|
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، له الحمد
في الأولى والآخرة ، يحيي ويميت ، وله اختلاف الليل والنهار وهو يتولى الصالحين
، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نرجو بها النجاة يوم نلقاه
، شهادة بها نحيا ، وبها نموت ، وبها نبعث يوم الدين ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله الناصح الأمين ، وقائد الغر المحجلين ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ،
ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فصلوات ربي وسلامه عليه
وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته المؤمنين
المتقين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ، فالتقوى وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى : "
ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " ، وقال سبحانه
: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " .
عبادَ الله : إنَّ دينَ المؤمن أحبّ إليه من نفسِه وأهلِه وجميع قرابته ،
وإنّما يكون الدّين مع جماعةِ المسلمين، والجماعة لا تكون إلا بإمارةٍ وطاعة،
ومسؤولية وشياخة ، وبهذا كلِّه تستقيم أمور الناس الدينيّة والدنيوية ، وتنتظم
مصالحهم ، والإسلام قد أكّد على هذه المعاني الهامّة ، وعمّق في القلوب هذه
الأصولَ النافعةَ ، فأمر بالاجتماعِ وتوحيد الصفوف ، ونهى عن التفرق وسوء الخلق
، فقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " ، وقال تعالى : " وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ
الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ، ونحن في أشد الحاجة إلى
هذه الوصايا والتوجيهاتُ الرّبانيّة في كلّ وقت وزمان ، ولا ريب أننا في هذه
الآونة أكثرُ ضرورةً وحاجةً إلى الحفاظ على الألفة والاجتماع ، ونبذ الخلاف
والخزعبلات ، والأوهام الشيطانية ، والأحلام الإبليسية ، ألا فاعلموا عباد الله
أن في تلكم الأباطيل تمزيق للوحدة ، ونخر لجدار العصمة ، واحذروا عاقبةَ
التفرّق والاختلاف فقد قال الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى
اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " .
أمة الإسلام : من أعظم أسباب الفرقة والتباغض ، اتباع ذا الوجهين وهو النمام
الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه بقصد الإفساد بين الناس ، والوقيعة بينهم
لتحصل القطيعة ، ومن يثير النصيحة أمام الناس عياناً بياناً ، جهاراً نهاراً ،
فهذا له مآرب أخرى ، وأموراً لا تدرى ، فاحذروا تلك الفئة من الناس ، الذين
غاية مرادهم إثارة البلبلة ، وزعزعة الأمن في ربوع البلاد ، والذين لا هم لهم
إلا إثارة العباد على العباد ، فهؤلاء لا حظ لهم في الدنيا ولا في الآخرة ، إن
مثل تلك الفئة من الناس ينبذهم الخالق جل جلاله ، وينفر منهم رسوله ، ويبغضهم
أهل المروءة والعفة ، إن مثل تلك الفئة من الناس هم النمامون ، الذين يفسدون في
الأرض ولا يصلحون ، النميمة مرض خطير من أمراض القلوب وأدوائه ، وعامة عذاب
القبر منها ـ أعاذنا الله منها ومن عذابها ـ وهي محرمة بكتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، وإجماع علماء الأمة . قال تعالى : " هماز مشاء بنميم " ،
وقال تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " وعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تجد من شرار الناس يوم القيامة عند
الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " [ رواه البخاري ومسلم
والترمذي ] . النميمة من كبائر الذنوب التي يستحق صاحبها العقوبة في الدنيا وفي
القبر وفي الآخرة .
أما في الدنيا : إذا عُرف من أفسد بين الناس فينبغي أن يحذر ويُكر بالله ،
ويخوف بربه سبحانه ، فإن لم يرجع عن غيه فلابد من قطيعته وعدم تصديقه فيم يخبر
به أو يدعو إليه ، وأما عذاب النمام في القبر : فعن ابن عباس رضي الله عنهما ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مر بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان ، وما
يعذبان في كبير ، بلى إنه كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الأخر
فكان لا يستتر من بوله " [ متفق عليه ] . وفي الآخرة : ما رواه حذيفة رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " [ متفق
عليه ] ، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( من نم إليك نم عليك ) . يقول
الشاعر :
تنح عن النميمة واجتنبها *** فإن النم يحبط كل أجر
يثير أخو النميمة كل شر *** ويكشف للخلائق كل سر
ويقتل نفسه وسواه ظلماً *** وليس النم من أفعال حر
فالنمام والمفسد بين الناس لا يعرف للشهامة سبيلاً ، ولا للمروءة طريقاً ،
النميمة من أكبر المصائب على الأمم ، وأشد الرزايا على المجتمعات ، فكم من أسر
تفككت ، وكم من إخوة تنازعوا وتقاطعوا ، وكم من جماعة تفرقوا وتدابروا من أجل
النميمة ، فيجب علينا أن نتكاتف ونجتمع على كلمة واحدة ، ونترك الخلافات ،
ونعفو عما مضى وفات ، نعوذ بالله من الفرقة وسوء المنقلب .
عباد الله : إن أذية المؤمنين والناس أجمعين بغير حق من أشد المظالم ، وأعظم
المآثم ، التي توعد الله أهلها بالوعيد الأكيد ، وتهددهم بالعذاب الشديد ، قال
الله تعالى : " وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ
بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً
مُّبِيناً " ، وقال تعالى : " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا
فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " ، وقال سبحانه في الحديث القدسي الصحيح : "
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " ، فاتقوا الله يا من تمشون بين الناس
بالنميمة ، واتقوا الله يا من تسعون بالفساد بين الناس ، واحذروا سطوة الله
وعذابه يا من تثيرون الفتن ، وتؤججون المحن ، فعاقبة ذلك وخيمة ، وخاتمته سيئة
عظيمة ، والعجيب والعجائب جمة إرغام العقول والاستيلاء على أهلها ، وكأن الناس
وديعة عندهم ، يهددون ويتوعدون ، ويحرضون ويمنعون وكأنهم أوصياء على الناس ،
وإننا والله لنعتب أشد العتب ، ونعيب أسوأ العيب على من وهبه الله العقل
والتدبير ، والفهم والتأصيل ، ثم يتتبع أفواه الحمقى والمغفلين ، وأقاويل
المفسدين والنمامين ، ويجري وراء سراب خادع ، وعقول فارغة ، وأهواء مضلة ،
وعادات قبيحة ، قد أكل عليها الزمان وشرب ، يتخبط أهلها في ظلمات دهماء ،
وأفكار غوغاء ، ثم ما يلبث أن ينكشف الضباب ، وتظهر حقيقة السراب ، وتتبين
الأسباب ، وحينئذ لا ينفع الندم ، وقد زلة القدم ، بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وجعلنا جميعاً من
المتبعين لهدي سيد المرسلين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم
من كل ذنب ومعصية ، ومن كل إثم وخطيئة ، فاستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي
غفور رحيم .
------
الحمد لله المعزِّ لمن أطاعه واتقاه ، المذلِّ لمن خالف أمرَه وعصاه ، وأشهد أن
لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، لا إلهَ سِواه ، ولا رب لنا غيره نرضاه ،
وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله ، اصطفاه ربّه واجتباه ، اللهمّ
صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد وعلى آله وأصحابه ومن والاه . . .
أمّا بعد : فاتقوا الله عبادَ الله بامتثالِ أمره ، واجتناب نهيه ، واعلَموا
أيها المسلمون أنّكم على أقوالكم وأعمالكم محاسَبون ومجزيّون ، قال الله تعالى
: " وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " .
أيها الناس : لماذا هذه العصبية القبلية ، ولماذا تلكم الحمية الوطنية ، ولماذا
هذه الفرقة ، وذاكم التباعد ؟ أمن أجل عرض من أعراض الدنيا ؟ من أجل الإمرة
والمشيخة ؟ والله لو تعلمون ما جاء في كتاب ربكم ، وسنة نبيكم بشأن خطورة
الإمارة والشياخة والرئاسة ، لما سعى لها أحد ، ولا رُغب فيها أبد ، ألا
فاعلموا عباد الله أن الإمارة أمانة ، وأمر الأمانة عظيم ، وخطرها كبير ، قال
تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم
تعلمون " ، وقال تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين
أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً " ، قال أبو ذر
رضي الله عنه : قلت يا رسول الله : ألا تستعملني ـ يعني ألا تجعلني والياً
وعاملاً وشيخاً لك على إحدى المدن أو القبائل ـ قال : فضرب بيده على منكبي ثم
قال : " يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا
من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها " [ رواه مسلم ] ، نعم يا عباد الله لا
يستحق الإمرة وتحمل المسؤولية إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها ، من
مراقبة لله تعالى ، وخوف منه سبحانه ، دون محاباة لأحد دون آخر ، ألا وإن من
أهم حقوقها مساعدة الأرامل والمحتاجين ، وتفقد أحوال اليتامى والمساكين ،
والسعي الحثيث للارتقاء بقريته وأهل بلدته ، وإصلاح ذات البين ، ولم الشتات ،
وإجماع الكلمة ، ومسك زمام الأمور ، وتوفير مقدرات الحياة لعشيرته ، من شق
للطرق ، وتعبيد للشوارع ، وإسماع الكلمة ، والهيبة والسيطرة ، في شدة من غير
عنف ، ولين في غير ضعف ، تلكم هي حقيقة الإمرة والمشيخة ، أما أن تكون الإمرة
ختماً يختم به ، أو صوتاً يذاع به ، أو قطعاً للصلات بين الناس ، وإحداث الفرقة
، ومنع الألفة ، والتعصب لفلان دون فلان ، من أجل القرابة أو العلاقة ، أو
الرياء والسمعة ، فذلكم مفهوم خاطئ ، وقول تجنب الصواب ، وصاحبه مستحق للعقاب ،
فاعتبروا يا أولي الألباب ، ولقد توعد الله جل وعلا من فرط في زمام الأمور ،
وتنصل من المسؤولية لمن تولاها بأشد العذاب ، وأنكى العقاب ، قال صلى الله عليه
وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم
الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " ما من أمير
يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة " [ رواه
مسلم ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " ويل للأمناء ، ويل للعرفاء ، ليتمنين
أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا بين السماء والأرض ، ولم
يكونوا عملوا على شيء " ، هذه هي الإمارة وهذه هي الشياخة التي يتعارك الناس
اليوم من أجلها ، والتي يتقاتل العباد في سبيلها ، يتباغضون ولا يتزاورون ،
ويتدابرون ولا يتعارفون ، فويل لمن كان هدفه شتات الكلمة ، واختلاف الرأي ،
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ، هذا وصلوا وسلموا على
حبيبكم ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل
سبحانه : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز
الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا
البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا
وولاة أمورنا ، اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً ، وخلقاً حسناً ، اللهم ألف بين
قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ،
وألسنتنا من الكذب ، وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً لعباك المؤمنين ، اللهم اجعلنا اخوة متحابين ،
اخوة متعاونين ، إخواناً على سرر متقابلين ، اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين
، اللهم من أراد بنا فرقة أو سوءاً فاجعل كيده في نحره ، اللهم اقطع نسله وأفسد
عقله ، وأعظم همه وغمه ، واجعله عرضة للفتن والمحن ، ياذا الجلال والإكرام ،
اللهم من سعى بين المسلمين للاجتماع والإصلاح فوفقه لكل خير ، اللهم أعظم بركته
، وبارك له في عمره وماله وولده ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا
وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، برحمتك يا أرحم
الراحمين ، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت ،
فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم ، ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، عباد الله : إن الله أمركم بثلاث
ونهاكم عن ثلاث ، فقال سبحانه : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " ، فاذكروا الله
العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم
ما تصنعون .