|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله باق ما له من زوال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
الكبير المتعال ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . . وبعد :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ،
فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ
أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ
الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ، ضَحِكَ
مِنْهُ الشَّيْطَانُ " [ رواه البخاري ] .
في هذا الأدب الإسلامي الرفيع عدة تساؤلات ، نجيب عليها ليستفيد منها
الجميع :
1- ما حكم تشميت العاطس ؟
قيل : أن تشميت العاطس فرض على الكفاية ، فإذا فعله بعض الحاضرين ، سقط عن
الباقين ، للحديث المتقدم ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " فَإِذَا
عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ
يُشَمِّتَهُ " .
2- متى يكون تشميت العاطس ؟
يكون عند سماع حمد العاطس ، وذلك لما رواه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله
عنه قَالَ : عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا ، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ ! شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي ، قَالَ : "
إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ " [ رواه البخاري ]
.
3- هل يجب تذكير العاطس إذا لم يحمد الله ؟
اختلف العلماء في ذلك ، فمنهم من قال : يُذكر حتى يحمد الله ، ثم يشمته ،
فيفوز بالدعوة ، لاسيما وأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى ، والأمر
بالمعروف ، والنصيحة ، وهذا قول النووي والنخعي .
وقيل : لا يشمته ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُذكر ذلك الرجل بالحمد
، تعزيراً له ، وحرمان لبركة الدعاء ، لأنه حرم نفسه بركة الحمد ، فنسي
الله ، فصرف الله قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته ، والدعاء له ، ولو كان
تذكيره سنة ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بفعلها وتعليمها والإعانة
عليها ، وهذا قول ابن العربي وابن القيم رحمة الله على الجميع .
4- ما الحكمة من الحمد بعد العطاس ؟
أولاً ، اعلم أن العطاس نعمة من نعم الله ، فلا بد للعاطس إذا عطس أن يحمد
الله تعالى قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد : "
العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه ،
التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة ، شرع له حمد الله على هذه النعمة ،
مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها على هذه الزلزلة ، التي هي للبدن
كزلزلة الأرض لها " انتهى .
5- خفض الصوت بالعطاس ، ووضع شيء على فمه وأنفه لئلا يخرج منهما أذىً ،
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
، كَانَ إِذَا عَطَسَ ، غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ ،
وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ " [ أخرجه الترمذي وأبو داود ، وقَالَ الترمذي :
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وكذلك قال الألباني رحمه الله ] .
6- بعد كم مرة تشمت العاطس ؟
قيل تشمته إذا عطس اثنتين ، وقيل : ثلاث ، وقيل : أربع ، ومعنى ذلك أن
العاطس إذا عطس مرتين تشمته مرتين ، وفي الثالثة تقول له : إنك مزكوم ،
وتدعو له بالعافية ، وقيل : بعد ثلاث ، وقيل : بعد أربع ، والصحيح : أنه
بعد ثلاث عطسات يعطسها العاطس ، وفي الرابعة تقول : إنه مزكوم ، وبذلك
تعتذر عن تشميته ، وتبين له أن به مرض ، وعليه أن يتعالج منه ، وتدعو له
العافية .
7- هل يجوز تشميت الكافر :
إذا عطس بجانبك كافر فحمد الله ، فقل له : يهديكم الله ويصلح بالكم ، ولا
تقل له : يرحمك الله ، ففي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ :
كَانَتِ الْيَهُودُ تَعَاطَسُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهَا : يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ ، فَكَانَ يَقُولُ : "
يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " [ رواه أبو داود وصحح الألباني
رحمه الله ] .
وعلى هذا فلا يجوز الدعاء لأهل الذمة بالرحمة والمغفرة لأنهم ليسوا لها
بأهل ، بل يدعى لهم بالصلاح والهداية والتوفيق للإيمان .
8- كيف يكظم التثاؤب :
التثاؤب من الشيطان ، لأن سبب التثاؤب غالباً ثقل في البدن ، بسبب امتلائه
واسترخائه ، وميله إلى الكسل ، وإضافته إلى الشيطان ، لأنه هو الذي يدعو
إلى الشهوات ، والمراد التحذير من التوسع في المآكل والمشارب والإكثار منها
.
وكظم التثاؤب مستحب ، وقد ورد فيه أحاديث كثيرة منها :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : " التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ
هَا . ضَحِكَ الشَّيْطَانُ " [ رواه البخاري ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : " التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " [ رواه مسلم ] .
عَنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ ، فَلْيَضَعْ
يَدَهُ عَلَى فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مَعَ التَّثَاؤُبِ " [
رواه أحمد ] .
9-كظم التثاؤب يكون بأمور :
= = التحكم بالفم ومنعه من انفتاحه .
== ضغط الأسنان على الشفة .
== وضع اليد أو الثوب أو الشماغ على الفم ونحو ذلك .
10- التعوذ بالله من الشيطان حال التثاؤب :
هذا الفعل خطأ من وجهين :
الوجه الأول : أن هذا المتعوذ ابتدع من عند نفسه ذكراً لم يشرعه النبي صلى
الله عليه وسلم .
الوجه الثاني : أنه ترك سنة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعلها عند
التثاؤب ، وهي أن يكظم التثاؤب ما استطاع إما بثوبه أو بوضع يده أو بأي
طريقة أخرى ، فعلى المسلم أن يتنبه لذلك .
11- ورد تحميد العاطس ورده على من شمته بألفاظ مختلفة .
روى البخاري ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا عَطَسَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ
صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ
فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " [ قال الإمام
البخاري في "الأدب المفرد" (ص 249) : "هذا الحديث أثبت ما يُروى في هذا
الباب ] .
وروى أبو داود ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ
أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَيَقُولُ هُوَ : يَهْدِيكُمُ
اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " [ صححه الألباني في صحيح أبي داود ] .
وروى أبو داود والترمذي ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا عَطَسَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ،
وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَلْيَقُلْ
: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ " [ ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود ،
وصححه في "صحيح الأدب المفرد " (715) موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه ] .
وعن أبي جمرة قال : سمعت ابن عباس يقول إذا شُمِّت : عافانا الله وإياكم من
النار ، يرحمكم الله . صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد.
وروى مالك في الموطأ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي
الله عنهما كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، قَالَ
: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ .
قال النووي في "شرح مسلم : قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي
كَيْفِيَّة الْحَمْد وَالرَّدّ , وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الآثَار , فَقِيلَ :
يَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ . وَقِيلَ : الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ
الْعَالَمِينَ . وَقِيلَ : الْحَمْد لِلَّهِ عَلَى كُلّ حَال . وَقَالَ
اِبْن جَرِير : هُوَ مُخَيَّر بَيْن هَذَا كُلّه , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُور بِالْحَمْدِ لِلَّهِ .
قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي رَدّ الْعَاطِس عَلَى الْمُشَمِّت , فَقِيلَ :
يَقُول : يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ , وَقِيلَ : يَقُول :
يَغْفِر اللَّه لَنَا وَلَكُمْ , وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ : يُخَيَّر
بَيْن هَذَيْنِ , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب , وَقَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيث
بِهِمَا " انتهى باختصار .
والحاصل : أن ألفاظ الحمد وردت على أوجه متنوعة :
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ .
2- الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
3- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وألفاظ التشميت وردت –أيضاً- على أوجه متنوعة :
1- يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ .
2- يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ .
3- عافانا الله وإياكم من النار ، يرحمكم الله .
4- يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ .
وكل هذا صحيح ثابت يختار المسلم منه ما يشاء .
ومن هنا نسمع بعض الألفاظ الخاصة بالتحميد والتشميت ، لم تأت بها سنة ،
فالأفضل الاقتصار على ما ورد في السنة ، أو عن طريق الصحابة الكرام رضي
الله عنهم أجمعين ومما نسمعه من ألفاظ قولهم :
يرحمنا ويرحمكم الله ، أو : هدانا وهداكم الله .
أمر مهم :
في السلام إذا سلم رجل على مجموعة ، فإنه يكفي أن يرد عليه أحدهم ، عَنْ
عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً قَالَ : "
يُجْزِئُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ ،
وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ " [ أخرجه أبو داود ]
.
أما في العطاس ، إذا عطس الرجل وحمد الله تعالى ، وجب على كل من سمعه أن
يشمته ، أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ،
فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ
أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ
الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ، ضحك
منه الشيطان " [ أخرجه البخاري ] .