|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله واهب النعم ، دافع النقم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له المنعم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أول معلم ، صلوات ربي وسلامه
عليه وعلى آله وأصحابه الذين تسنموا القمم ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين . . أما بعد :
فإن نعم الله على خلقه ليس لها حد ، ولا يُستطاع لها عد ، نعم كثيرة تترى ،
لا تحصى ، ولا تستقصى ، قال ربنا تبارك وتعالى : { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ
مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ
الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم34 ] .
ومن أجلِّ النعم التي بين أيدينا نعمة [ السيارة ] ، فقد قربت البعيد ،
واقتصرت المسافات ، واختصرت الجهد والأوقات ، فيالها من نعمة عظيمة ، ومنة
كريمة ، من الله تبارك وتعالى ، امتن بها على عباده .
وهذه النعمة لها ضوابط مرورية يجب على قائدها أن يلتزم بها ، حتى لا يتعرض
للخطر ، أو يعرض غيره للضرر ، وبما أن الكثير من الناس لاسيما سفهاء الشباب
لا يرعون لهذه الأنظمة رعياتها ، ولا يكترثون بها ، فقد حصلت نكبات وكوارث
، أُزهقت فيها أنفس ، وحدثت عاهات وأمراض مزمنة ، وأنفقت مئات الملايين من
الريالات بسبب تلك المخالفات المرورية ، فجزى الله الدولة المباركة خير
الجزاء حيث سنت نظام [ ساهر ] والذي بسببه انخفضت نسبة الحوادث المرورية
بنسبة كبيرة وصلت إلى أكثر من 40% ، فكثير من الناس لا يجدي معه إلا لغة
الحزم والشدة ، كما قال عثمان رضي الله عنه : " إن الله ليزع بالسلطان ما
لا يزع بالقرآن " .
وإذا كان الحديث عن لغة المال والمخالفات ، فيقصر كثير من الناس عن التهور
والسرعة الجنونية وقطع الإشارات وغيرها من المخالفات المميتة .
السيارة نعمة من نعم الله علينا والتي لو بقينا عمرنا كله نحاول شكرها
وحمدها لما استطعنا ذلك .
الله جل وعلى خلق لنا بهائم لأغراضنا ، فقال سبحانه وتعالى : { وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ } [ النحل8 ] .
ومما لا نعلم خلقه من قبل ، خلق السيارة والطائرة والباخرة وغيرها من وسائل
النقل الحديثة ، وربما سأل سائل فقال : الله خلق الإنسان والملائكة والجن
والنبات وغيرها من المخلوقات وهذا أمر نعلمه جميعاً فكيف خلق السيارة ؟
والجواب على ذلك سهل يسير ، وهو في كتاب الله تعالى حيث يقول سبحانه : {
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات96 ] .
من الناس من استخدم هذه النعمة في معصية الله تعالى ، فيركب فيها من لا
يجوز له إركابه فيها من النساء ، ومنهم من يشرب فيها المحرمات ، ومنهم من
يشغل فيها الحرام كالأغاني ومشاهدة الحرام ، ومنهم من يستخدمها لترويج
وتهريب المخدرات ، ومنهم من يؤذي المسلمين ويهدد أمنهم واستقرارهم ويرعبهم
بمسيرات غوغائية هوجاء إثر فوز فريق أو منتخب أو مناسبة وطنية ما أنزل الله
بها من سلطان ، فيشيعون الفساد والجريمة والرعب بين الناس ، بل ربما مات
مريض لم يستطع وليه أن يوصله للمستشفى بسبب سد الطرقات والشوارع ، ومنهم من
يقود سيارته بسرعة فائقة يخالف فيها قوانين أولياء الأمور ممثلة في أنظمة
المرور ، وهكذا دواليك من المعاصي التي تستخدم فيها هذه النعمة ، وقد قال
الله تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ النساء14 ]
.
الله عز وجل يقول : { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي
جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ
وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [ النساء5 ] .
نعم من الشباب من هو سفيه قاصر التفكير ضعيف العقل ، لا يحسب لخطورة
السيارة حساباً ، فيفحط بها ويتجاوز تجاوزاً خطيراً ربما أودى بحياته أو
حياة الأبرياء بسبب سفهه وطيشه وغيه ، فمثل هذا يحجر عليه ، ويمنع من قيادة
السيارة لعدم مبالاته ، فهذا العضو خطر على نفسه وعلى المجتمع .
لكن بفضل الله تعالى ثم بفضل قوانين الأنظمة المرورية الحديثة كنظام ساهر
سوف يُقضى على كثير من الحوادث كما هي الإحصاءات الأخيرة ، فالسيارة كما عي
نعمة فربما كانت نقمة وذلك إذا أُسيء استخدامها ، فربما كانت أداة قتل
وتدمير وتفجير ، والله عز وجل نهى عن ذلك كله فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ
إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ النساء29 ] ، ولقد
توعد الله من ذلك فقتل نفسه بأي شيء بأنه يعذب في النار والعياذ بالله فقال
سبحانه وتعالى : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ
نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء30 ] .
وقال تعالى : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ } [ البقرة195 ] .
وفي مقارنة عجيبة ، ومفارقة غريبة ، نجد أن الموتى الفلسطينيين في الحرب مع
إسرائيل في الثلاث سنوات الأخيرة لا يتجاوز خمسة آلاف ، بينما القتلى عندما
بسبب الحوادث المرورية يفوق ذلك العدد ، أولئك يقاتلون في سبيل الله ،
وهؤلاء يموتون بسبب مخالفة ولي الأمر ، ومخالفة أنظمة المرور ، فربما مات
أحدهم وهو قاتل لنفسه وللآخرين ، فتنبهوا أيها المسلمون .
السرعة أودت بحياة الأبرياء ، فخلفت الأيتام والأرامل والمرضى والعاهات
المستديمة ، فهل من عاقل يعي خطورة السيارة إذا أُسيء استخدمها ، وهل يعقل
الآباء خطورة ذلك الأمر ولا يسلمون السيارة إلا للعقلاء من أبنائهم ؟
آمل ذلك . . وأتمنى أن يحرص الآباء على أبنائهم وأن يحوطوهم برعاية واهتمام
ومراقبة أثناء قيادتهم ، وتحذيرهم من أصدقاء السوء الذين يدعونهم إلى
هلاكهم وهلاك الآخرين .
الشباب عماد الأمة فحافظوا على أنفسكم معاشر الشباب ، فالأمة بحاجتكم ، فلا
تبيعوا أنفسكم للهوى والطيش والشيطان ، بل اربعوا على أنفسكم وعلى رسلكم
كونوا قدوة صالحة لإخوانكم وزملائكم وأبناء مجتمعكم .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك