|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله
الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي
وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
. وبعد :
أحد الأخوة ممن يغسلون الموتى كان بالمسجد الحرام ، وأثناء تواجده قيل أن
هناك رجل ميت ، تأملوا ميت في المسجد الحرام في مكة المكرمة ، يالها من
خاتمة طيبة كل الناس يتمناها ، أن تموت وأنت في ضيافة الرحمن تبارك وتعالى
، تقرأ كلامه أو تسجد بين يديه ، أو تركع له ، أو وأنت تكثر من ذكره
ومناجاته عز وجل ، أو في بيته الحرام ، تموت على خاتمة حسنة .
جاء صاحبنا إلى الميت والناس ينظرون ، وربما هللوا وكبروا فرحاً بهذه
الميتة الحسنة ، بدأ المغسل يبحث في جيوب لباس الميت لعله يعثر على رقم
يتصل بأهله ، فلم يجد شيئاً ، لكنه وجد أمراً عظيماً وكبيراً وخطيراً ، حول
الميتة من حسنة إلى سيئة والعياذ بالله ، عندما فتح أزرار قميصه لينظر هل
هناك شيء يمكن أن يدل على شخصية الميت كانت مفاجأة غريبة لم يتوقعها الناس
في بيت الله الحرام ، لقد وجد صدره محشواً بمحافظ المصلين والمعتمرين ، لقد
كان نشالاً لصاً سارقاً ، وأين ؟ في البيت العتيق الذي قال الله فيه : {
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا
وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ
وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [ آل عمران 96 - 97 ] ، الرجل أفسد في بيت
الله الحرام ، ولم يستجب لأمر الله بالأمن في البيت المحرم ، لم يأمن
المسلمون من يده ونشله ومكره وغدره ، بل عاث فيه فساداً فكانت العقوبة تلكم
الخاتمة التي رآها كثير من المسلمين هناك ، وبما أنه أفسد في أطهر بقعة
كانت الخاتمة جزاءً وفاقاً ، وأمره إلى الله عز وجل ، قال الله تعالى: {
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ
وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج 25 ] .
بيوت الله عز وجل هي المكان المطمئن ، والملاذ الآمن لكل خائف ، والمثوى
لكل نادم وتائب ، هي ضيافة الرحمن لعباده ، ولا يجوز إخافة روادها وأهلها ،
ولا يجوز التعرض لهم ولها بسوء ، ولا هدمها ولا الاعتداء عليها بأي أمر من
الأمور ، لأن ذلك إلحاد فيها ، وظلم لأهلها ، وإرهاب وإرعاب لهم ، مما قد
يكون سبباً لهجرها ، وقد قال الله تعالى في هذا الشأن : { وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى
فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا
خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ } [ البقرة 114 ] .
فكل أمر يدعو الناس إلى هجر بيوت الله فهو ظلم وصاحبه مستحق للعقوبة ، ومن
ذلك أن بعض الشباب هداهم الله يأتون إلى المساجد أثناء الصلاة ويعتدون على
النساء ويأخذون حقائبهن ويسرقون ما معهن من أموال وجوالات وغير ذلك ، ولا
شك أن ذلك كبيرة من الكبائر ، وجريمة عظيمة في بيوت الله الآمنة المطمئنة ،
وأعظم من ذلك من يقتل الناس داخل بيوت الله عز وجل كما تفعل الأنظمة
المجرمة اليوم في بعض البلدان العربية كالشيعة في العراق وإيران ،
والعلويون في سوريا ، والملحدون في ليبيا والكفار الصهاينة والنصارى في
فلسطين وأفغانستان ، والملاحدة في روسيا والصين وغيرها من البلدان ، فأولئك
بإذن الله لهم عذاب أليم كما قدره ربنا تبارك وتعالى .
لقد اتخذت بعض العصابات والشلل الفاسدة بيت الله الحرام مصدراً للرزق
الحرام ، ينشلون ويسرقون ويتسولون ويشحذون وينهبون ، أتوا من بلادهم لهذا
الغرض الدنيء ، لقد حق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : "
إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا
نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى
امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " [ متفق
عليه ] ، من كان يريد الدنيا ومالها وحرامها ، فلن يجد إلا النكد والتعب ،
وسعيه خساراً ، إنها نيات سيئة ، وأعمال قبيحة ، يلقون ربهم بها ، ويحاسبون
عنها ، ولو كانوا يحذرون البعث والجزاء والحساب لما فعلوا ما فعلوا ، فهل
يعي أولئك الناس أنهم قادمون إلى أطهر البقاع على وجه الأرض ، أفيعقل أن
يأتوا للفساد ، وسرقة العباد ، ونشل الناس في البلاد الآمنة المطمئنة ،
ليثيروا الرعب والذعر بين الناس ، بل العجب كيف تجرؤا على جرائمهم في
الحرمين الشريفين ، بمجاورة الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة ، وعند قبر
النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ، جرم وجرأة يندى لها
الجبين ، ولم يسبق لها مثيل ، ولا تليق بمسلمين ولا مؤمنين ، فلابد من
إقامة حدود الله فيهم ، ليكونوا عبرة للمعتبرين .
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك