|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني
الحليم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الكريم ، صلى الله وسلم عليه
وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
التسول والشحاذة أصبحت ظاهرة ومشكلة تواجهها الجهات الأمنية والدينية لما
تجره من فساد في الأرض ، وإيذاء للناس في المساجد والأسواق وعند الإشارات
وغيرها ، لأجل أكل أموال الناس بالباطل .
وأذكِّر كل من تسول له نفسه بسؤال الناس دون الله عز وجل أن فعله هذا حرام
لاسيما إذا سأل الناس وتسول في المساجد ، فالمساجد لم تُبن لهذا الغرض
الدنيء ، وإنما بُنيت لعبادة الله عز وجل ، وقد وجه النبي الكريم الأمة إلى
أمر ربما غفل عنه الكثيرون وهو منع البيع والشراء في المساجد وكذلك منع
نُشدان الضالة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ
يَبْتَاعُ _ يشتري _ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ
تِجَارَتَكَ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا
: لاَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ]
، فمن ضاع له شيء فلا يجوز له أن يسأل المصلين عنه داخل المسجد ، بل يسأل
عنه خارج المسجد ، وهما أمران مهمان _ أقصد البيع والشراء وفقدان الضالة _
فالبيع والشراء مباحان ، والبحث عن المفقود أمر مهم لصاحبه ، لكنها حُرِّمت
داخل المساجد ، لأن المساجد بنيت للصلاة والذكر ، ولم تبن للتسول والشحاذة
، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَمِعَ رَجُلاً
يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لاَ رَدَّهَا اللَّهُ
عَلَيْكَ ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا " [ رواه مسلم ] .
فإذا كان من ينشد ضالته ، ويطلب من يعرف مفقوده ، حرام في المساجد ، فكيف
بمن يشحذ الناس أموالهم ، ويسألهم أشياءهم بغير وجه حق ، لهو أجدر وأحرى أن
يكون حراماً ، وأن يتناوله الناس بكلامهم وتوجيههم له ، ويقولوا له : لا
أربح الله تجارتك ، بل وما يكسبه فهو حرام جمر يأكله في جوفه ، ونار يتلظى
بها ، وياليت شعري لو أن الناس فقهوا ذلك ، لسلمنا من شر الشحاذين
والمتسولين ، ولقضينا على ظاهرة مؤرقة مزمنة ، أو على أقل تقدير نخفف منها
، ونجفف شيئاً من منابعها .
وتأملوا خطاب الله لكم معاشر المسلمين في بيان من هو الفقير والمسكين الذي
يجب علينا البحث عنه وتفقده والتصدق عليه ، إنه الفقير العفيف النظيف الذي
لا يسأل أحداً مع فاقته وحاجته ، لكنه يستحيي أن يطلب أحداً مع شدة عوزه
ومسكنته قال الله تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ
الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا
يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ
اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة 273 ] .
وقوله تعالى : { لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْض } يعني : سفرًا
للتسبب في طلب المعاش ، والضرب في الأرض : هو السفر ؛ قال الله تعالى: {
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ
تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ } [ النساء : 101 ] ، وقوله سبحانه : {
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ } أي : الجاهلُ
بأمْرهم وحالهم يحسبهم أغنياء ، من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم ، وجاء
في هذا المعنى الحديث المتفق على صحته من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَيْسَ
الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ
فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ ، وَالتَّمْرَةُ
وَالتَّمْرَتَانِ " ، قَالُوا : فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : " الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ
فَيُتَصَدَّقَ ، عَلَيْهِ وَلاَ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئاً " [ رواه
البخاري ومسلم ] .
ألا فليستح أولئك الشحاذون والمتسولون ولا يسألون الناس شيئاً وهم في غنى
عما في أيدي الناس ، وإنما يسألون تكثراً وزيادة وهذا حال الأغلب الأعم ،
والسواد الأعظم منهم ، وبعضهم لديه من الأموال في البنوك والعقارات ما
يكفيه وأهله مدى عمره ، فأين الخوف من الله عز وجل ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ
سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّراً ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً ،
فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ " [ رواه مسلم ] .
وقال النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ
بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ
لَحْمٍ " [ رواه مسلم ] .
أيها المتسول اتق الله العظيم في نفسك وفي أهلك وفي مالك ، لا تأكل إلا
حلالاً ولو قل ، وإياك والحرام وإن كثر ، فهو طريق إلى نار جهنم ، تعفف
يعفك الله ، واصبر يصبرك الله ، واقنع بما رزقك الله ، فهو أعلم بحالك منك
، وهو أرحم بك من نفسك ، ولا تسخط على ربك ، وتعترض على قضائه وقدره ، فهو
خير لك وأنت لا تعلم ، وابحث عن عمل يليق بك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك غنى
وجاهاً ، حتى لا تزدري نعمة الله عليك ، كُل حلالاً ، وعِش كفافاً ، فهكذا
كان نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، كان يتلوى من الجوع ، يربط بطنه بالحجر
من شدة الجوع ، مات ولم يشبع من خبز البر صلوات ربي وسلامه عليه ، اقنع بما
أعطاك الله ولو كان قليلاً فالقناعة كنز لا يفنى ، العمل متوفر فابحث وستجد
ما يسد جوعك وحاجتك وعوزك ، والله من وراء القصد .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك