|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
. وبعد :
أيها المسلمون : من أعظم النعم على الإنسان بعد نعمة الإسلام ، نعمة الولد
، ولاسيما الولد الصالح ، نعمة الولد لا يعرف قدرها إلا من حُرمها ، فكم من
الناس من مُنع نعمة الأبوة والأمومة ، فتراه يسعى جاهداً ليلاً ونهاراً ،
بكل ما أوتي من جهد ومال وصحة للحصول على الولد الذي فقده ، ولكن قدرة الله
تعالى فوق كل الطاقات والأموال المهدرات ، لأنه سبحانه عليم قدير ، يختبر
العباد ، ويمتن على الإنسان ، حتى يتبين الصادق الصابر من الجاحد الفاجر ،
ليرى كل منزلته ، فالصبر منزلة عليا ، ورتبة كبرى ، ومنة عظمى ، لا يصلها
إلا من وفق لها ، " اصبر وما صبرك إلا بالله " ، " إنما يوفى الصابرون
أجرهم بغير حساب " ، " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " وقال رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَنْ يَتَصَبَّرْ
يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ
مِنَ الصَّبْرِ " [ أخرجه البخاري ] وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ
كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ
أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ
ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " [ أخرجه مسلم ] .
إخوة الإيمان : لقد عجز الغرب الكافر اليوم عن إبعاد المسلمين عن دينهم
بقوة السلاح ، لكنه استولى على العقول ، ولاسيما عقول الشباب ، فبُثت
القنوات ، وعُملت المخططات ، وأُنشئت الدراسات ، كل ذلك للإطاحة بشباب
الإسلام ، وقد تحقق للكفار ما أرادوا ، ونالوا من شبابنا ما نالوا ، ولكن
لم يكن ليتم ذلك إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة ، ومشاركة أولياء جهلة
ظلمة ، فأصبح لدينا جيل تنكر لدينه ، وخرج من عقيدته ، وتبرأ من أهله
وعشيرته ، وتخلى عن عاداته ، وانخلع من تقاليده ، فها نحن نرى قطعاناً من
الناشئة ، رائحة إلى مدارسها وعائدة ، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً
، بل تغيرت أفهامهم ، وانتكست أوضاعهم ، وفسدت طباعهم ، فربما أمروا
بالمنكر ، ونهوا عن المعروف ، والله تعالى يقول : " المنافقون والمنافقات
بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله
فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار
نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم " ، وقال رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ
تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى
" [ أخرجه الترمذي ] ، وانظروا إلى الشباب والشابات عبر الشوارع والطرقات ،
تأملوا تلكم الموضات والقصات ، سلاسل وقبعات ، دخان ومخدرات ، أشكال غريبة
، وهيئات مريبة ، شباب تائهون حائرون ، تنكب للأرصفة ، وتدمير للمنشآت
والأبنية ، سرعة فائقة ، أغان صاخبة ، تصرفات طائشة ، إزهاق لأرواح
الأبرياء ، وإذا حل الليل ، واحلولك الظلام ، أتوا البيوت من ظهورها ،
والسيارات من زجاجها ، والمحلات بعد تكسيرها ، وكأننا لا أمن ولا أمان ،
تصرفات غوغاء ، وأعمال هوجاء ، ونتائج شنعاء ، فأين المسؤولية والمسؤولين ؟
وأين الأمانة والمؤتمنين ؟ " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول
وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن
الله عنده أجر عظيم " ، وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه
عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: " أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ،
فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا
وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى
مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ
وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " [ متفق عليه ] ، وكم من
المسؤولين من فرطوا في مسؤولياتهم ، وأضاعوا أماناتهم ، وأهملوا أولادهم
ومن تحت ولايتهم ، " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين
أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " ، فالتفريط
في أمانة رعاية الشباب والناشئة ، خيانة عظمى ، ومصيبة كبرى ، وحتماً ستحط
رحالها بالأمة ، وربما كانت أحداث التفجيرات ، وما سبقها وتبعها من كوراث
وانحرافات ، سببها الإهمال في تربية الشباب ، وعدم العناية بالناشئة من
الفتيان والفتيات ، لقد انزلق الشباب المسلم في براثن الفضائيات والرذيلة ،
وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة ، وما تلكم التجمعات الفاشلة حول
المحلات التجارية ، وعند أركان البيوت ، والهروب من المدارس ، والتواجد في
الأزقة وأماكن قضاء الحاجة ، والتعرض للمسلمين وأذيتهم ، إلا دليل على أن
هناك خللاً يجب سده ، وخرقاً يجب رقعه ، فلابد من رأب الصدع ، ألا فاتقوا
الله أيها الآباء ، فأنتم عند ربكم موقفون ، وعن ذريتكم مسؤولون ، قال
تعالى : " وقفوهم إنهم مسؤولون " ، وقال تعالى : " ثم لتسألن يومئذ عن
النعيم " .
عباد الله : إن الشباب عماد الأمة ، وقوامها الذي تقوم به ، ومجدها الذي
تعتز به ، ودرعها الذي يقف سداً منيعاً لها من أعدائها ، ولكن هل الشباب
اليوم ، هم أولئك الشباب الذين تترقبهم أمتهم ، أهم أولئك الشباب الذين
يحذرهم أعداؤهم ، إن شبابنا اليوم ، شباب بطن وفرج ، شباب شهوة وسياحة ،
سياحة لمعاقرة الخمور والمخدرات ، وفعل الفاحشة بالعاهرات ، والنبي صلى
الله عليه وسلم يقول : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " [ رواه
الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ] ، شبابنا اليوم إذا
طلبتهم ، وجدتهم على الأرصفة مجتمعين ، وحول الدشوش متحلقين ، شباب الإسلام
اليوم ، شباب لهو وغفلة ، شباب رقص وغناء ، وتقليد للكفار والرعناء ، فآه
ثم آه لشباب الإسلام ، أهؤلاء الشباب هم الذين سيحررون مقدسات المسلمين ؟
أهؤلاء الشباب هم الذين سيثأرون من اليهود الغاصبين ، والنصارى الحاقدين ،
والعلمانيين المنافقين ؟ أشباب اليوم هم أحفاد عمر بن الخطاب ، وعمرو بن
العاص ، وخالد بن الوليد ، وصلاح الدين ؟ إذا كانت الأمة اليوم عاجزة عن
إنجاب مثل أولئك الأبطال المجاهدين والمحررين الفاتحين ، فلنقم على أنفسنا
مأتماً وعويلاً ، وصراخاً ونحيباً .
أمة الإسلام : ديننا لا يعرف العنف ولا الجبروت ، الإسلام دين الرحمة
والرأفة ، وخصوصاً بني الإنسان ، أخرج أبو داود من حديث عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، وَجَدَ رَجُلًا
وَهُوَ عَلَى حِمْصَ ، يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ فِي أَدَاءِ
الْجِزْيَةِ ـ يحبسهم في الشمس ـ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ
يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا " ، فاتقوا الله
أيها الآباء في فلذات الأكباد ، ولا يقودنكم الغضب لظلم أبنائكم والإساءة
إليهم ، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم ، فذلكم النقيض وضده ، ولا يلتقي
النقيضان ، وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية ، فانحل أبناؤهم ، وضاع
أولادهم ، ولم ينصاعوا لأوامرهم ، وهذا أمر مشاهد وملموس ، فهؤلاء الشباب
الذين تجاوزوا العشرين من أعمارهم أو أقل ، تراهم في الطرقات ، وفي
السيارات ، ضياع وتيه ، تعرفهم بسيماهم ، قبلتهم الملاعب ، وتجارتهم
المثالب ، شرهم أكثر من خيرهم ، آذوا الجار ، وامتحنوا القريب وبعيد الدار
، إذا سألت عن أخبارهم ، تنبؤك عنها طواقيهم وقبعاتهم ، وحركاتهم وكلماتهم
، غطرسة وعربدة ، فمن ضعف أمام أبنائه ، فلا يتركهم هملاً ، بل يخبر عنهم
الجهات المختصة حتى يكفون شرهم عن الناس ، والدولة الرشيدة رعاها الله ،
اهتمت بالآباء منذ نعومة أظفارهم ، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة
الشباب الضائع ، وسفهاء الطبائع ، قال ابن القيم رحمه الله : " من أهمل
تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى ، فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر
الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض
الدين وسننه ، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم " ،
قال القائل :
عَوِّد بنيك على الآداب في الصِّغَر كيما تَقَرَّ بهـم عينـاك في الكِبـَرِ
فإنمـا مَثَـل الآداب تـجمعها في عنفوان الصبا كالنقش في الحَجَر
أيها المسلمون : العنف والقسوة تنشئ لنا جيلاً لا يستطيع مواجهة الصعاب ،
ولا تحمل الصلاب ، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ ـ الظلوم الذي لا يرحم ـ فَإِيَّاكَ
أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ " [ أخرجه مسلم ] ، وفي نفس الطريق والمجرى ، يسير
التخلي عن المسؤولية ورفع يد الولاية عن الشباب والناشئة ، فتعاني الأمة من
ويلات الشباب ، فاعتبروا يا أولي الألباب ، وأي شعب طغى شبابه ، وضاع في
مفترق الطرق ، وسقط في الشهوات والشبهات ، فقل عليه السلام ، فقد تودع منه
، فلا بد من رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم
، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم ، فاتقوا الله معشر العباد ، واحفظوا وصية
الله لكم في الأولاد ، وتذكروا موقفكم يوم المعاد : " يَوْمَ لاَ يُغْنِى
مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ " ، فأنتم مسؤولون عن
انحراف الشباب ، ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب ، اللهم انفعنا
بالقرآن العظيم ، وبهدي النبي الكريم ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون
أحسنه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب
ومعصية ، ومن كل إثم وخطيئة ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
.
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك