|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين ، والشكر له شكر الحامدين ، وأشهد أن لا إله إلا هو
رب العالمين ، وأشهد أن محمد النبي الأمين ، زاده الله صلاة وسلاماً
وتشريفاً على الثقلين . . وبعد :
دول القرن الأفريقي تعاني الجوع والجفاف ، في هذا المحور المهم من محاورنا
نتناول قضية نسيها كثير من المسلمين ممن أنعم الله عليهم بنعمه الظاهرة
والباطنة ، ممن أسبع عليهم لباس الصحة والعافية ، لأمن والغنى ، والشبع
والرِّوَى ، حتى يدركوا أنهم في نعم لا تعد ولا تحصى ، لا تحد ولا تستقصى ،
لو أفنى العبد حياته لأجل حمدها وشكرها لما استطاع أن يشكر نعمة واحدة منها
، الله عز وجل يغدق على عباده النعم ويجزل لهم الخيرات ، يهب لهم من بركات
السماء ، ويخرج لهم من بركات الأرض ، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى : {
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ
فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل53 ] .
ويا حسرة على من استغل نعمة الله في معصيته ، يعطيه المال ، ثم ينفقه في
الحرام ، ويستخدمه في الحرام ، ينعم الله عليه باليد ثم يستخدمها في الحرام
، ويمنُّ عليه بالرجل ، ثم يمشي بها إلى الحرام ، وهكذا دواليك ، نعم من
الله تترى ، يستغلها كثير من الناس في معصية الله تعالى .
أيها العبد المسكين إذا كنت تتنعم بأصناف الطعام ، وأنواع المشروبات ،
فهناك في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال بتاريخ 4/8/1432هـ هناك
أكثر من 25ألف إنسان في العالم ماتوا جوعاً هذا اليوم ، أفلا تكون عبداً
شكوراً لمن خلقك ورزقك ، وتعرف أن لله حقاً في هذا الطعام الذي بين يديك ،
فلا تسرف فيه ، ولا تلق ما تبقى منه في الزبالة ، بل احفظه في ثلاجتك ، أو
ارفعه وضعه في مكان نظيف للدواب تأكله ، أو أعطه إنساناً فقيراً جائعاً لا
يجد وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة ، الإسراف في الولائم أصبح سمة الناس
اليوم والعياذ بالله ، وهذا نذير هلاك ودمار بسبب البطر والأشر والفخر
والخيلاء ولتنافس المزعوم بين الناس في الحفلات والأعراس ، فاتقوا الله
معاشر المسلمين قبل أن تزول النعم ، يقول ربكم المنعم المتفضل سبحانه : {
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم7 ] .
أيها المسلم . . إذا كنت ممن أعطاه الله الماء وكان بصورة متوفرة وهو عصب
الحياة ، فاحمد الله تعالى واشكره على ذلك ، فهناك حسب تقرير الأمم المتحدة
أكثر من 916 ألف إنسان مات هذا اليوم بسبب أمراض تتعلق بالماء من جفاف وعطش
، وهناك أكثر 862 مليون شخص في العالم لا يستطيعون الحصول على صحي للشرب ،
ويوجد منا من يضع في بيته مسابح تنفق فيها آلاف اللترات من الماء وآلاف
الريالات من المال ، وربما تبقى هذه المياه بدون استعمال ثم يتم تفريغها
لتذهب هباءً منثوراً ، أفلا يخاف أولئك الناس من غضب الجبار سبحانه ، ألا
يخافون من عاقبة هذا الإسراف ؟ الناس تموت من العطش ، وهم يسرفون في المياه
، سبحان الله ما أحلمه على عباده .
إذا أنعم الله عليك بالصحة والعافية في بدينك ، فاحمد الله تعالى على ذلك ،
وأكثر من شكره ، وابك بين يديه أن وهبك ذلك وأنت غافل لا تستطيع أن تقف لها
شاكراً أو حامداً ، واعلم أن هناك أكثر من 6 ملايين شخص هذا العام في
العالم يموتون بسبب الأمراض المعدية ، فاستغل صحتك في طاعة ربك عز وجل ،
فأيم الله لم يخلقك إلا لذلك ، حيث يقول سبحانه : { وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات56 ] ، استغل نعمة
الصحة والعافية فيما يقربك إلى تعالى ، ويرفعك عنده درجات ، ويزيدك حسنات ،
ويحط عن من السيئات ، استغل عمرك اليوم قبل أن تفاجأ بمرض عضال ، يقهر قوتك
، ويعجزك عن العمل الصالح ، فتندم حين لا ينفع الندم ، إن كنت ممن يتابع
الأخبار عبر أي وسيلة إعلامية أو كنت ممن يصلي على الجنائز كل يوم ، فانظر
إلى القتلى والأموات كل يوم بل كل ساعة ، واحمد الله أن استبقاك وأخذ غيرك
، وغداً سوف يأخذك ويترك غيرك ، فاستعد للقاء الله بالعمل الصالح ، واعمل
بوصية الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ
خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ،
وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ
قَبْلَ مَوْتِكَ " [ رواه البيهقي والحاكم وصححه على شرط الشيخين ، وصححه
الألباني في صحيح الجامع برقم 1077 ] ، وفي الصحيح من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ
رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : "
نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ
وَالْفَرَاغُ " [ رواه البخاري ] .
يا من أنعم الله عليك بالصحة والعافية ، وعافاك من كثير من بلايا الناس
اليوم كالمخدرات والخمور والدخان وما تجره من كبائر وجرام كالزنا واللواط
والشذوذ الجنسي عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك ، والتي تؤدي بأصحابها
إلى نهاية مؤلمة ، وخاتمة سيئة ، فمنهم من ينتحر ، ومنهم من يموت بالسرطان
، ومنهم من يختل عقله ، ومنهم من يهلك بسبب العلاقات المحرمة كأمراض الإيدز
والسيلان وغيرهما ، فإذا عافاك الله من ذلك كله ، فاستعن به سبحانه على
حمده وشكره ، ولا يزال لسانك رطباً من ذلك ، واعلم أنه في العالم هذا العام
مات أكثر من 800 ألف شخص بسبب مرض الإيدز ، وأكثر من 4 ملايين شخص بسبب
السرطان ، وأكثر من نصف مليون بسبب الملاريا ، وأكثر من 2 مليون ونصف شخص
بسبب التدخين ، وأكثر من نصف مليون شخص بالانتحار ، ومات حوالي 700 ألف شخص
بسبب الحوادث البرية ، بسبب تجاوز أنظمة المرور وبما قدره الله على أصحابها
، فاحرص أيها المسلم ، وأيتها المسلمة أن تكونوا من الناجين من تلك
النهايات الخطيرة الحال ، العظيمة المآل ، وكونوا من الشاكرين الحامدين ،
فبالشكر تدوم النعم ، وبالجحود تحل النقم ، فلا تكفر نعمة الله عليك ولا
تزدريها ، بل كن من الشاكرين الحامدين ، و: { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ
إِلَّا الْإِحْسَانُ } [ الرحمن60 ] .
وإياك أن تكون من قوم الشيطان وأتباعه ، فهو يدعوهم إلى كفر النعمة وعدم
شكرها ، وقد توعدهم بذلك ، فلا تكن من حزبه وأهله ، قال الشيطان لبني آدم
كما في قوله تعالى : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ
أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعراف17 ] ، ويقول سبحان للجاحدين والكافرين
والناكرين لنعمه : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا
وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } [ النحل83 ] .
فإن قال الشيطان ذلك ، فاخذل عدو الله وكن من الشاكرين .
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل ، ودرة التأويل : { وَضَرَبَ
اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ
فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ
يَصْنَعُونَ } [ النحل112 ] .
اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابليها ، اللهم منَّ علينا
باستعمال نعمك فيما يرضيك عنا ، يارب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا
محمد .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك