|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن
بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
محور مهم من محاورنا التي نتناولها في هذه الكلمات اليسيرات ، وهو كما عنون
له أعلاه .
فهناك بعض الرجال يستهزأ بالمرأة ، ويسخر منها ، ويقلل من شأنها ، وأنها لا
تنفع لحوار أو استشارة أو رأي ، لأنها ناقصة عقل ودين .
ونحن بصدد الإجابة عن هذه المقولة الخاطئة ، والفهم المغلوط ، لهذه العبادة
، فقد صح الحديث بناقصات العقل والدين ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي
الأَضْحَى أَوِ الْفِطْرِ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى ، ثُمَّ انْصَرَفَ
فَوَعَظَ النَّاسَ ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ : " أَيُّهَا
النَّاسُ تَصَدَّقُوا " ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ
فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ
أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ " ، فَقُلْنَ : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
؟ قَالَ : " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا
رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ ، أَذْهَبَ لِلُبِّ _ عقل _
الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْكُنْ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ " ، فَقُلْنَ لَهُ
: وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِنَا وَدِينِنَا ؟ قَالَ : " أَلَيْسَ شَهَادَةُ
الْمَرْأَةِ مِثْلُ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ ؟ " قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ
: " فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا ، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتِ
الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ " قُلْنَ : بَلَى ، قَالَ : "
فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا " [ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم ] .
فتبين لنا أن نقصان العقل : لأن شهادة الرجل الواحد بشهادة امرأتين ، لأن
المرأة كثيرة النسيان ، ولأنها تحكمها العاطفة أحياناً كثيرة ، وليس ذلك
مثلبة ولا مسبة ولا منقصة للمرأة ، إنما ذلك أمر الله تعالى كما في آية
الدين في قوله : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن
لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى
} [ البقرة 282 ] .
وأما نقصان دينها : فلأنها عندما تأتيها الدورة الشهرية ، فإنها تمكث
الأيام لا تصلي ، ولا تصوم بل تفطر وتقضي الصوم فقط بعد الطهر ، قال ابن
رجب رحمه الله في فتح الباري 2 / 91 : " وقد أجمعت الأمة على أن الحائض لا
تصوم في أيام حيضها ، وأن صومها غير صحيح ولا معتد بهِ ، وأن عليها قضاء
الصوم إذا طهرت " .
والحائض لا تقضي الصلاة بعد الطهر بل تسقط عنها نهائياً رحمة من الله بها
لكثرة الصلوات التي تتركها الحائض أثناء حيضها ، ولا يجوز لزوجها أن
يجامعها في مدة الحيض لأن الله حرم ذلك في كتابه فقال سبحانه وتعالى : {
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء
فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة222 ] ،
ولأن فاعل ذلك مرتكب كبيرة من الكبائر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى حائضاً في فرجها ، أو امرأة
في دُبُرِها ، أو كاهناً ، فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه
وسلم " [ رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي وفي روايتهما : " فصدقه بما يقول
فقد كفر " ، وقال الألباني : صحيح ، انظر آداب الزفاف ( 31 ) ، الإرواء (
2006 ) ، المشكاة ( 551 ) وضعف الحديث جمع من أهل العلم كالبخاري والبزار
وغيرهما والعلم عند الله ] .
وقد حمل إسحاق بن راهويه هذا الحديث على المستحل لذلك ، وقال ابن عابس
والإمام أحمد أنه كفر لا ينقل عن الملة ، فهو كفر دون كفر .
وقيل المراد بالكفر هنا كفران النعمة ، فالله أنعم عليك بزوجة بالحلال فكيف
تستعمل نعمة الله في معصيته ، وعموماً فهذا تشديد ووعيد أكيد من الله وزجر
عن هذا المنكر العظيم .
فمن استهزأ بالمرأة واستهان بعقلها ، وسفه كلامها ، وترك رأيها في كثير من
الأحيان فقد أخطأ ، لأن الإسلام جاء بنوره العظيم ، وعدله القويم ، فأعطى
للمرأة كامل حقوقها بعد أن أتى عليها حين من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً ،
رفع مكانة المرأة ، وأعلى شأنها ، وحفظ كرامتها ، ووهب لها من الميراث ،
والمهر ، فهي مربية الأجيال ، ومعدة الأبطال ، هي الأم والبنت والأخت
والعمة والخالة والجدة ، فلها المكانة العظيمة في قلوب المسلمين ، منهن
الطبيبات والمعلمات والأكادميات والعالمات والمخترعات والذكيات والنابغات
وطالبات العلم الشرعي وغيره ، وهناك من النساء من يرجح عقلها على فئام من
الرجال ، بل هناك من الأزواج من لا يرتقي إلى عقل وفكر ومهارة امرأته ،
وهذا واقع ملموس ، ومشاهد محسوس ، فكيف يأتي من يستهين بالمرأة ولا يقدر
لها قدرها ، هذا سخف من القول ، وزور وباطل من الكلام .
ولقد وجد اليوم من لا يعترف بالمرأة وحقوقها من جهلة المسلمين وعامتهم ،
وهؤلاء ولله الحمد نزر يسير ، لكن يجب أن يُعرَّفوا بأنهم مخطئون ومجحفون
بحق المرأة .
ولقد وجدت حقائق في ظلم المرأة والإجحاف بحقها عند بعض الناس ، فنجد أن
المرأة لا تأكل إلا بعد الرجال في المناسبات ، فتأكل الدفعة الأولى من
الرجال ثم الثانية وربما الثالثة ، وما تبقى هذا إن تبقى شيء يقدم للنساء ،
ألهذا الحد بلغ بنا الإسفاف بالمرأة والاستخفاف ؟ يجب أن تُعَدَّلُ هذه
الصور التي ارتسمت في عقول البعض ، فالمرأة كرمها الله عز وجل ، وأنزل سورة
باسمها في القرآن الكريم _ سورة النساء _ ذكر فيها حقوقاً عظيمة لهن .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك