|
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً
، الحمد لله العلي الوهاب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم
التواب ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأواب ، وعلى آله وأصحابه خير
الأصحاب والأحباب ، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الحساب ، يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الناس
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً
ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " . .
أما بعد :
فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله ، فهي المنجية من عذاب أليم ، والموصلة
لرضوان الرحمن الرحيم ، فالتقوى سيبل الرشاد ، للحاضر والباد ، فاتقوا الله
أيها العباد .
أيها المسلمون : لقد تفضل الله على عباده بنعم لا تحصى ، ومنن لا تستقصى ، فكل
نعمة يراها العبد على نفسه هبة من الله ، قال تعالى : " وما بكم من نعمة فمن
الله " ، واعلموا أن هناك نعماً خص الله بها فئة من الناس وحرمها فئة أخرى ،
ابتلاء منه سبحانه ، وتمحيصاً لعباده ، ليميز الخبيث من الطيب ، قال تعالى : "
ولله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء
الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير " ،
فمن أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام ، نعمة الولد ، ولا سيما الولد
الصالح ، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها ، فكم من الناس من مُنع نعمة
الأبوة والأمومة ، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً ، بكل ما أوتي من جهد ومال
للحصول على الولد الذي فقده ، ولكن قدرة الله تعالى فوق الطاقات والأموال
المهدرات ، لأنه سبحانه عليم قدير ، يختبر العباد ، ويمتن على الإنسان ،
فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
أيها الناس : أولادنا ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، وفلذات أكبادنا ، وأحشاء
أفئدتنا ، وزينة حياتنا ، قال تعالى : " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " ،
الأولاد قرة الأعين ، وبهجة الحياة ، وأنس العيش ، بهم يحلو العمر ، وعليهم
تعلق الآمال ، وببركة تربيتهم يستجلب الرزق ، وتنزل الرحمة ، ويضاعف الأجر ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ
عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ
يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " [ أخرجه مسلم ] ، وقد أحسن
من قال :
إنما أولادنا بيننا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني عن الغمض
وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ
حَقًّا " [ أخرجه مسلم ] ، فاحذروا أيها الناس من التفريط في تربية الأبناء ،
أو التخلي عن المسؤولية تجاههم ، فهذا هو الغدر ، وتلكم هي الخيانة ، وذلكم هو
الغش الموصل إلى النار ، أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديث مَعْقِل
بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ
يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " ، فارعوا
أبناءكم ، وأدوا أماناتكم ، وانصحوا لأولادكم ، فكلٌ مسؤول عن رعيته .
أمة الإسلام : الشباب عماد الأمة ، وعزها المجيد ، ومجدها التليد ، الشباب قوة
الشعوب ، وحصنها الحصين ، ودرعها المتين ، هم سبب الفتوحات ، وأساس الانتصارات
، ومن قرأ التأريخ ، وتصفح كتب السير والمغازي ، لرأى رأي المنصف العاقل الرشيد
، كيف أن الشباب في صدر الإسلام وبعده كانوا لبلاد الكفار فاتحين ، وعن بلاد
الإسلام مناضلين ومنافحين ، تجدهم محاربين ، وتراهم مقاتلين ، تهابهم الأعداء ،
ويحبهم من في السماء ، " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين " ، وأخرج الشيخان في صحيحيهما
من حديث عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا أَنَا
وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ
شِمَالِي ، فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ
أَسْنَانُهُمَا ، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا ،
فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ : هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟
قُلْتُ : نَعَمْ ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ :
أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي
سَوَادَهُ ، حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ ،
فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ
إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ ، قُلْتُ : أَلَا إِنَّ هَذَا
صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا
فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ ، فَقَالَ : " أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ؟
" قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا قَتَلْتُهُ ، فَقَالَ : " هَلْ
مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ؟ " قَالَا : لَا ، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ ،
فَقَالَ : " كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ " ، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ
الجَمُوحِ " ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ
أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ
وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ " [ أخرجه البخاري ] ، وفي
قصة إمامة عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه لقومه حيث قَالَ : قال
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ
، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا " ،
فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي ، فَقَدَّمُونِي
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ " [ أخرجه البخاري
] ، هكذا كان شباب الإسلام ، حماة لأوطانهم ، مدافعين عن أعراضهم ، مقاتلين
لأعدائهم ، متبعين لسنة نبيهم ، متمسكين بدينهم ، شباب تعتمد عليهم أمتهم ،
يرهبهم عدوهم ، ذلكم هو الشباب المسلم الأبي ، وعندما يقلب الحصيف بصره ، وينقل
اللبيب عينه ، لا يجد اليوم إلا شبابأً قد وهنتهم حمى الغرب ، وضربتهم شمس
التقدم الزائف ، وطغت عليهم حضارة الكفر ، فقُذف في قلوبهم الوهن ، فبدأوا
يهرفون بما لا يعرفون ، تراهم سكارى وما هم بسكارى ، " رضوا بأن يكونوا مع
الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون " ، أشباب اليوم هم شباب الأمس ،
إذا أردتم الجواب ، ومعرفة الصواب ، فسلوا المدارس عن طلابها ، والأعمال عن
موظفيها ، سلوا المساجد عن روادها ، سلوا الخرابات عن ساكنيها ، والاستراحات عن
مرتاديها ، فعند جهينة الخبر اليقين .
أيها المسلمون : لقد عجز الغرب الكافر اليوم عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة
السلاح ، لكنه استولى على العقول ، ولا سيما عقول الشباب ، فبُثت القنوات ،
وعُملت المخططات ، وأُنشئت الدراسات ، كل ذلك للإطاحة بشباب الإسلام ، ويا
للأسف فقد تحقق للكفار ما أرادوا ، ونالوا من شبابنا ما ناولوا ، ولكن لم يكن
ليتم ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة ، ومشاركة أولياء جهلة ظلمة ،
تنصلوا عن التربية ، واهتموا بسفاسف الحياة ، فأصبح لدينا جيل تنكر لدينه ،
وخرج من عقيدته ، وتبرأ من أهله وعشيرته ، وتخلى عن عاداته ، وانخلع من تقاليده
، فهانحن نرى قطعاناً من الناشئة ، رائحة إلى مدارسها وغادية ، لا يعرفون
معروفاً ولا ينكرون منكراً ، بل تغيرت أفهامهم ، وانتكست أوضاعهم ، فسدت
طبائعهم ، وقلدوا أعداءهم ، وقد قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ، لَا تَشَبَّهُوا
بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى " [ أخرجه الترمذي ] ، وانظروا إلى الشباب
والشابات عبر الشوارع والطرقات ، تأملوا تلكم الموضات والقصات ، سلاسل وقبعات ،
دخان ومخدرات ، أشكال غريبة ، وهيئات مريبة ، شباب تائهون حائرون ، تنكب
للأرصفة ، وتدمير للمنشآت والأبنية ، سرعة فائقة ، أغان صاخبة ، تصرفات طائشة ،
إزهاق لأرواح الأبرياء ، وإذا حل الليل ، واحلولك الظلام ، أتوا البيوت من
ظهورها ، والسيارات من زجاجها ، والمحلات بعد تكسيرها ، يا سبحان الله ، كأننا
لا أمن ولا أمان ، تصرفات غوغاء ، وأعمال هوجاء ، ونتائج شنعاء ، فأين
المسؤولية والمسؤولين ؟ وأين الأمانة والمؤتمنين ؟ " يا أيها الذين آمنوا لا
تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم
وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم " ، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا
وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى
مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ
وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " [ متفق عليه ] ، وكم من المسؤولين من
فرطوا في مسؤوليتهم ، وأضاعوا أماناتهم ، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم ، "
إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " ، فالتفريط في أمانة رعاية الشباب
والناشئة ، خيانة عظمى ، ومصيبة كبرى ، وحتماً ستحط رحالها بالأمة ، وربما كانت
أحداث التفجيرات ، وما سبقها وتبعها من كوراث وانحرافات ، ومواجع وفاجعات ،
ربما كان سببها الإهمال في تربية الشباب ، وعدم العناية بالناشئة من الفتيان
والفتيات ، لقد انزلق الشباب المسلم في براثن الفضائيات والرذيلة ، وسقطوا في
مستنقعات العار والفضيحة ، ووقعوا في بؤر الإسفاف ، ومراتع الاستخفاف ، وما
تلكم التجمعات الفاشلة حول المحلات التجارية ، وعند أركان البيوت ، والهروب من
المدارس ، والتواجد في الأزقة وأماكن قضاء الحاجة ، والتعرض للمسلمين وأذيتهم ،
إلا دليل على أن هناك خللاً يجب سده ، وخرقاً يجب رقعه ، فلابد من رأب الصدع ،
وترميم جدار التربية ، ألا فاتقوا الله أيها الآباء ، فأنتم عند ربكم موقفون ،
وعن ذريتكم مسؤولون ، قال تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون " ، وقال تعالى : " ثم
لتسألن يومئذ عن النعيم " .
أيها الناس : لقد تفاقم الوضع ، وتعاظم الأمر ، وتطاير الشرر ، عندما تخلى
الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة ، وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة ،
فليست التربية عنف كلها ، ولا رخو جلها ، بل : شدة في غير عنف ، ولين في غير
ضعف ، هكذا هي التربية ، أما أن يعتقد أب ، أو تظن أم ، أن التربية تكبيل
بالسلاسل ، وضرب بالحديد والمناشير ، وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة ، فيخرج لنا
جيل تسيل دماؤه ، وتنتفخ أوداجه ، يخاف من خياله ، ويهرب من ظله ، ويغضب ويثور
لأتفه الأسباب ، فيكن العداء لأمته ، والبغضاء لوطنه ، فليس ذلك بمطلوب ولا
مرغوب ، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأت بمثل هذا العنف
والجبروت ، والهجية والعنجهية ، بل الإسلام دين الرحمة والرأفة ، لاسيما الرحمة
ببني الإنسان ، أخرج أبو داود من حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ
هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ ،
يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ـ يحبسهم في الشمس ـ
فَقَالَ مَا هَذَا ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ
النَّاسَ فِي الدُّنْيَا " ، وقال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ " [ متفق
عليه ] ، فاتقوا الله أيها الآباء في فلذات الأكباد ، ولا يقودنكم الغضب لظلم
أبنائكم والإساءة إليهم ، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم ، فذلكم النقيض وضده ، ولا
يلتقي النقيضان ، وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية ، فانحل أبناؤهم ،
وضاع أولادهم ، فلم ينصاعوا لأوامرهم ، وهذا أمر مشاهد وملموس ، فهؤلاء الشباب
الذين تجاوزوا العشرين من أعمارهم أو أقل ، تراهم في الطرقات ، وفي السيارات ،
ضياع وتيه ، تعرفهم بسيماهم ، قبلتهم الملاعب ، وتجارتهم المثالب ، شرهم أكثر
من خيرهم ، آذوا الجار ، وامتحنوا القريب وبعيد الدار ، إذا سألت عن أخبارهم ،
تنبؤك عنها طواقيهم وقبعاتهم ، غطرسة وعربدة ، أينعت رؤوسهم وحان قطافها ، فأين
عنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لقد فقدت الأمة درته ، وسُلبت هيبته ، فمن
ضعف أمام أبنائه ، فلا يتركهم هملاً وسبهللاً ، بل يخبر عنهم الجهات المختصة
حتى يكفون شرهم عن الناس ، والدولة الرشيدة رعاها الله ، اهتمت بالآباء منذ
نعومة أظفارهم ، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة الشباب الضائع ، وسفهاء
الطبائع ، قال ابن القيم رحمه الله : " من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى
، فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء
وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا
بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم " ، قال القائل :
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر *** كيما تَقَرَّ بهـم عينـاك في الكِبـَرِ
فإنمـا مَثَـل الآداب تـجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر
معاشر المسلمين : إن الغيور ليتساءل : كيف لأب أنيطت به أمانة عظيمة ينام قرير
العين ، يكتحل بالنوم ملء جفنيه ، وأبناؤه خارج منزله ، بل ربما بناته وزوجاته
؟ فقولوا لي بربكم أي أب هذا ؟ وأي تربية تلك ؟ ألا ترون أن ذلك الأب يحتاج إلى
أدب وتربية ، بلى ، ولذا قال الله تعالى : " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض
عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً
وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً " ، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى
، ومن الظلام بعد النور ، فلا بد من رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة
صالحة لدينهم ومجتمعهم ، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم ، فاتقوا الله معشر العباد
، واحفظوا وصية الله لكم في الأولاد ، وتذكروا موقفكم يوم المعاد : " يَوْمَ
لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ " ، فأنتم
مسؤولون عن انحراف الشباب ، ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب ، اللهم
انفعنا بالقرآن العظيم ، وبهدي النبي الكريم ، واجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب
ومعصية ، ومن كل إثم وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
--------------------
الحمد لله الذي خلق البشر ، وأمر بطاعته كما أخبر ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه
إلى الأسود والأحمر ، صلى الله وسلم عليه ما بزغ نجم وظهر ، وعلى آله وأصحابه
الميامين الغرر ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر . . . أما بعد :
فيا أيها الشباب : اتقوا الله وراقبوه ، واخشوه وتوبوا إليه ، فأنتم محاسبون
على أعمالكم ، مؤاخذون بأقوالكم ، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا
ترجعون ، واحفظوا وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم لكم ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " قَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ : مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ
إِلَّا الْمَجْلِسَ ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ
؟ قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الْأَذَى ، وَرَدُّ السَّلَامِ ،
وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " [ متفق عليه
واللفظ لمسلم ] ، وعَنْ عَبْدُاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا ،
فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا
مَعْشَرَ الشَّبَابِ ! مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ
أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " [ متفق عليه ] ، ألا فاعلموا
أيها الشباب أن التفحيط والتنطيط ، وإيذاء الناس والمارة ، والتجمعات الشبابية
، والتحزبات الهمجية ، والحركات اللا منهجية ، لو كانت كل تلك المهازل والمفاسد
رفعة في الدرجات ، وزيادة في الحسنات ، والله لما سبقتم إليها العلماء والعقلاء
والفضلاء والنبلاء ، ولكنها انحطاط في الخلاق ، ونقيصة في الأدب ، وعيب في
التربية ، ومثلبة في الرجولة ، فمن هو العاقل الذي يرضى لنفسه بالسفول وضياع
الأخلاق ، وأن ينظر الناس إليه بعين الازدراء والاستهزاء ، بل ربما أدت تلك
الأخلاق السيئة ، والانحرافات المشينة ، أقول ربما أدت إلى قطع الصلات مع الله
، ومع عباد الله ، فالله الله أيها الشباب بطاعة ربكم ووالديكم ، والاهتمام
بعلمائكم وقادتكم ، والعناية بمقدرات وطنكم ، وتوفير السلامة للمسلمين ،
فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والتزموا هدي الكتاب العزيز ، والسنة
المطهرة ، وعضوا عليهما بالنواجذ ، ففيهما الخير والهدى ، والعفاف والغنى ،
والنور والهدى ، وإياكم ومحدثات الأمور وبدعها ، فكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في
النار ، وصلوا وسلموا على النبي المختار ، سيد الأبرار ، صادق الأخبار ، فقد
أمركم الله بذلك ليل نهار ، فقال الواحد القهار : " إن الله وملائكته يصلون على
النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل على عبدك
ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً ، اللهم أعز الإسلام
والمسلمين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بشر وسوء فاجعل
كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميراً عليه ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح
أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا
أرحم الراحمين ، اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومن العمل ما تحب
وترضى ، اللهم إنا نسألك من الخير كله ، عاجله وآجله ، ونعوذ بك من الشر كله
عاجله وآجله ، اللهم تول أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم اهد شباب
المسلمين من بنات وبنين ، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً ، اللهم جنبهم رفقاء
السوء ، وأصحاب الفساد ، اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، اللهم
اجلعنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يارب العالمين ، اللهم إنا نسألك الجنة
وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ،
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم في العراق وأفغانستان
، وانصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان ، وانصرهم في نيجيريا والسودان ، اللهم
عليك بأعداء الملة والدين ، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك ، اللهم اهلكهم بالقحط
والسنين ، يارب العالمين ، اللهم لا تقم لهم راية ، واجعلهم لمن خلفهم عبرة
وآية ، يا قوي يا عزيز ، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك ، وأيده بتأيدك ، واجعل
عمله في رضاك ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ،
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ،
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر والله يعلم
ما تصنعون .