|
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما
تحت الثرى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلوات الله وسلامه عليه
ما تعاقب الصباح والمساء ، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى ، وعنا معهم
بمنك وكرمك ، يا من يعلم السر والنجوى . . . أما بعد :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ " ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " .
أيها المسلمون : عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً ،
والغيرة على الدين غالباً ، ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون
، وعن الدين غافلون ، وفي الذنوب غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط
غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ، ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ،
والعجب كل العجب عندما ترى سيارة تتراقص بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة
مستقاة ومرتضعة من بلاد الكفر والضلال ، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال
، والاضمحلال ، شباب تائهون ، شباب لاهون ، شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما
هذه الغرائب ، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح
الدين ، هل أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد
على الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في
مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب
الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم هي
الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة ، عندما ترى
سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد ، مساكين أولئك
الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا العذاب ، وغفلوا عن
العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ، إنَّ نظرات الناس من حولهم
نظرات احتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ،
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد
، قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق عليه ] ،
فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما الله وأمام خلق
، تريد عذابك ، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم بمعصية الله عياناً
بياناً . فيا عجباً من الناس ، يبكون على من مات جسده ، ولا يبكون على من مات
قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم . فللقلب حياة كما أن للجسد
حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ، فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن
أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان يسير بسيارته ، مترنماً حزيناً مرة ،
ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ، ففقد
السيطرة على سيارته فانقلبت به عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها
، ولا زال يردد الأغنية ، فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ،
فالله تعالى يقول : " ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ، فحانت الوفاة ،
وحضر الأجل ، فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها وهو لم
يعرفها ، كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ،
أما شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات
وهو يردد الأغنية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض عن ذكر
ربه يسلكه عذاباً صعداً " ، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " .
عباد الله : لقد أوصى الله تعالى بالجار ، وأمر بحق الجوار ، فقال تعالى : "
والجار ذي القربى والجار الجنب " ، وكذلك جاء الاهتمام بالجار وأوصى به النبي
صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة فقال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى
ظننه أنه سيورثه " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " [ رواه البخاري ] ، وقال عليه الصلاة
والسلام : " والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول
الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه " [ رواه البخاري ] . فكم من جار يشتكي
جاره إلى الله تعالى من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء ، كم من
جار رفع يديه إلى السماء شاكياً مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره ، ومستعيذاً
بالله من شره وكيده ، وكم من الجيران الذين لا يقدرون حق الجوار ، فلا ينبعث من
منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات ، ممن تسموا بالفنانين والفنانات ، ومن
المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين ، فأين أدب الجوار ، وأين
مراعاة حق الجار ، إن احترام الجار واجب ديني ، إن مراعاة شعور الجار وعدم
أذيته مما يأمر به الدين ، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق ، وصحة العقيدة ، وإن
مما يقدح في الدين ما نراه ونشاهده ممن يذهبون للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في
البراري وحول البحار ، ثم لا يحلوا لهم ذلك إلا باستماع ما حرم الله كالغناء
وأشباهه ، فيؤذون المصطافين إخوانهم وجيرانهم ، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية ،
والأدهى من ذلك والأمر ، أن ولي الأمر يرى ويسمع ، ولا يحرك فيه ذلك ساكناً ،
متساهلاً بحق الجار تارة ، ومارقاً من الأدب تارة ، وضعيفاً دينه تارة أخرى .
يا عباد الله : الأغاني محرمة بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
، وإجماع علماء الأمة العاملين . وإليكموها واضحة جلية ، كما تُرى الشمس في
رابعة النهار .
أولاً : من الكتاب الكريم :
لقد جاء تحريم الأغاني في كتاب الله تعالى في عدة مواضع ، علمها من علمها
وجهلها من جهلها ، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى ، أما الآية الأولى فهي
قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم
ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن
مسعود قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً [ رواه ابن
جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302 ] ، وقال ابن عباس : نزلت في
الغناء وأشباهه [ رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي / المنتقى النفيس 302
].
والآية الثانية قوله تعالى : { وأنتم سامدون } ، قال عبدالله بن عباس رضي الله
عنهما : سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [ رواه ابن جرير والبيهقي
بسند صحيح / المنتقى النفيس 302 ]، يقال : سمد فلان إذا غنى .
والآية الثالثة قوله تعالى : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } ، قال مجاهد :
بصوتك : أي الغناء والمزامير . فالغناء صوت الشيطان ، والقرآن كلام الرحمن ،
فاختر أي الكلامين تريد وتسمع .
والآية الرابعة قوله تعالى : " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية : هو
الغناء .
والآية الخامسة قوله تعالى : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية "
قال بعض العلماء : المكاء : التصفيق ، والتصدية : الصفير ، فقد وصف الله أهل
الكفر والشرك بتلك الصفات ، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها .
ثانياً : من السنة النبوية :
أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ،
وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة :
قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبيعوا القينات ( المغنيات ) ، ولا تشتروهن ،
ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، وفي مثل هذا أنزلت هذه
الآية : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها
هزواً أولئك لهم عذاب مهين } [ السلسلة الصحيحة 2922 ].
وقال عليه الصلاة والسلام : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند
نعمة ، ورنة عند مصيبة " [ أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إني لم أنه عن البكاء ، ولكني نهيت عن صوتين
أحمقين فاجرين : صوت عند نعمة : لهو ولعب ، ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة :
لطم وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان " [ أخرجه الترمذي والبزار والمنذري والقرطبي
وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن ] قال ابن تيمية رحمه الله : والصوت الذي عند
النعمة : هو صوت الغناء .
وعن عبدالله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " إن الله عز وجل حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر
حرام " [ أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني رحمه
الله ] ، وقال علي بن بذيمة : الكوبة : هي الطبل .
وقال صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ( كناية عن
الزنا ) والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ رواه
البخاري معلقاً بصيغة الجزم ] .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل : يا رسول الله ومتى يكون ذلك ؟ ، قال :
" إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو
حديث صحيح لغيره ] .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع إصبعيه في
أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول : نعم ،
فيمضي ، حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راع ، فصنع مثل هذا . [ رواه أبو داود
والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304 ] .
الله أكبر يا عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى ، فهل بعد
هذا البيان من عذر لمن استمع لذلك الهذيان ، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من
عودة إلى دين الله صريحة .
ثالثاً : قول السلف :
أيها المسلمون : ومن الآثار التي تدل على تحريم الغناء ما قاله بن مسعود رضي
الله عنه : " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب " [ رواه أبو
داود وهو أثر صحيح ] .
وقال بن عمر لقوم مروا به وهم محرمون وفيهم رجل يتغنى : " ألا لا سمع الله لكم
، ألا لا سمع الله لكم " ، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه
: . . وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ، ولقد هممت أن أبعث إليك من
يجز جمتك جمة سوء " [ أخرجه النسائي وأبو نعيم بسند صحيح ] ، وسئل القاسم بن
محمد عن الغناء فقال للسائل : " أنهاك عنه وأكرهه لك " قال : أحرام هو ؟ قال :
أنظر يا بن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل ففي أيهما يجعل الغناء ؟ ، وقال
الشعبي : " لُعن المغني والمغنى له " وقال الضحاك : " الغناء مفسدة للقلب مسخطة
للرب " ، وقال يزيد بن الوليد : " يا بني أمية ! إياكم والغناء ، فإنه يزيد
الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السَّكَر ، وقال
أبو الطيب الطبري : كان أبو حنيفة يكره الغناء ، ويجعل سماعه من الذنوب ، وقال
أبو يوسف من الحنفية : " يمنعون من المزامير وضرب العيدان والغناء والصنوج ـ
وهو ضرب النحاس بعضه ببعض ـ والطبول . . " وقال في الهداية : " ويمنع من يغني
الناس لأنه يجمعهم على كبيرة " ، وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء فقال :
" إنما يفعله عندنا الفساق " ، وقال الشافعي رحمه الله : " تركت بالعراق شيئاً
أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به عن القرآن " والتغبير : هو عبارة عن
الضرب بقضيب أو نحوه على جلد يابس ، وإنشاد أشعار ربانية مرققة للقلوب كما
يفعله الصوفية ، ومع ذلك وصفهم بالزنادقة ، فكيف لو رأى ما أحدثه الناس في
زماننا من الاستماع للغناء الفاحش المصاحب للموسيقى ، والرقص على الدفوف ،
والربابات وغيرها من آلات الصد عن ذكر الله وعن القرآن ، بل وحتى عن أعظم أركان
الإسلام ألا وهو الصلاة ، كيف لو اطلع رحمه الله على شباب اليوم وهم في غفلة عن
الدين وإعراض عن سنة النبي الكريم ، بل واستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن
المنكر ، وإعراض عن ذكر الله ، وسخرية بكلام الله ، وقد كفر الله فاعل ذلك فقال
تعالى : " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله
كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " وقال الإمام أحمد رحمه الله :
" الغناء بدعة ، وكرهه ونهى عنه " وقال : " الغناء ينبت النفاق في القلب " ،
وذهب بعض أصحاب الإمام أحمد أن الغناء حرام .
نعم إن الغناء حرام لمن فعله ومن سمعه ومن أعان على سماعه ونشره وبيعه وشرائه ،
كيف لو رأى رحمه الله حال كثير من المسلمين اليوم وهم يتراقصون ويترنمون ،
فيتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، ويختلط الحابل بالنابل ويتصنعون أعمال
هوجاء ، وأفكار غوغاء ، ورقصات غربية وشرقية ، ليست من الدين في شيء ، يستمعون
فيها لكل ناعق وناهق ، وينصتون فيها لكلام غير لائق ، يتلذذون على أصوات
الفاسقين والفاسقات الذين يصدون عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ،
وكلام الصالحين والعلماء المهديين ، قال بن كثير رحمه الله : " استعمال آلات
الطرب والاستماع إليها حرام كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية " ، وقال رحمه
الله : " وأما اتخاذ الطرب قربة وطريقة ومسلكاً يتوصل به إلى نيل الثواب ، فهو
بدعة شنعاء لم يقله أحد من الأنبياء ولا نزل به كتاب من السماء ، وفيه مشابهة
بالذين قال الله فيهم : " وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة
الدنيا " ، وقال رحمه الله : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجرس
مزمار الشيطان " [ رواه مسلم ] فإذا كان هذا في الجرس فما ظنك بالدف المصلصل
الربابات المتنوعة الأشكال والأصوات ، والعود والكمان والطبل ، وقال أبو بكر
الطرطوشي : " وهذا السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني له في الشرع بضعة
عشر اسماً فمنها : اللهو ، واللغو ، والباطل ، والزور ، والمكاء ، والتصدية ،
ورقية الشيطان ، وقرآن الشيطان ، ومنبت النفاق في القلب ، والصوت الأحمق ،
والصوت الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومزمور الشيطان ، والسمود ، قال الشاعر :
أسماؤه دلت على أوصافه *** تباً لذي الأسماء
والأوصاف
وقال آخر :
فدع صاحب المزمار والغناء *** وما اختاره عن طاعة
الله مذهباً
ودعه يعش في غيه وضلاله *** على تنتنا يحيا ويبعث أشيباً
قال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا .
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس : " اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين :
الأول : أن يلهي القلب عن التفكر في عظمة الله سبحانه ، والقيام بخدمته .
الثاني : أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع
الشهوات الحسية ، ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا في المتجددات ، ولا سبيل
إلى كثرة المتجددات من الحِلّ ، فلذلك يحث على الزنا ، فبين الزنا والغناء
تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح ، والزنا أكبر لذات النفس . بل لقد نقل بعض
العلماء إجماع أهل العلم على تحريم الغناء .
معاشر المسلمين : ولا يضر من خالف في ذلك من إباحة الغناء والموسيقى الهادئة
وما شابه ذلك ، فهم قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل ، فمنهم من
اشتبه عليه الأمر ، فعاد بعدما حاد ، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنه بمنه وكرمه ،
ومنهم من أباحوا الغناء ، فأطالوا فيه من الغثاء ، فعظم منهم البلاء ، وتبعهم
كثير من السفهاء ، مداهنة للحكام ، ورغبة في الحرام ، وحباً في الهيام والغرام
، وقد قال ابن الجوزي : " وإنما رخص في ذلك من قل علمه ، وغلبه هواه " ، وقال
سفيان بن عيينه في مثل أولئك العلماء الضُلاَّل : " احذروا فتنة العالم الفاجر
، والعابد الجاهل ، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون " ، وقيل في الأمثال : " إذا زل
العالِم زل بزلته عالَم " ، فنسأل الله أن يردهم إلى صوابهم ، وأن يعيدهم إليه
عوداً حميداً ، وأن يردهم إليه رداً جميلاً ، فالحق أحق أن يتبع ، والعبرة بما
جاء في كتاب ربنا تبارك وتعالى ، وما صح من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
، وما جاء عن الصحابة والتابعين وأهل العلم العاملين الذين لا يخافون في الله
لومة لائم في إحقاق الحق وإبطال الباطل ، قال الطبري : أجمع علماء الأمصار على
كراهة الغناء ـ أي تحريمه ـ والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد
وعبيد الله العنبري ، فعليكم معاشر المسلمين بالسواد الأعظم ، ومن فارق الجماعة
مات ميتة جاهلية ، وما أباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس
هو كالغناء المعهود الآن المثير للنفوس والباعث على الشوق والغرام الملهب لها
من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين ، والتغزل في بنات المسلمين ، فحاشا هذين
المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية الانحطاط ومنتهى الرذيلة ،
ويجر إلى العار والفضيحة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله
ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً وله عذاب مهين " .
أيها المسلمون : سماع الغناء يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق
والعصيان ، فهو قرآن الشيطان ، والحجاب الكثيف عن الرحمن ، وهو رقية اللواط
والزنا ، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى ، كاد به الشيطان النفوس
المبطلة ، وحسنه لها مكراً منه وغروراً ، وأوحى إليها الشبه الباطلة ، واتخذت
لأجله القرآن مهجوراً ، فلو رأيتهم عند سماع الغناء وقد خشعت منهم الأصوات ،
وهدأت منهم الحركات ، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه ، وانصبت انصبابة واحدة إليه ،
فتمايلوا له كتمايل النشوان ، وتكسروا في حركاتهم كالنسوان ، ويحق لهم ذلك ،
فللشيطان قلوب هناك تمزق ، وأثواب تشقق ، وأموال لغير الله تنفق ، حتى إذا عمل
فيهم السكر عمله ، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله ، واستفزهم بصوته وحيله ،
وأجلب عليهم برجله وخيله ، وخَزَ في صدورهم وخْزَاً ، وأزهم إلى ضرب الأرض
بالأقدام أزاً ، فطوراً يجعلهم كالحمير حول المدار ، وتارة كالذباب ترقص حول
الأقذار .
فياحسرة على العباد ، تاهوا في كل واد ، والدود لهم بالمرصاد ، وينتظرهم يوم
التناد ، فماذا جنى المسلمون من الغناء وعفنه ؟ والرقص وسخفه ؟ يا شماتة أعداء
الإسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام ، قضوا حياتهم لذة وطربا ، واتخذوها
لهواً ولعباً ، سبحان الله العظيم كيف ترق القلوب لغير ذكر الله ؟ كيف تدمع
العيون لغير الخوف من الله ؟ لقد تاهت العقول في زخم الحياة الدنيا ، وضاقت
الصدور في خضم الماديات ، وحب الشكليات ، ومشاهدة الفضائيات ، فقل الوازع
الديني في القلوب ، وضعف اليقين عند الناس ، فأصبحوا لا يعرفون الحق من الباطل
، ولكن كما قال الله تعالى : " إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور " ، لقد صدق فيهم إبليس ظنه فاتبعوه ، وأما طريق الحق فقد ضلوه ، فافتتن
بالغناء كثير من المسلمين ، فلم يعودوا لمعرفة الحق قادرين ، ورضوا بالشيطان
لهم قرين ، ويوم القيامة يقول لهم : " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم
وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا
أنفسكم " ويقول لهم : " إني بريء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله
شديد العقاب " ، ويحذر الله عباده من اتخاذ الشيطان ولياً أو ناصحاً من دون
الله فيقول أرحم الراحمين : " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس
للظالمين بدلاً "
ولقد أحسن القائل :
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكنه إطراق ساه
لاه
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن *** فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثَقُل الكتاب عليهم لما رأوا *** تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعداً وبرقاً إذا حوى *** زجراً وتخويفاً بفعل مناهي
عباد الله : المال من وسائل السعادة إذا استغله
المسلم في طاعة ربه تبارك وتعالى ، وأنفقه في مرضاته سبحانه ، أما من تخبط في
المال ، ولم يهتم به من أي طريق كان ، وفي أي طريق يصرف ، فهذا مستدرج من قبل
ربه ، يمهل له ، حتى إذا أخذه لم يفلته ، لأنه ظالم جهول ، ما عرف أن لله في
ماله حقاً " وآتوهم من مال الذي آتاكم " فالمال لله ، وهو مستخلفكم فيه ، فينظر
كيف تعملون ، وقد توعد الله من أضاع ماله ، في المعصية أو منع منه من يستحقه ،
أو صرفه في معصيته سبحانه ، قال تعالى : " يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من
أتى الله بقلب سليم " ولما سئل عيسى عليه السلام عن المال قال : [ لاخير فيه ،
قيل : ولم يانبي الله ، قال: لأنه يُجمع من غير حِل ، قيل : فإن جُمع من حِل ،
قال : لايُؤدي حقه ، قيل: فإن أدى حقه قال : لايسلم صاحبه من الكبر والخُيلاء ،
قيل : فإن سلِم ، قال: يُشغله عن ذكر الله ، قيل : فإن لم يُشغله ، قال : يُطيل
عليه الحساب يوم القيامة ] ، فتأمل هذه العقبات الخمس وقليل من يتجاوزها سالماً
، وقال صلى الله عليه وسلم : " كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به " [ رواه
البخاري ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام " [
رواه الترمذي ] ، فأولئك سيسألون عن هذه الأموال من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها
، فاحذروا أيها المسلمون من المال الحرام فهو سبب للهلاك والدمار وعدم إجابة
الدعاء ، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام : " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر
يمد يديه إلى السماء يارب يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ،
وغذي بالحرام ، فأنا يستجاب لذلك " [ رواه مسلم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [ رواه
البخاري ] . ومن وسائل المال الحرام ، من يؤجر محلاً تباع فيه أشرطة الغناء أو
أشرطة الفيديو التي تحوي على الغناء ورؤية الراقصين والراقصات ، ومن يبيع آلات
الغناء ، ومن يهدي لأحد شريط غناء ، ومن يؤجر مسرحاً أو يبنيه لغرض الغناء أو
الرقص . قال ابن عبدالبر : " من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور
البغايا والسحت والرشوة وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء
الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله " ، ومن استأجر المطربين
والمطربات أو أهل الموسيقى كالعود والكمان والربابة وما شابهها فعمله هذا محرم
والأجرة التي تأتي من وراء ذلك سحت حرام ، والمال الذي يدفع فيها حرام ، وصاحبه
مشترك في الإثم والوزر ، ومتعاون على الإثم والعدوان ، قال ابن المنذر : " أجمع
كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية ، ولا تجوز الإجارة
على شيء من الغناء والنوح " ، واعلم أيها المسلم أن المال الذي دفع فيهم سيسأل
عنه صاحبه إذا وضع في حفرته بلا مال ولا جاه ولا ولد ، عند ذلك يأتيه من الله
ما كان يستعجله في الدنيا قال صلى الله عليه وسلم : " لن تزولا قدم عبد يوم
القيامة حتى يسأل عن أربع : عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه . . " فياصاحب
الغناء أعد لذلك السؤال جواباً ، واحرص على أن يكون الجواب صواباً ، ووالله لن
تستطيع إلى ذلك سبيلاً ، لأن الله يقول : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " فهل أنت
من الذين آمنوا ، الذين اتبعوا كلام الله ، واهتدوا بهدي رسول الله ، أم أنت
ممن اتبع هواه ، فقذف به في النار على قفاه ، فهي حسبه وغضب عليه مولاه . فأفق
من غفلتك ، واستيقظ من رقدتك ، قبل أن يداهمك الموت ويفجأك ، فالله يمهل ولا
يهمل .
ومن دعي إلى وليمة أو احتفال وكان هناك أغاني في تلفاز أوغيره ، فحرام عليه أن
يجلس في مثل تلك المجالس لأنها مجالس محرمة ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
، ولا محاباة في دين الله تعالى ، ولا حياء من طاعة الله سبحانه ، بل الجبن
والغبن أن يجلس المسلم في مكان يعصى الله فيه علانية وسراً . فاتقوا الله عباد
الله ، واعلموا أنها دقائق وساعات ، وأيام وسنوات ، ثم تقبلون على رب الأرض
والسموات ، ووالله إنه سيسألكم عن أموالكم من أين اكتسبتموها ، وفيما أنفقتموها
.
أيها المسلمون : الموسيقى أشد تحريماً من الغناء الذي لا يصاحبه موسيقى ، فإن
صاحبه موسيقى زاد تحريه ، واشتد تغليظه ، قال ابن تيمية :" مذهب الأئمة الأربعة
أن آلات اللهو كلها حرام ، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه
وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم
يمسخون قردة وخنازير ، والمعازف هي الملاهي كما ذكر أهل اللغة وهي جمع معزفة
وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوت بها ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات
اللهو نزاعاً " [ مجموع الفتاوى 11\576 ] ، المعازف هي آلات اللهو كلها ، لا
خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، ولوكانت حلالاً لما ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم
على استحلالها بقوله : ليكونن من أمتى قوم يستحلون الحر والحرير والخمر
والمعازف " وعلى ذلك فالموسيقى بكل أنواعها وأشكالها ومسمياتها محرمة ولذلك
قرنها صلى الله عليه وسلم بالخمر التي هي أم الخبائث وأساس كل شر ، قال صلى
الله عليه وسلم : " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على
رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير " [
رواه ابن ماجة وصحح إسناده ابن قيم الجوزية رحمه الله ] [ إغاثة اللهفان 1 \
277 ] ، كم يسعى المرجفون في الأرض والمنافقون والكفار ، للإطاحة بشباب الإسلام
، ووضع الطعم لهم حتى يقعوا في شباك الأعداء ، ومن أعظم ذلك ما أدخلوه على
المسلمين في عقر دراهم ، وفي بيوتهم ، من أسباب سخط الله تعالى ، إنها الموسيقى
، لقد عجزوا من إدخالها إلى بيوت الله تعالى ، لما للمساجد من حرمة عظيمة ،
ومكانة كبيرة في قلوب المسلمين ، كيف لا وهي بيوت الله ، والناس جميعاً فيها
ضيوف على الرحمن ، فوصل الحال بالأعداء إلى أن يدخلوا الموسيقى إلى بيوت الله ،
وبأيدي المسلمين أنفسهم وذلك بتسجيل نغمات موسيقية غنائية في هواتفهم المحمولة
أو الجوالة ، وقد جاءت فتوى هيئة كبار العلماء مواكبة للحدث ، فأصدرت اللجنة
الدائمة للإفتاء بالمملكة فتوى بتحريم جميع النغمات الموسيقية الصادرة من
الهواتف الجوالة وغيرها ، لما تسببه من بعد عن الله ، وإعراض عن الصلاة ،
وإشغال لعباد الله ، وطاعة لأعداء الله ، فاتقوا الله رحمكم الله واعملوا لدار
عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
عباد الله : الحق أحق أن يتبع ، ولقد جاء النهي عن الشعر ما لم يكن داعياً إلى
الدين ، أو دفاعاً عنه ، أو شعراً يشحذ الهمم ، ويعين على الطاعة ، قال تعالى :
" والشعراء يتبعهم الغاوون " وقال صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ بطن أحدكم
قيحاً حتى يُريه ـ حتى يأكل بطنه ـ خير له من أن يمتلئ شعراً " [ رواه البخاري
ومسلم ] ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان إبليس أول من ناح وأول
من تغنى " [ رواه الخرائطي والزبيدي والغزالي في إحياء علوم الدين ] ، ويزيد
الشعر حرمة عندما يقترن بآلات اللهو والطرب ، والطبل أو ما يسمى بالزير
والمزامير ، ويدخل في ذلك العرضة بأنواعها ، فهي حرام لما فيها من تضييع
للأوقات ، وإهدار للأموال ، ولما تسببه غالب العرضات من انتماءات قبلية ، وطعن
في الأحساب والأنساب ، وتفاخر بالقبائل ، مقتفين أثر الجاهلية القديمة ، التي
جاء الإسلام بوأدها ، وقطع جذورها .
أيها المسلمون : المغني ممن ترد شهادته لأنه أتى بكبيرة من كبائر الذنوب ، ولأن
الغناء لا يفعله إلا الفساق من الناس ، قال ابن الجوزي رحمه الله : " لا تقبل
شهادة المغني والرقاص " ، قال الشافعي رحمه الله : " أن الرجل إذا جمع الناس
لسماع غناء الجارية فهو سفيه مردود الشهادة " ، فيا أيها المغني أتريد الشهرة
وحب الظهور ، أتريد الرفعة في الدنيا ، وأن يشار لك بالبنان فيها ، والله لقد
نالها قبلك رجال تمنوا عند الموت أن لو قالوا " ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا
في أمرنا " فها هو فرعون وقارون وهامان وأبو جهل وغيرهم من الطغاة والبغاة ،
دعاة السوء والضلالة ، لم يقدروا لله أمراً ولا نهياً ، ما رجوا ثواب الله
وجزيل عطائه ، ما رجوا لله وقاراً ، فأدخلوا نارً ، فلم يجدوا لهم من دون الله
أنصاراً ، لم تغن عنهم شهرتهم من الله شيئاً ، فقيل ادخلوا النار مع الداخلين ،
أيها المغني والله لقد كذب الذي قال إن للفن شهداء ، والله لقد قال على الله
بغير علم ، وكذب على نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال : " ما تعدون الشهيد
فيكم ، قالوا : من قتل في سبيل فهو شهيد ، قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل ،
قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال : من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات
في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو
شهيد ، والغريق شهيد " [ رواه مسلم ] ، فهاهو عليه الصلاة والسلام يعدد الشهداء
ووالله ما قال أن الفنان شهيد ، ولا من مات على خشبة المسرح شهيد ، فمن أين تلك
الفتاوى ، وما مصدر تلك الدعاوى ، وكيف تجرءوا على الله تبارك وتعالى ،
واستدركوا عليه في دينه وهو سبحانه الذي يقول : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " فوالله لا يستوي من مات في سبيل الله
تحت أزيز الرصاص وأصوات القنابل والدبابات ، ومن مات على خشبة المسرح يعص الله
تعالى فوق أرضه وتحت سمائه ، تحت إضاءة الأنوار ، وعند سماع التصفيق والصفير ،
" فريق في الجنة وفريق في السعير " ، وأعوذ بالله أن أقول على الله بلا علم ،
وأستغفره وأتوب إليه من كل إثم ، وعجباً لوسائل الإعلام في بلاد الإسلام ، لقد
أصبحت معاول هدم للعقيدة ، ووسائل دفن للدين ، فلا تجد برنامجاً ولا مسلسلاً
ولا أخباراً إلا وفيها من الموسيقى ما فيها ، فما بين الفينة والأخرى إلا
ويفاجأ المشاهد والمستمع بهزعة موسيقية ، وما بين لحظة عين وانتباهتها إلا
ويفزع بضرب وتر ونغمة وسمر ، تميت القلوب ، وتهدم الحسنات ، وتبيد الطاعات .
أمة الإسلام : يقول الله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان " ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن سن في الإسلام سنة
سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " [ رواه مسلم ] ، الله
أكبر أيها المطرب ، الله أكبر أيها المغني ، كل الناس يتحمل إثمه وذنبه ، وأنت
تتحمل إثمك وذنبك ، وآثام من تبعك ، وذنوب من سمعك ، فلا إله إلا الله ، ستتحمل
أثاماً وذنوباً تنوء بحملها الحبال الراسيات ، فياويلك يا مسكين ، وياويحك يا
ضعيف ، أتظن أن الله غافلاً عما تفعل بالمسلمين ، أتظن أن الشهرة والجاه
والمنصب ستحميك من عذاب شديد العقاب ، باب التوبة مفتوح ، فالحق بالتائبين ،
واركب سفينة الناجين ، وإياك وإخوان الشياطين ، فلن يعذب إلا أنت ، ولن يساق
إلى الجحيم إلا أنت ، فالبدار البدار بالتوبة النصوح قبل أن تغرر الروح ، واحذر
أن تموت على خشبة المسرح ، فتكون شهيداً للعفن ، ومثالاً سيئاً . ولقد عد رسول
الله صلى الله عليه وسلم مجموعة الشهداء ووالله ما ذكر أن للفن شهيداً ، فاحذر
الموت فهو أقرب إليك من حبل الوريد .
معاشر المسلمين : من استمع الغناء ، أو غنا به مع آلات الموسيقى ، معتقداً حله
فهو كافر ، مكذب لله تعالى ، ومعاند لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ومفارق لجماعة
المسلمين المعتبرين ، لأن الغناء محرم ، وسماعه محرم ، ومن أحل حراماً فهو
مصادم لشريعة الله تعالى ، وخارج عن دين الإسلام ، فهو كافر مرتد والعياذ بالله
، يُستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً ، وإذا قُتل على تلك الحال ، فلا يغسل ولا
يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، لكفره وردته والعياذ بالله .
قال تعالى : " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة
الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم " ، وفي ذلك القول إفتراءٌ على
الله بغير علم ، وتَقوُلٌ عليه بلا فهم .
عباد الله : صلوا وسلموا على حبيبكم ونبيكم ومن أمركم الله بالصلاة والسلام
عليه ، فقال سبحانه قولاً كريماً حكيماً : " إن الله وملائكته يصلون على النبي
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين
، وأذل الطغاة المشركين ، والكافرين والملحدين ، والنصارى الحاقدين ، واليهود
الغاصبين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك ، اللهم انصر من نصر الدين واخذل
من خذل الدين ، اللهم من أرادنا بسوء فاجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره
تدميراً عليه ، اللهم نكس رأسه ، واجعل الخوف لباسه ، اللهم تول أمرنا ولا
تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم انصر اخوننا
المسلمين في فلسطين ، اللهم انصر اخواننا المسلمين في كشمير وفي أفغانستان وفي
الفلبين وفي كل مكان يارب العالمين ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان
، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً ، وعوناً ومعيناً ، اللهم قوي شوكتهم ، واحم
حوزتهم ، اللهم سدد رميهم ، واخذل عدوك وعدوهم ، يا ذا الجلال والإكرام ، ياذا
الطول والإنعام ، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان ، اللهم ألف بين قلوبهم
، وأصلح أحوالهم ، واجعلهم لكتابك محكمين ، ولسنة نبيك متبعين ، وعن الاختلاف
مبتعدين ، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعتك ، واتباع سنة
نبيك صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم ، اللهم اجعلهم رفقاء
برعاياهم ، اللهم اجعلهم هداة للحق وبه يعدلون ، اللهم عليك بأعداء الدين
والمسلمين ، اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تبق منهم أحداً ، اللهم
خذهم أخذاً وبيلاً ، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم ، اللهم سلط بعضهم على بعض ،
اللهم شتت شملهم ، وفرق بين شعوبهم ، وأضعف كلمتهم ، اللهم دب الذعر في قلوبهم
، وأدر الدائرة عليهم ، اللهم لا تقم لهم راية ، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية ،
يا قوي يا عزيز ، يا جبار السموات والأرض ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، عباد الله : إن الله
يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه
يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .