|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أعطى ومنح ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عفا وصفح
، وتجاوز وسمح ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من بين ووضح ، وأبان وشرح
، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى من تبعه واقتدى به فبلغ الغاية ونجح . . وبعد
:
جولتنا في هذه الخاطرة حول موضوع مهم ، له غايته في الاهتمام ، جدير بالطرح
، وحفي بالشرح لاسيما في هذا الزمان الذي فسد كثير من أهله ، ممن كانت
الدنيا همه ، لا ينام إلا بذكرها ، ولا يستيقظ إلا بهمها ، موضوع قلب
الطاولة رأساً على عقب ، كنا نسمع بعقوق الأبناء والبنات لآبائهم وأمهاتهم
، ولا زال هذا العقوق موجوداً ، لكن أن يكون العقوق من الآباء والأمهات
للأبناء والبنات ، فهذا أمر يبدو مستغرباً بعض الشيء ، لكنه موجود ، نعم .
. هناك من الوالدين من يجنون عقوق أولادهم ، لأسباب كثيرة ومنها :
1- تفضيل بعض الأبناء على بعض :
وهذا أمر منع منه الشرع المطهر ، إذ لا تفضيل بين الأبناء ، قال الله تعالى
: { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } [ النساء11 ] ، وَقَالَ
النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً ،
فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ
عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَال : "
أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا " ، قَالَ : لاَ ، قَالَ : "
فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ " ، قَالَ فَرَجَعَ
فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ [ متفق عليه ] .
هناك من الآباء والأمهات من يفضلون بعض أولادهم على بعض في الحب والعطاء
والرحمة والشفقة ، مع أن غيرهم ممن هم أفضل منهم خلقاً وديناً وفهماً
وعقلاً لا يحصلون على مثل ذلك التفضيل ، مما قد يكون داعياً لبغض الوالدين
وعقوقهما والنفرة منهما لاسيما إذا وُجد من يروج لذلك من الأقرباء والأعداء
، فيا أيها الوالدان الكريمان . . اتقوا الله في أولادكم ، واعدلوا بينهم ،
ولا تفرقوا بينهم .
إنه عقوق من قبل الآباء للأبناء .
2- هضم حقوق بعض الأبناء :
هناك من الأبناء من له حقوق على والديه بل بما على أُسرته برمتها ، كمن
يكون وكيلاً لهم أو قائماً على رزق لهم أو متبرعاً للخير لهم وأمثلة ذلك
كثيرة ، كمن يأتي لهم بالأرزاق والكثير من الأغراض المنزلية ، وربما أثث
لهم منزلهم أو بناه لهم ، ثم تهضم حقوقه ويجير ذلك كله للغير ، فكم من ولد
أو بنت فعل لأهله خيراً كثيراً ، ولا بجد جزاء ذلك إلا هضم الحقوق ، بل
ربما جحدوا حقوقه ، وتنكروا لإحسانه ، والله جل وعلا يقول : { هَلْ جَزَاء
الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } [ الرحمن60 ] ، فيجنون بذلك العقوق
وتفريق الأسرة وتمزيق وحدتها ، كل ذلك بسبب دنيوي دنيء ، فهل يعقل كثير من
الوالدين ذلك ؟ إنه عقوق من قبل الآباء للأبناء .
3- الاستيلاء على مال أحد الأبناء :
هناك من يستولي على أموال أبنائه ويصرفها على بقية إخوانه وربما وهو الأغلب
أنهم ليسوا بحاجة لذلك ، لكنه الظلم والتعسف ، وربما بنى بيتاً وكتبه باسم
الأبناء أو أحدهم أو مشاركة مع صاحب المال ، ولا يخفى على كل عاقل أن ذلك
من أعظم الظلم ، وهناك من الأسر من تستغل طيبة ولدها وحرصه على لم الشمل ،
فيتحكمون في راتبه وكأنه لهم وربما كان متزوجاً فشق على زوجته وأولاده بسبب
ظلم الأب أو الأم ، أيشقى رجل ويجني المال ، ثم يتمتع به إخوانه ، هذا أمر
لا يجوز ، بل هو من التفريق بين الأبناء ، وجالب للعقوق ، إنه عقوق من قبل
الآباء للأبناء .
4- إلحاق الضرر بالبنات :
هناك من الآباء من يستولي على أموال أولاده ، لاسيما البنات الموظفات ،
ويمنعهن من الزواج بحجج مريضة مهيضة ، لأجل أن يأكل رواتبهن ، ولا ريب أن
ذلك من أعظم الظلم والعدوان ، لأنه أكل للمال الحرام ، ولأن فيه ظلم للبنات
، وعضل لهن من الزواج ، وخيانة لأمانة التربية ، بهذا يكسب الأب كراهة
بناته له ، بل حتى كراهة كل من يسمع عنه ذلك ، إنه عقوق من قبل الآباء
للأبناء .
5- التمييز بين الأحفاد :
لقد وجد من الآباء والأمهات من يفرق بين أحفاده ، ويميز بينهم ، لأنه هؤلاء
أولاد فلان أو فلانة ، وغالب ذلك يقع من الأمهات ، فهي تفرق بين أحفادها ،
لأنها لا تحب زوجة ولدها أو تغار منها ، أو لا تحب أبناء بنتها لأنهم أولاد
فلان ، وهي لا تحبه لأنه لا يعطيها من الأموال ، أو لأنه ليس خاتماً في
يدها ، وهكذا دواليك ، فهذا الأمر يسبب عداوة بين الأبناء والبنات تجاه
أمهم ، وتقل بسببه الزيارات واللقاءات ، حتى تصبح وكأنها رسمية ، وكأنهم
غرباء ، وهكذا شيئاً فشيئاً حتى تنقطع العلاقة نهائياً ، كل ذلك بسبب
التمييز بين الأحفاد ، إنه عقوق من قبل الآباء للأبناء .
موضوع مؤرق في هذا الزمان ، فنسأل الله تعالى أن يجنبنا العقوق ، ويلهمنا
أداء الحقوق ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى
الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك