|
بسم الله الرحمن الرحيم
نقف في هذه الخاطرة مع قضية مهمة أشار إليها الشرع المطهر ، يجب أن يتبنه
لها الناس ، ألا وهي الرحمة بالحيوان عند إرادة ذبحه .
الإسلام دين رحمة شاملة ، فالله جل وعلا رحيم بعباده من أنفسهم ، ومن
أمهاتهم بهم ، فهو رحيم بخلقه ، من إنسان وحيوان وكل ذي روح .
وهذه بعض الأدلة التي تدل على حث الإسلام على الإحسان بالحيوان ، وقتله
بالطرق الشرعية ، بل وحتى السرعة في إزهاق روحه ، حتى لا يتألم ولا يتعذب ،
وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بخلقه ، فهو الرحيم المحسن المتفضل على خلقه
بشتى النعم .
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا
ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ
، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " [ أخرجه مسلم ، وأخرجه الترمذي وقَالَ : هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وأخرجه النسائي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وأحمد
] .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَجُرُّ شَاةً
بِأُذُنِهَا ، فَقَالَ : " دَعْ أُذُنَهَا وَخُذْ بِسَالِفَتِهَا " [ أخرجه
ابن ماجة ] .
في هذين الحديثين تتجلى رحمة الإسلام بالحيوان ، وكيف راعى حقوقه قبل ذبحه
، وأثناء الذبح ، بل حث على الإحسان إلى الذبيحة حال ذبحها ، وذلك بأن لا
يذبح بآلة كالة أو غير حادة ، فيعذب الحيوان ، وإنما يجب أن تكون الآلة
حادة سريعة الذبح وإزهاق الروح ، لأن في ذلك راحة للذبيحة ، وسرعة لقتلها
دون عناء ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِّ الشِّفَارِ ،
وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ ، وإِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ
فَلْيُجْهِزْ " [ أخرجه ابن ماجة ، وأحمد ] .
ومن الإحسان الذي دعا إليه الشرع المطهر في حق البهيمة ، أن لا يذبح حيوان
أو طير وأليفه يراه ، فإنها تشعر بذلك فترتاع نفسه ، فيحصل لها عذاب نفسي ،
وألم قلبي .
قال النووي رحمه الله : " يستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة ، وأن لا
يذبح واحدة بحضور الأخرى " .
ومن الإحسان إلى الحيوان بعد ذبحه ، أن لا يكسر عنقه ، أو يسلخه ، أو يقطع
منه عضواً ، أو ينتف منه ريشاً ، حتى تزهق روح الحيوان أو الطير ، وتخرج
الروح من جميع أجزائه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا تعجلوا الأنفس
قبل أن تُزهق " [ أخرجه الدارقطني ] .
تنبيه :
إذا عرفنا وجوب الإحسان إلى الحيوان حال ذبحه ، بل وحتى بعد ذبحه ، وحرمة
تعذيب الحيوان نفسياً وبدنياً ، علمنا خطأ ما يفعله كثير من الجزارين في
المسالخ ، وذلك فيما يفعلونه من ذبح البهيمة والأخرى تراها وتنظر إليها ،
وكذلك السرعة الفائقة في كسر عنقها قبل أن تخرج الروح كلياً من جسدها ،
وسلخ جلدها قبل أن تزهق روحها ، وربما قام الجزار بتقطيعها قبل خروج روحها
تماماً ، فهذه أخطاء فادحة يقع فيها الجزارون في المسالخ ، والتي يجب أن
ينبهوا عليها ، وكثرة الزحام لا تبيح لهم فعل المحظور والممنوع شرعاً أبداً
.
وأيضاً من مخالفة الشريعة في الذبح ، ما يفعله بعض الناس من جزارين وغيرهم
عند إرادة الذبح من رفع البهيمة إلى أعلى ورميها على الأرض حتى تدوخ ويسهل
ذبحها بعد ذلك ، وربما استخدم بعض الناس القسوة مع البهيمة عند الذبح ، فهي
تتألم كما يتألمون ، وتشعر كما يشعرون .
فيجب أن يُعلم أن ذلك مخالف لسماحة الإسلام ورحمته التي أمر بها ، وحث
عليها ، بل ذلك من فعل الكفرة كما سبق وبيناه ، وكما سيأتي بيانه بإذن الله
.
فعلى الجميع تقع مسؤولية تعليم الجاهل من الناس بصفة الذبح الشرعية ، ورحمة
الحيوان حال ذبحه .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك