|
بسم الله الرحمن الرحيم
نقف في هذه الخاطرة مع معية الله للعبد إذا حفظ الله في أمره ونهيه .
قال صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله تجده تجاهك " ، وفي رواية : " أمامك
" . معناه : أنَّ مَنْ حَفِظَ حُدودَ الله ، وراعى حقوقه ، وجد الله معه في
كُلِّ أحواله حيث توجَّه يَحُوطُهُ وينصرهُ ويحفَظه ويوفِّقُه ويُسدده فـ {
إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [
النحل 128 ] ، قال قتادة : من يتق الله يكن معه ، ومن يكن الله معه ، فمعه
الفئة التي لا تُغلب ، والحارس الذي لا ينام ، والهادي الذي لا يضل .
كتبَ بعضُ السَّلف إلى أخٍ له : أمَّا بعد ، فإنْ كان الله معك فمن تخاف ؟
وإنْ كان عليك فمن ترجو ؟
وهذه المعيةُ الخاصة هي المذكورةُ في قوله تعالى لموسى وهارون : { لا
تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [ طه 46 ] ، وقول موسى : {
إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء 62 ] . وفي قول النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار : " ما ظَنُّكَ باثنين الله ثالثهما
؟ لا تحزن إنَّ الله معنا " ] متفق عليه ] .
فهذه المعيةُ الخاصةُ تقتضي النَّصر والتَّأييدَ ، والحفظ والإعانة بخلاف
المعية العامة المذكورة في قوله تعالى : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى
ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ
وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا
كَانُوا } [ المجادلة 7 ] ، وقوله : { وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ
وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } [
النساء 108 ] ، فإنَّ هذه المعية تقتضي علمَه واطِّلاعه ومراقبته لأعمالهم
، فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه ، والمعية الأولى تقتضي حفظ العبد
وحياطَتَه ونصرَه ، فمن حفظ الله ، وراعى حقوقه ، وجده أمامَه وتُجاهه على
كُلِّ حالٍ ، فاستأنس به ، واستغنى به عن خلقه ، ورُويَ عن بُنان الحمَّال
: أنَّه دخل البريَّةَ وحدَه على طريق تبوك ، فاستوحش ، فهتف به هاتف :
لِمَ تستوحش ؟ أليس حبيبُك معك ؟ .
وقال موسى عليه السلام : " يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ، قال
: يا موسى أنا جليس من ذكرني " .
وقيل لآخر : نراكَ وحدكَ ؟ فقال : من يكن الله معه ، كيف يكونُ وحده ؟ ،
وقيل لآخر : أما مَعَكَ مؤنسٌ ؟ قال : بلى ، قيل له : أين هو ؟ قال : أمامي
، وخلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، وفوقي .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك