي وحسنه الألباني ] ، وقال صلى
الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً " [ متفق عليه ] ، قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق النساء ، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا
، أو تقوى عند الله عز وجل ، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر
من ثنتي عشرة أوقية ، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأة من بناته حتى يكون لها عداوة
في نفسه ، وحتى يقول كُلفت لكم علق القربة " [ رواه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح
] ، ومعنى كلفت لكم علق القربة : يعني يقول لزوجته : تكلفت وتحملت لأجلك كل شيء
حتى حبل القربة أحضرته لك ، فكلما أخطأت المرأة كالها المكاييل ، وأذاقها ألوان
العذاب ، عندما يتذكر ما سببته له من ديون ، وإنفاق أموال بالباطل ، ألا
فاعلموا أن زواجاً يكثر مهره ، ويعظم همه ، ويزداد غمه ، وتكثر تكاليفه ، فاشل
أوله ، ومؤلم آخره ، والواقع خير شاهد على ذلك ، إن المغالاة في المهور
والإسراف والبذخ ، والتقليد الأعمى والسطو على مهر المرأة ، وصرفه في المظاهر
البراقة الخداعة ، وإنفاق الأموال على الشعراء والشاعرات ، وإهمال الفقراء
والمساكين ، كل ذلك وراء عزوف الشباب عن الزواج ، وسبب لعنوسة البنات ، مما
ينذر بوقوع شر عظيم في الأمة والمجتمع ، من فعل للفاحشة ، وانتشار للجريمة ،
وتعقيد لبناء الأسرة المسلمة .
أيها المسلمون : نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة ، وتدنى فيه مستوى المعيشة ،
وزاد فيه مستوى البطالة ، فقليل من الشباب الجامعي من يجد وظيفة ، فضلاً عمن لا
يملك الشهادة الجامعية ، وإن وجدت الوظيفة ، فالراتب لا يفي بالغرض ، إجار
مرتفع ، ومعيشة غالية ، ومهر باهض ، وأنى للشباب الإتيان بكل تلك التكاليف ،
فهنا يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا من تسهيل للمهور ، وتيسير للزواج ،
وصيانة لأعراض البنين والبنات ، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بتطبيق الرجال قول
الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء " ، وبتطبيق قوله صلى الله عليه وسلم
: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ رواه البخاري ] ، فالقوامة بيد الرجل ،
والحل والربط بيد الرجل ، أما المرأة فهي تابعة لزوجها ، لا تخرج عن رأيه
ومشورته قيد أنملة ، ولا بأس بمشاورة المرأة في أمر زواج ابنتها من الخاطب حتى
تبدي رأيها في ذلك ، لكن أن يترك لها زمام التصرف ، والتفاوض ، فهذا غير مشروع
وخصوصاً في وقتنا هذا ، الذي طغت فيه الفضائيات وحب التقليد ، وتقمص الأفلام
والمسلسلات ، حتى تغالت في المهور الأمهات ، وأرهق كاهل الشباب بطلبات تنوء
بحملها الجبال الراسيات ، فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات في أبنائكم وبناتكم
، سهلوا المهور ، يسروا الزواج ، ارضوا بالخاطب الكفء ، اخطبوا لبناتكم قبل
أولادكم ، كونوا قدوة صالحة ، ومثالاً طيباً ، أخرج النسائي وأصله في الصحيحين
، أن أبا طلحة خطب أم سليم ، فقالت : والله يا أبا طلحة ما مثلك يُرد ، ولكنك
رجل كافر ، وأنا امرأة مسلمة ، ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تُسلم فذاك مهري ،
وما أسألك غيره ، فأسلم فكان ذلك مهرها . ورجل تزوج بامرأة بما معه من القرآن ،
فيعلمها ويكون ذلك مهرها ، كان ذلكم مثالاً لمهور نساء الصحابة رضوان الله
عليهم أجمعين ، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل لأمته في شأن
المهر والصداق ، وتيسيره لصداق بناته دليل ناصع على رغبته في تقرير هذا المعنى
بين الناس ، إن الصداق مجرد رمز لا ثمن سلعة ، بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر
الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور
الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد الله واهب النعم ، كثير الخيرات والعطايا ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، أعطى وأمر بعدم الإفراط والتفريط ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وعلى آله وصحبه
الغر الميامين . . . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله وامتثلوا أوامر ربكم تنجو
بأنفسكم ، وإياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .
معاشر المسلمين : لقد كانت المرأة في العصور الجاهلية القديمة تعد من سقط
المتاع ، فلا ميراث لها عند أولئك الكفرة الفجرة ، أولئك الجهلة الظلمة ، إلى
أن جاء النور المحمدي الشريف من لدن رب العزة والجلال ، فرفعت المرأة رأسها ،
وأشرفت على الناس أجمعين ، شامخة أبية ، فقد أنصفها الدين الإسلامي وأعطاها
كامل حقوقها ، ومن أعظم تلك الحقوق حقها في الميراث ، قال تعالى : " يوصيكم
الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " ، فالمرأة في الميراث تأخذ نصف ميراث
الرجل ، لأن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق ، وهو المكلف بجلب المهر للمرأة ، أما
المرأة فلا نفقة عليها للزوج ، ولا مهر له عليها ، لذا كان نصيبها من الميراث
نصف ما للرجل ، وهذه حكمة عظيمة بالغة من لدن حكيم خبير ، والمصيبة العظمى ،
والطامة الكبرى التي لا مثيل لها عندما نجد بعض المسلمين ممن ينتسبون إلى هذا
الدين ، وهم يغالطون أنفسهم ببعدهم عن خالقهم ، وتركهم لسنة نبيهم ، وذلك بهضم
حقوق المرأة في الميراث ، وعدم إعطائها أياً من حقوقها جهلاً بحقوق المرأة التي
حفظها الإسلام ، وتساهلاً بأوامر الدين ، فالمرأة لها من الميراث ما قضى به
الشارع الحكيم ، فإما أن تكون بنتاً ، أو أماً أو أختاً أو زوجة أو غير ذلك ،
فلكل واحدة نصيبها من الميراث وفق الشرع ، ويحرم هضم حقوق المرأة من الميراث ،
أو كتابة الوصية للذكور دون الإناث ، ويحرم إعطاء البنات جزءاً من أرض ، وتخصيص
الذكور بالأجزاء الكبيرة من الميراث ، لما في ذلك من ظلم للبنات ، بل الصواب في
ذلك أنه لا وصية لوارث ، كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والحذر كل
الحذر من ظلم الإناث ، أو أكل حقوقهن ، أو عضلهن ، أو منعهن من الميراث ، فكل
ذلك حرام ، لم تحله الشريعة الإسلامية ، بل أبطلت مثل تلك العادات الجاهلية ،
وعلى الولي والأب أن يتق الله في نفسه ، فهو قادم على ربه تبارك وتعالى ، فلا
يلقى ربه وعليه مظلمة لأحد من الناس ، فكيف إذا كان المظلوم ابنته التي هي من
صلبه ، فهذا من أعظم الظلم ، ومن أعظم الاعتراض على كتاب الله ، وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم ، فعلينا معاشر المسلمين أن نعتز بديننا ونفخر بشريعتنا ، التي
لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما يحتاجه المسلم والمسلمة في أمور دينه إلا وبينته
بياناً شافياً كافياً ، فلله الحمد من قبل ومن بعد .
أيها المسلمون : لقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم الضرر والحرج والهلاك على
من ضيع حق اليتيم ، بل وألحقه الإثم ، لأن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الأيتام
في آيات كثير من كتاب الله تعالى ، حيث قال تعالى : " فأما اليتيم فلا تقهر "
يقول بن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية : [ أي لا تسيء معاملة اليتيم ، ولا
يضيق صدرك عليه ، ولا تنهره ، بل أكرمه وأعطه ما تيسر واصنع به كما تحب أن يصنع
بولدك من بعدك ] ، وقال تعالى : " فذلك الذي يدع اليتيم " يقول بن سعدي : [ أي
يدفعه بعنف وشدة ، ولا يرحمه لقساوة قلبه فهو كالحجارة أو أشد قسوة ، ولأنه لا
يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرج
حق الضعيفين : اليتيم والمرأة " [ رواه أحمد وغيره بإسناد حسن ] . وقال صلى
الله عليه وسلم : [ أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ] وأشار بالسبابة والوسطى
، وفرج بينهما ، ( رواه البخاري ) . ووالله إن شر البيوت البيت الذي يساء فيه
إلى يتيم ، وخير البيوت البيت الذي يحسن فيه إلى يتيم ، وأخص بذلك المرأة
اليتيمة لأنه لا حول لها ولا قوة إلا بالله تعالى ، فاحذر أيها المسلم ، احذر
أن تجعل لك خصماً يوم القيامة ، وهناك من الناس من يحرم اليتيمة من الزواج لأكل
مالها إن كانت صاحبة مال ، أو يحرمها الزواج من أجل الاستيلاء على راتبها إن
كانت موظفة ، ومنهم من يجبرها على الزواج من أجل أكل مهرها ، وكل ذلك من أكل
المال الحرام ، قال تعالى : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون
في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً " ، قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى :
" وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن
وترغبون أن تنكحوهن " قالت : هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل ، لعلها أن
تكون شريكته في ماله ، وهو أولى بها فيرغب أن ينكحها ، فيعضلها لمالها ، ولا
ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها . [ رواه البخاري ] ، وقالت في هذه
الآية : " ويستفتونك في النساء . . . . . " قالت : هي اليتيمة تكون في حجر
الرجل قد شركته في ماله فيرغب أن يتزوجها ، ويكره أن يزوجها غيره ، فيدخل عليه
في ماله فيحبسها ، فنهاهم الله عن ذلك .
فيحرم على الولي أن يحرم اليتيمة من الزواج لأجل أكل مالها ، وأن ذلك من الذنوب
العظيمة ومن الكبائر الجسيمة التي تؤدي بصاحبها إلى النار ، ولقد توعد النبي
صلى الله عليه وسلم آكل مال اليتيم بالعذاب الأليم ، وعُد ذلك أيضاً من السبع
الموبقات المهلكات التي تهلك صاحبها ، وتورده نار جهنم والعياذ بالله ، فقال
عليه الصلاة والسلام : " اجتنبوا السبع الموبقات ، وذكر منها : وأكل مال اليتيم
" [ متفق عليه ] .
معاشر المسلمين : كم هن الفتيات اللاتي يعشن مع زوجات آبائهن ، ويجدن ضيق العيش
، وشدة الحياة ، وقسوة المعاملة ، والأب الظالم لا يتحرك لقمع العدوان ، ولا
لدفع الظلم ، الحاصل لبناته فاقدات الأم ، فاتقوا الله أيها النساء ، واتقوا
الله آيها الآباء ، فالظلم ظلمات يوم القيامة ، وسيكون خصمك ربك وخالقك ، ومن
كان خصمه ربه ، فقد خسر وخاب ، وسيندم حين لا ينفع الندم ، وعاملوا الفتيات
بالطيب والعناية ، عاملوهن كما تحبون أن يعاملكم الناس ، وأحبوا لهن من الخير
ما تحبون لأنفسكم ، فمن لم يفعل ذلك ، فليس من الله في شيء ، ولا إيمان لديه ،
قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ، هذا
وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى ، والنبي المجتبى ، فقد أمركم الله بذلك في
آيات تقرأ وتتلى ، فقال جل وعلا : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد ، وعلى الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر الصديق ، وعمر
الفاروق ، وعثمان ذو النورين ، وعلي أبي السبطين ، وعلى الصحابة والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك
والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة
أمورنا ، . . ..
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك