|
الحمد لله الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، أحمده سبحانه كل ليلة ويوم ،
الحمد لله العليم الخبير ، القوي القدير ، السميع البصير ، خلق كل شيء فأتقنه
صنعاً وتقديراً ، وشرع الشرائع فأحكمها عملاً وتنظيماً ، فسبحانه من إله عظيم ،
وخالق حكيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نرجو بها
النجاة من العذاب الأليم ، والفوز بدار النعيم المقيم ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين ، أرسله ربه بشيراً
ونذيراً ، وداعياً إلى بإذنه وسراجاً منيراً ، فصلوات ربي وسلامه عليه ما
تلألأت النجوم ، وتلاحمت الغيوم ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الوقت المعلوم . . . أما بعد : فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأعلموا أن
الله لم يخلقكم عبثاً ، ولن يترككم سداً ، وإنما خلقكم لحكمة بالغة ، وشرع لكم
شرائع كاملة ، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، خلقكم وسترجعون إليه ، وشرع لكم الدين
وستحاسبون عليه ، فاستعدوا للقاء ربكم ، وأعدوا الجواب عما سيسألكم ، قال تعالى
: " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ
الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ
* وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ " ، وقال تعالى :
" وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ " ، أيها
الناس إن الله فرض عليكم حقوقاً ، فلله عليكم حقاً ، ولذوي القرابات عليكم حقاً
، ولأنفسكم عليكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ، فأعطوا كل ذي حق حقه ، ولا
تبخسوا الناس أشياءهم ، فتبوؤا بالخسارة والحرمان يوم القيامة .
أيها المسلمون : فرض الله على الأزواج حقوقاً تجاه زوجاتهم ، فمن حفظها وحافظ
عليها وأداها على وجهها ، فقد حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهله ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : "
استوصوا بالنساء خيراً " [ متفق عليه ] ، فمن حفظ هذه الحقوق ، وحافظ عليها ،
وأدى الذي عليه فيها ، كان من خيار عباد الله المؤمنين ، قال صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم
لأهله ، وأنا خيركم لأهلي " [ أخرجه ابن حبان في صحيحه ] ، فعلى الزوج أن ينظر
إلى زوجته على أنها سكن له ، تركن إليها نفسه ، وتكمل في جوارها طمأنينته ،
وترتبط بالحياة الكريمة معها سعادته ، فهي ليست أداة للزينة ، ولا مطيَّة
للشهوة ، ولا غرضاً للنسل فحسب ، بل هي تكملة روحية للزوج ، يكـون بدونها
عارياً من الفضـائل النفسية ، فقيراً من بواعث الاستقرار والطمأنينة ، وإلى هذا
يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً
لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ، وحين ينظر الزوج إلى زوجته بهذا
المنظار الجميل يزول من طريق الحياة الزوجية كل ما يشوبها من أشواك وعثرات ،
ومشاكل وهفوات .
أيها الأزواج : هذه الحقوق العظيمة التي فرضها الله ، لا يقوم بها ولا يرعاها
إلا زوج يخاف الله ويتقيه ، ويعلم علم اليقين أنه محاسبه ومجازيه ، هذه الحقوق
إذا قام الأزواج بها على وجهها ، كانت السعادة ، وحصلت الطمأنينة ، وشعرت
المرأة بفضل زوجها عليها ، وأنه مؤمن بالله ، قائم لله بحقه وحقوق عباده ، وإذا
رأت المرأة من زوجها الاستهتار والاستخفاف بحقوقها ، تنكد عيشها ، وتنغصت
حياتها ، حتى ربما أنها لا تستطيع أن تقوم بعبادتها على وجهها ، لما ينتابها من
الوساوس والخطرات ، وبما تشعر به من الذل والاضطهاد والأذية ، ولذلك قال
العلماء : إن إضاعة حقوق الزوجات أعظم من إضاعة حقوق الأزواج ، فظلم النساء في
حقوقهن عظيم ، والمرأة إذا ظُلمت ، ضاقت عليها الأرض بما رحبت ، فلا مفر لها
إلى الله ، وشكواها إلى الله ، وتبث حزنها إلى الله ، وكفى بالله ولياً ، وكفى
بالله نصيراً ، وويل لمن كان الله خصمه يوم القيامة ، ولذلك أنزل الله في كتابه
آية المجادِلة ، وأخبر أنه سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات ، قالت عائشة رضي
الله عنها وأرضاها : " إني لمن وراء الستر يخفى علي بعض كلامها ، وهي تقول :
إلى الله أشكو ثعلبة ، إلى الله أشكو ثعلبة ، قالت : فسمعها الله من فوق سبع
سماوات ، فسبحان من وسع سمعه الأصوات ، وسبحان من يغيث اللهفات ، هذه الحقوق
التي فرض الله على الأزواج تنـزلت من أجلها الآيات ، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع أمام أصحابه في آخر موقف ، وعظ به رجال الأمة فكان مما قال : " اتقوا
الله في النساء " ، ألا فاعلموا عباد الله أن من أعظم حقوق المرأة على زوجها ،
الأمر بطاعة الله ، وهذا الحق هو أعظم الحقوق وأجلها ، هذا الحق الذي من أجله
قام بيت الزوجية ، ومن أجله تستمر الحياة الأسرية ، فالواجب على الزوج أن يأمر
زوجته بما أمر الله ، وأن ينهاها عما حرم الله ، وأن يأخذ بحجزها عن عقوبة الله
ونار الله ، ولقد أشار الله تعالى إلى هذا الحق العظيم بقوله : { وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ
نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } ، وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا
قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاض شداد لا
يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " ، فعلى الزوج أن يكون في البيت آمراً
بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، إذا رأى خيراً ثبت قلب المرأة عليه ، وإذا رأى
حراماً صرفها عنه ، وحذرها ووعظها وذكرها ، وإلا أخذها بالقوة ، وأطرها على
الحق أطراً ، وقسرها عليه قسراً ، حتى يقوم حق الله في بيته ، فإقامة أمر الله
، طريق للبركة في الرزق ، وطريق للخير والنعمة ، فعلى الزوج أن يزيل المنكرات
من بيته ، ويقضي على الآفات في منزله ، وأعظم هذه المنكرات والأمور المحرمات ،
التي نخرت بنيان سعادة كثير من الأسر ، وصدعت كيانها ، وهتكت أستارها ، وهزت
أركانها ، أعظم تلك البلايا ، وأشد تلك الرزايا وجود الفضائيات ، ودخول الدشوش
إلى منازل المسلمين ، فما من شر اليوم إلا والدش سببه ، وما من فضيحة وعار إلا
والدش أصله ومنبعه ، ولذلك كان من وصية الله لعباده المؤمنين إذا أرادوا الزواج
، أن يختاروا المرأة الدينة ، المؤمنة الصالحة ، لأنها هي التي تقيم بيتها على
أمر الله ، وما فرض الله عليها ، قال صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع : لمالها ،
ولجمالها ، ولحسبها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " ، فذات الدين
غنيمة عظيمة ، إن أمرها زوجها بطاعة الله أئتمرت ، وإن نهاها عن حدود الله
ومحارمه انزجرت ، وإذا ضيع الزوج حق الله تعالى وطاعته ، خذله الله في بيته ،
وخيب أمله مع زوجه ، وبدد أحلامه مع أهله وأولاده ، فيسلبه الله الكرامة ،
ويجعله في مذلة ومهانة .
ومن حقوق الزوجة على زوجها ، حق النفقة وهذا الحق دل عليه دليل الكتاب والسنة
وإجماع علماء الأمة ، قال الله في كتابه : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ
لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ
عُسْرٍ يُسْراً } ، فهذه الآية الكريمة يقول العلماء فيها أمران : الأمر الأول
/ وجوب النفقة في قوله : { لِيُنفِقْ } فالنفقة واجبه ، والأمر الثاني / أنها
تتقيد بحال الرجل إن كان غنياً فينفق نفقة الغني ، وعلى الفقير على قدر ما آتاه
الله ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم على نسائكم حقاً ، فأما حقكم
على نسائكم إن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، وألا يَأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون
، وأما حقهم عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن " ، وفي حديث معاوية رضي الله عنه
وأرضاه : أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما حق امرأتي علي ؟ قال : " تطعمها مما تطعم ،
وتكسوها مما تكتس " ، وأجمع العلماء على أن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته
بالمعروف ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله : " استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن
عندكم عوان " ، وعوان : أي أسيرات قالوا ولذلك أُمِرَ الرجل أن يقوم بالإنفاق
على المرأة من أجل هذا ، أما الأمر الثاني الذي جعل النفقة على الرجل للمرأة
فالحقوق المتبادلة والمنافع التي يبادل كل منهما الآخر ، فالمرأة يستمتع بها
الرجل ، قال تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ } فاستحقت أن تأخذ أجرها على ما يكون منها من القيام بحق بعلها في
فراشه ، فلهذا كله أوجب الله على الرجال الإنفاق على النساء والقيام بحقوقهن .
أيها المسلمون : تسقط النفقة على الزوجة في عدة حالات : أولاً / أن يكون العقد
فاسداً كنكاح الشغار ، ونكاح المتعة وغير ذلك ، ثانياً / أن تكون المرأة ناشزاً
،
ثالثاً / أن تكون الزوجة غير مدخولٍ بها ، مالم يمكنه أهلها من ذلك ، فإن مكنوه
فتأخر وتباطأ وأبى ، فهنا يجب عليه أن ينفق عليها ، رابعاً / أن تمتنع من فراش
زوجها ، فإن امتنعت وعصت أوامره ، وضرته وآذته ، سقطت نفقتها حتى ترجع إلى
رشدها ، وتحكم شرع ربها .
عباد الله : ربما كان بعض الأزواج شحيحاً بخيلاً ، وهي صفة مذمومة ، مقبوحة
مرفوضة ، وعند الله ممقوتة ، فمن كانت تلك صفته ، وتلك همته ، فيجوز للمرأة أن
تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف ، وهذه فتوىً من محمد صلى الله
عليه وسلم حينما اشتكت إليه هند بنت عتبة رضي الله عنها فقالت : يا رسول الله !
إن أبا سفيان رجل شحيح أفآخذ من ماله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " خذي من
ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف " ، فهي رخصة لهند رضي الله عنها خاصة ، ولنساء
الأمة عامة ، فاتقوا الله عباد الله في أزواجكم ، وارعوا حقوقهن ، وإياكم
والتفريط فيها ، فربما أوصل ذلك إلى نار تلظى ، وعاقبة لا ترجى .
ألا وإن من حقوق المرأة على زوجها ، ألا يضرب ضرباً مبرحاً ، وألا يقبح ، وألا
يستخدم أساليب التجريح في المعاملة ، والكلمات القاسية ، والألفاظ النابية ،
والأوامر الصارمة ، والتهديدات الفاضحة ، فذلكم خارج عن تعاليم الإسلام والشرع
الحنيف ، فلا يضرب المرأة على أتفه الأسباب ، إلا رجل سيئ الخلق ، ناقص العقل
والفهم ، قاصر التفكير والتأمل ، مريض معتوه ، غير عارف بدين الله الصحيح ،
ولقد جاء في الأثر : " ما أهانهن إلا لئيم ، وما أكرمهن إلا كريم " ، وعن حكيم
بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟
قال: " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ، ولا تضرب الوجه ،
ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " ، قال الصنعاني : " في الحديث دليل على
جواز الضرب تأديباً ، إلا أنه منهي عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها " ، فعلى الزوج
أن يسعى جاهداً لحماية بيته ، وصيانة عرينه من أن تكتنفه الهموم ، أو تتملكه
الغموم ، أو أن تتربص به المشاكل الدوائر ، فالمرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما
في الضلع أعلاه ، فيجب أن يستمتع بها الزوج على اعوجاجها ، لأن هذا العوج طبيعة
جبلية في جل النساء ، لا تستطيع دفعه ، ولا تملك رفعه ، ولكن بحكمة الزوج ،
ومعرفته بشريعة ربه ، يستطيع التعامل والتكيف مع ذلك العوج ، قال تعالى : "
وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً
كثيراً " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت
منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ـ لا يبغض ـ إن كره منها
خلقا رضي منها آخر " ، قال الشوكاني : " فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن
البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها ، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر
يرضاه منها زوجها " ، فعلى ذلك من أعظم حقوق المرأة على زوجها أن ينبسط معها في
البيت ، فيهش للقائها ، ويستمع إلى حديثها ، ويمازحها ويداعبها تطييباً لقلبها
، وإيناساً لها في وحدتها ، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه ، وقربها من قلبه ،
وربما ظن بعض الجاهلين أنّ مداعبة الزوجة وممازحتها مما يتنافى مع الورع أو
الوقار أو الهيبة التي يجب أن تستشعرها الزوجة نحو زوجها ، ولا ريب أن ذلك خطأ
فاحش ، ودليل على غلظ الطبع ، وقسوة القلب ، وجهل الشريعة ، وقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو العابد الخاشع ، القائد الحاكم ، من أفكه الناس مع
زوجاته ، وأحسنهم خلقاً ، كان يمزح معهن بما يدخل السرور إلى قلوبهن ، ويقص لهن
القصص ، ويستمع إلى قصصهن ، وكان يسابق عائشة رضي الله عنها ، ومن هنا قال عليه
الصلاة والسلام : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله " [ أخرجه
الترمذي وغيره ] ، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم في خطبة الوداع : " واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله "
، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن ، وبيان حقوقهن ، والتحذير من
التقصير في ذلك ، فالله الله بالنساء ، أوصيكم بهن خيراً ، فهن الزوجات ،
والأمهات ، والأخوات ، والبنات ، فاتقوا في النساء ، بارك لي ولكم في القرآن
العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قلي هذا
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان
للأوابين غفوراً .
------------
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر ، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إرغاماً لمن جحد به وكفر ، وإذلالاً لمن
أشرك به وفجر ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر ، الشافع المشفع في
المحشر ، صلوات ربي وسلامه عليه ما اتصلت عين بنظر ، وما سمعت أذن بخبر ، وعلى
آله وأزواجه الميامين الغرر ، وأصحابه خير صحب ومعشر ، وعن التابعين لهم بإحسان
ما بدأ الفجر وأنور . . . أما بعد : فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله تعالى
، فهي المنجية من عذاب النار ، والمؤدية إلى دار الأبرار ، قال تعالى : "
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب " .
أمة الإسلام : ومن حقوق الزوجة على زوجها ، أن يعينها على صلة رحمها ، واتصالها
بأهلها ، وزيارة أقربائها ، ما لم يكن في ذلك حدوث مفاسد ، ووجود مخاطر ،
كإفساد المرأة على زوجها ، ودعوتها إلى التحرر والتفكك من قيود الشريعة ، أو
إثقال كاهل الزوج بكثرة الطلبات والنفقات ، فهنا تُمنع المرأة من الزيارة ، ألا
وإن من حقوق الزوجة على زوجها ، أن يسكنها في سكنٍ خاص بها ، لا يشاركها فيه
أحد ، كي تأخذ حريتها في منزلها ، وراحتها في بيتها ، تنظيفاً وترتيباً ،
وتكميلاً وتكييفاً ، لا سيما إذا كان للزوج أكثر من زوجة ، فالواجب عليه شرعاً
العدل بين زوجاته ، وإسكان كل زوجة في سكن مستقل بها ، هكذا أفتى به جمهور أهل
العلم ، بل ساق بعضهم إجماع العلماء على ذلك ، فاتقوا الله أيها الأزواج في
زوجاتكم ، وإياكم وظلمهن ، فإن الظلم تعد وإجحاف بحق النساء ، وعدوان صريح
يأباه رب الأرض والسماء ، وتعد واضح لحدود الله ، وارتكاب للمناهي والمحرمات ،
ولقد حرم الله الظلم وتوعد أهله بأشد العذاب ، قال الله تعالى في كتابه : " إن
الظالمين لهم عذاب أليم " ، وقال تعالى في الحديث القدسي : " يا عبادي إني حرمت
الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " [ أخرجه مسلم ] ، وقال صلى
الله عليه وسلم : " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " [ أخرجه البخاري
ومسلم واللفظ له ] ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ "
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " [ أخرجه البخاري
ومسلم ] ، فاتقوا الله في النساء ، واحذروا غضب الله وعقابه ، وخذوا وقاية من
ناره وعذابه ، وأعلموا أن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله
عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل
ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة ، فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذ ، شذ في
النار ، عباد الله : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته مسبحة
بقدسه ، وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه ، فقال جل وعلا ، في قرآن يقرا
ويتلى : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه
والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ،
وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً
سخاءً رخاءً ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اجعلنا مجتمعين على الحق غير
متفرقين فيه ، اللهم يسرنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا في الآخرة
والأولى ، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد ، يعز فيه أهل طاعتك ، ويذل فيه أهل
معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، يا حي يا قيوم ، يا ذا
الجلال والإكرام ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار
، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، يا عزيز يا غفار ، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع
العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع
المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، عباد الله : إن
الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر
والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه
على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .