|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل من الأمهات قدوات ، وأشهد أن لا إله إلا اله رب البريات ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، عليه من ربه أفضل السلام
وأزكى الصلوات ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان واقتفى أثره إلى يوم
العرصات . . وبعد :
الأم وما أدراكم ما الأم ، الجنة تحت قدميها ، وباب إلى الجنة بين يديها ،
عقوقها نار ، وجحدها جرف هار ، الأم مربية الأجيال ، ومعدة الأبطال ،
ومخرجة الرجال ، من الأمهات قدوات ، ينبغي لكل أم أن تسعى جاهدة لتصل لتلك
الصفة الحميدة ، والسجية المجيدة ، الأم القدوة ، هذه الأم التي نريدها
اليوم ، ونسعى لوجودها .
الأم القدوة هي التي تسعى جاهدة للم شمل أولادها ، وجمع كلمتهم ، والحفاظ
على وحدتهم ، تسعى بكل غال ونفيس لإبقائهم بين يدها ، ونظر عينيها ، ترعاهم
وترعى أطفالهم ، تحبهم وتحب أبناءهم ، تحترمهم وتقدرهم ، وتعدل بينهم ،
وترعى شؤونهم ، وتعمل على حل مشاكلهم ، تجمع من أموالهم بما لا يضرهم ،
لتزويجهم ، تجمعهم في سكن واحد كبير _ عمارة سكنية _ كل له سكنه الخاص به ،
وحريته التي يتمتع بها دون تدخل من أحد ، سكن يحب أهله بعضهم بعضاً ، الطفل
الواحد طفل للجميع ، والأب أب للجميع ، كيف لا ، وأبوهم واحد وأمهم واحدة ،
أحفاد يفدون جدتهم ، ويبذلون لراحتها كل شيء ، لأنها تعدل بينهم ، وتسعى
لإسعادهم ، وكما قيل : لا أعز من الولد إلا ولد الولد .
الأم القدوة هي التي تعطي كل واحد من أولادها حريته في اختيار زوجته ، ولا
تتدخل في شؤونهم الزوجية ، إلا ما لابد منه لإصلاح ذات البين ، لا للتفريق
بينهم ، الأم القدوة هي التي تعطي كل ذي حق من أبنائها حقه ، هذه الأم قليل
أمثالها اليوم ، لاسيما مع وجود الفضائيات وتهافت الكثير من الأمهات عاكفات
عليها ، يشاهدن المسلسلات ويتقمصن أدوار الممثلات ويرين أنهن مظلومات من
قبل زوجات الأبناء ، وربما الواحدة منهن تخدم أم زوجها وليس ذلك شرط عليها
وإنما هو لطاعة زوجها وحبها لها ، وتقدير لأمه ، فلا يليق بالأم العاقلة أن
تميز بين أبنائها أو أحفادها أو زوجات أولادها ، أو أزواج بناتها بل يجب
عليها العدل والانصاف ، كلما وجد خرق رقعته ، وكلما حديث خلاف أنتهته
بحكمتها وحلمها وحبها وعطفها وحنانها ، لا تسعى أبداً لكراهية زوجات
الأبناء ، ولا أزواج البنات ، بل تعطي كل حصته من الحب والحنان والرأفة ،
تجمع الجميع كل يوم في بيتها لتسعد بهم ويسعدون بها ، تلم شعثهم ، وتجمع
شملهم ، ويكون اجتماعهم كل يوم بعد صلاة العصر أو المغرب وهو الأنسب ،
تجتمع فيه أواصر المحبة والأخوة ويتجاذب فيه الجميع أطراف الحديث وتقوى
الأواصر ، وتزداد المحبة ، وتعظم الأخوة ، هذه هي الأم التي تنشدها
وتتمناها كل أسرة .
ومن قصص جور بعض الأمهات أن إحداهن لديها مفتاح لكل شقة من شقق أبنائها
فتدخل البيت وتأخذ منه ما يحلو لها ، من أواني أو عطور أو غير ذلك مما يخص
زوجة الابن ، وأم أُخرى لا تسمح لأبنائها بالخروج للنزهة أو التسوق أو
الخروج من المنزل إلا وهي معهم ، وأُم ثالثة لا تدع فرصة للمحبة والإخاء
بين ابنها وزوجته ، بل تختلق المشاكل وتشكو دائماً من سوء خلق الزوجة أو
أنها تكلمت عليها وأهانتها ويعلم الابن أنها غير صادقة في دعواها لكنها
الغيرة ، إنها الغيرة التي أكلت القلوب فأشعلت النار في الدور ، ما هكذا
أيتها الأم ، فأنت تملكين قلباً طيباً ، وفكراً واسعاً ، وحلماً ورقة ،
وحكمة في علاج الأمور ، لا أن تزيدي المشاكل ، وتجعلين من الحبة قبة كما
يقولون ، فالله الله بالحرص على سعادة أبنائك وبناتك اتركيهم يعيشون حياتهم
كما يريدون ، وكما يحلو لهم ، لا تكوني حجر عثرة في طريق سعادتهم وهنائهم ،
بل ازرعي في قلوبهم الحب والعطف والحنان على زوجاتهم وأزواجهم تكسبين
قلوبهم ومحبتهم وتقديرهم واحترامهم ، وأعظم من ذلك دعواتهم لك بالخير وحسن
العاقبة ، والدعاء لك بعد الممات .
فهنيئاً لكل من وجد أماً عاقلة تجمع ولا تفرق ، تحب ولا تكره ، تعدل ولا
تجور ، والحمد لله على كل حال .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك