|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا به ، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده نتوكل
عليه ونستعين به ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلوات الله وسلامه عليه
وعلى آله وصحبه . . وبعد :
ففي العديد من جلساتي مع كثير من بعض التجار ، ومن له علاقة ببعضهم ، اتضح
أن هناك خيانة عظيمة يقوم بها كثير من الجزارين ، وحديثنا عنهم في هذه
العجالة ، يقومون بشراء البهائم المريضة والتي تحتضر ، يشترونها بثمن بخس
دراهم معدودة ، فإذا كانت تساوي وهي صحيحة بلا علة ألفاً أو أكثر ، فهي على
فراش الموت تساوي مائتين أو أقل ، فيشترونها ثم يبيعونها على الزبائن ،
الكيلو بثلاثين ريالاً أو أكثر ، وهي مريضة ، بل الأدهى من ذلك والأمر من
يأخذ النافقة _ الميتة _ ثم يقوم ببيعها على الناس ، وهذه من أعظم الخيانات
للمسلمين ، ولا أُعمم ، لكن هذا هو الواقع في سوق الجزارين اليوم ، فهم
يتواصون على الزبائن بالإثم والعدوان ، وكأننا أعداء لهم ، مع أننا
أكرمناهم وأدخلناهم إلى بلادنا ليعيشوا حياة كريمة ، أتوا من بلادهم لأكل
لقمة حلال ، وتوفير مال لأهليهم وذرياتهم ، ولكن وللأسف فهناك فئة كثيرة من
العمالة الوافدة تخون الله ورسوله وتخون الأمة المسلمة ، يغشون ويطففون
ويكذبون ، لأجل المال ، ولا يهمهم من أين حصلوا عليه أمن حلال أم من حرام ،
فالحلال عندهم ما حل في أيديهم ، والحرام ما لم يقدروا عليه ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ
مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ " [ رواه البخاري ] ، وهذا
المال الحرام لا يُستجاب لصاحبه دعاء ، ويعذب عليه في قبره ويوم محشره ،
أيحسبون الله غافلاً عما يعملون ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ النساء 30 ] ، ولقد
توعدهم الله بالعذاب إن هم فعلوا ذلك فأكلوا أموال الناس ظلماً وعدواناً ،
سحتاً وكذباً ، فقال الله تعالى بعد تلك الآية مباشرة : { وَمَن يَفْعَلْ
ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ
عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء30 ] .
ويقول عز وجل : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ
إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة55 ] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ ، لاَ
يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا
أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
} ، وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ
أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ ، يَا رَبِّ ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ،
وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " [ رواه مسلم ] .
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ " [ رواه أحمد
وغيره ] .
ونحن نعتب كل العتب على من يبيع لهم هذه المواشي المريضة أو الميتة يخون
بها أمته ويتعاون بها على الإثم والعدوان ، ويأكل بها مالاً حراماً ، ألا
يتق الله ويخاف سطوته وعقوبته ؟
وكم وددنا من شبابنا أن يقوموا بمثل هذه المهن ، أو على أقل تقدير أن تكون
تلك المحلات لهم حقيقة وهم يشرفون عليها مع وجود العمالة ، لكي يتقوا الله
في إخوانهم المسلمين من بني جلدتهم من أهل بلدهم ، فهي مهن فيها مال كثير ،
وخير وفير ، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا أَكَلَ
أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ،
وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، كَانَ يَأْكُلُ
مِنْ عَمَلِ يَدِهِ " [ رواه البخاري ] .
فهيا شبابنا الكرام تاجروا تجارة صادقة بكل أمانة واقتدار وصدق وإخلاص ،
أنقذوا شعبكم وأمتكم وبلادكم من غش العمالة وخيانتها ، فلم نعرف الجلطات
والسرطان وكثرة الأموات والأمراض المستعصية إلا لما غزت بلادنا العمالة
الوافدة التي لا تعرف لله طريقاً ، لا تعرف إلا أكل المال من أي طرق كان ،
فها هو القتل والسرقة لأجل المال تعج بها مناطقنا ، فهيا معاشر الشباب
اتجروا لتنقذوا بلادكم من الخونة والمرتزقة التي تَبِيِعُ ما لا يُباع ،
وتُسَوِّقُ ما لا يُسَوَّق ، لقد ملئت أسواقنا ببضاعة أعدائنا من اليهود
والنصارى التي تحتوي على مواد مسرطنة ومحرمة شرعاً وعرفاً ودولياً ، يسوقها
أولئك العمال الخونة .
فيا شبابنا . . أما سمعتم مقولة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله
عنه عندما قال : " دلوني على السوق " ، بل كان نبيكم صلى الله عليه وسلم
يرعى الغنم على قراريط لقريش ، وكان يتاجر لخديجة رضي الله عنها ، حتى سمي
الصادق الأمين ، ولم يقل هذا عيب ، وهذا يُضحك الناس مني ، أنت ربما تقول
ذلك في بداية الأمر ، لكن تأمل عندما يفتح الله عليك من الخير بصدقك
وإخلاصك وحرصك على بلدك وإخوانك ، عندما يفتح الله عليك ويرزقك رزقاً
حلالاً داراً ، سوف يرغب فيك كل الناس ، ويحبونك ويجلونك ويقدرونك ، الكل
يسعى لتزويجك والقرب منك ، فهيا إلى السوق .
متى نرى أسواقنا يقودها شبابنا ورجالنا الأفذاذ ، الذين يخافون الله في
أموالهم واهليهم ، ويغارون على دينهم ووطنهم وأهليهم ، إنها أُمنية يتمناها
كل واحد منا ، فنسأل الله أن يحقق لنا ذلك عاجلاً غير آجل .