|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، أحمده وأشكره على فضله المبين ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين ، وأشهد أن نبينا وقدوتنا محمدًا
عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك
محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . .
أما بعد : فاتَّقوا الله وعظموا أمره ، واحذروه واجتنبوا نهيه ، واعلموا أنكم
تعيشون لآجال محدودة ، وأنفاس معدودة ، وكأنكم بالأجل وقد انقضى ، والعمر وقد
انطوى ، فيا بشرى القائمين بالواجبات ، ويا حسرة المتبعين للأهواء والشهوات ، {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } .
أيها المسلمون : إن شريعتنا الغراء ، في بديع غاياتها ، وعظيم مآلاتها ، تدعوا
إلى إصلاح الأمة وائتلافها ، وتقاربها وتوافقها ، وتحذر من تفككها واختلافها ،
وتباعدها وتفرقها ، شريعة التكافل والرحمة ، والعطف والأخوة ، كيف لا والله
يقول : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ، وجاءت أقوال الحبيب صلى الله
عليه وسلم متضافرة في سنته حيث يقول : " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ
يَظْلِمُهُ ، ولاَ يَخُونُهُ ، وَلاَ يَكْذِبُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ " [ رواه
البخاري ومسلم وغيرهما ] ، وعند الترمذي وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ : "
فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّ مِنْ
نَفْسِهِ " ، فيا الله ! أين نحن عن هذه التعاليم الربانية الكريمة ،
والتوجيهات النبوية العظيمة ؟ هل من الإسلام أن تُرفع الأسعار ، من قبل بعض
التجار ، لا لسبب مقنع ، إلا الجشع والطمع ، إنها خلة ذميمة ، وخصلة وخيمة ،
نكراء تقوِّض الأموال والحضارات ، شنعاء تفني المقدرات والأمنيات ، وتهلك
الأنفس والمجتمعات ، وصاحبها لا يزال مذموماً ، وبأقبح النعوت موسوماً ، قال
صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الفُجَّارُ " ، قَالَ رَجُلٌ :
يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَمْ يُحِلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ؟ قَالَ : " إِنَّهُمْ
يَقُولُونَ فَيَكْذِبُونَ ، وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ " [ رواه أحمد ] ، إن
جريرة الأنانية والطمع ، وجريمة الحرص والترف والجشع ، من أقبح ما يتصف به
العبد ، ويالله كم في النفوس عليها وعلى أصحابها من حسرة وكمد والتياع ! فهلا
يدرك أولئكم التجار ، فقد روي مرفوعاً : " بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ
يَقُودُهُ " [ رواه الترمذي ] .
عباد الله : عليكم بتولي زمام الأسعار ، وإرغام التجار ، وذلكم يا رعاكم الله ،
باتباعكم لوصية خليفة الأمة الملهم ، صادق الظن المُفَهَّم ، الذي قال عنه صلى
الله عليه وسلم : " قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ _ صادقوا
الظن مُلْهَمُونَ مُفَهَّمُونَ _ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، وقاله
عنه صلى الله عليه وسلم : " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِى أَبِى بَكْرٍ
وَعُمَرَ " ، نعم يا عباد الله عمر رضي الله عنه الذي نزل القرآن بموافقته في
مواضع عديدة ، ومواءمةً له سديدة ، جاء في الأثر أن الناس في زمنه رضي الله عنه
جاؤوا إليه وقالوا : نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا ، فقال : أرخصوه أنتم ؟
فقالوا : نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ، ونحن أصحاب الحاجة فتقول
: أرخصوه أنتم ؟ وهل نملكه حتى نرخصه ؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا ؟ فقال
قولته الرائعة : اتركوه لهم ، نعم أيها المسلمون ، اتركوا سلعهم لهم ، وسوف
يرخصونها حينما لا يجدون من يقبل عليها ، بل إن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ، بين لنا نظرية أخرى في مكافحة الغلاء ، وهي إرخاص السلع ،
بإبدالها بسلع أخرى ؛ فقد غلا الزبيب بمكة ، فكتبوا إليه بالكوفة أن الزبيب غلا
علينا ، فكتب أن أرخصوه بالتمر ، أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافراً في
الحجاز وأسعاره رخيصة ، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص ، وإن لم يرخص فالتمر خير
بديل ، وأنتم معاشر الإخوة بأيديكم إرخاص الأسعار ، بتركها أو استبدالها بغيرها
مما هو أرخص منها ، والله معكم وهو نعم المولى ونعم النصير .
أيها التجار ، يا أصحاب العقار : أرخصوا الأسعار ، واطلبوا الرزق المدرار ، من
الغني الغفار ، والله الله بإخوانكم ، لينوا لهم ، وأرفقوا بهم ، وارحموا
أحوالهم ، فلا يكاد المعاش يواكب احتياجات الأسر اليوم ، نظراً لغلاء المعيشة ،
وارتفاع الأسعار ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ
أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ
وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " [ رواه
مسلم ] ، فاتقوا الله في إخوانكم ، لاسيما الفقراء والمساكين ، والأيتام
والأرامل المعوزين ، فهم أمانة في أعناقكم ، فما أعظم القناعة ، فهي كنز لا
يفنى ، وخذوا بوصيكم الحبيب المصطفى ، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : "
لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ
" ، وقد جاءت فتوى كبار العلماء : " أنه ينبغي للتاجر التخلق بالسماحة والقناعة
، وأن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ، ففي ذلك خير وبركة ، ولا يتمادى في
الطمع والجشع ، فإن ذلك يصدر غالبًا عن قساوة القلوب ، ولؤم الطباع ، وشراسة
الأخلاق " ، وتأملوا رحمكم الله قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ
الْعَبْدُ مَالِي مَالِي ، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ : مَا أَكَلَ
فَأَفْنَى ، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى ، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى _ بقي _ وَمَا
سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ " [ رواه مسلم ] ، قيل لعبد
الرحمن بن عوف رضي الله عنه : بما أيسرت ؟ قال : " ما رددتُ ربحاً قط ، وما
كتمتُ عيباً قط " ، فاقبلوا قليل الربح ، ففيه خير كثير ، وأجر كبير ، وأبشر
أيها التاجر الصدوق الأمين فقد قال صلى الله عليه وسلم : " التَّاجِرُ
الصَّدُوقُ الأمِينُ مع النَّبِيِّين والشُّهداءِ والصِّدِيقِين " [ رواه
الترمذي بإسناد حسن ] .
أيها المسلمون : ألا وإن ثاني التوجيهات ، انتشار ظاهرة العنوسة والعزوبة في
المجتمع ، وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج ، فهي ظاهرة لها مضارها
الخطيرة ، وعواقبها المريرة ، على الأمة بأسرها ، فهي تفسد الأخلاق والسلوك ،
لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن ، وتوفّرت فيه السبل المنحرفة
لقضاء الشهوة ، فعليكم بالزواج الشرعي ، فالقضية قضية فضيلة أو رذيلة ، وحدِّث
ولا كرامة عما تبثه القنوات الفضائية ، والشبكات المعلوماتية ، التي تفجِّر
براكين الجنس ، وتزلزل ثوابت الغريزة ، وتوَجَّه ضدَّ قيم الأمة وأخلاقها ،
ممثلة في أبنائها وبناتها ، فإلى الله المشتكى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عباد الله : إن العزوبة والتبتل منهي عنها شرعاً ، مرفوضة عرفاً ، قال سَعْدَ
بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه ، رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ
لاَخْتَصَيْنَا " [ رواه الشيخان ] ، والتبتل : هو ترك الزواج والانقطاع
للعبادة ، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لو لم يبق من أجلي إلا
عشرة أيام ، أعلم أني أموت في آخرها ، ولي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة
" ، ويقول الإمام أحمد رحمه الله : " ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء ، ومن
دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام " .
أيها المسلمون : حصنوا فروج الشباب والشابات ، بتسهيل أمور الزواج ، وتقليل
المهور ، فليست البنت سلعة للمساومة ، وتجارة للمزايدة ، ألا وإن من الأولياء
من عضل وظلم وخان الأمانة ، فربما كانت ابنته مدرِّسة وموظفة ، فيطمع في مرتبها
، ويمنعها من خاطبها ، ألا يفكرون بالعواقب ؟! أيسرُّهم أن تلطَّخ سمعتهم مما
يندى له جبين الفضيلة والحياء ؟ فما انتشر الزنا واللواط ، والشذوذ الجنسي بين
الجنسين ، وما انفتحت أبواب الفساد ، إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين في
الزواج ، ولم ينتشر الانحلال والدعارة ، والعلاقات المشبوهة ، والسفر إلى بيئات
موبوءة ، ومستنقعات محمومة ، إلا بسبب تعقيد أمور الزواج ، فاتقوا الله أيها
الأولياء ، اتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، فالمسؤولية على عواتقكم عظيمة ،
ونتائجها وخيمة ، فهناك من الأولياء هداهم الله من منعوا بناتهن من الزواج من
الأكفاء ديناً وخلقاً وأمانة ، بأعذار واهية ، ينظرون في الزوج إلى أمور شكلية
، وجوانب كمالية ، يسألون عن ماله ووجاهته ، ووظيفته ومكانته ، ويغفلون أمر
دينه وخلقه وأمانته ، قال تعالى : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ
وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء
يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ، والرسول صلى الله
عليه وسلم يقول : " إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ
فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ
عَرِيضٌ " [ رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح ] .
أيها المسلمون : إن المهر في الزواج وسيلة لا غاية ، يقول الفاروق رضي الله عنه
: " ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ، أو تقوى
في الآخرة ، لكان النبي أولاكم بها " ، وقد زوج النبي رجلاً بما معه من القرآن
، وقال لرجلٍ التمس ولو خاتمًا من حديد ، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواه
من ذهب ، فالله المستعان ، كيف بحال المغالين اليوم ؟! أما علم أولئك أنهم
مسؤولون أمام الله عن أماناتهم ورعاياهم ؟! هل نُزعت الرحمة من قلوبهم؟! ولا
تنزع الرحمة إلا من شقي ، وأنتم أيها الإخوة والأخوات ، أيها الشباب والشابات
يا من ابتليتم بهذه الظاهرة ، صبراً صبراً ، وثباتاً واستعفافاً ، ورضاً بقضاء
الله وقدره ، واتباعاً لوصية نبيكم صلى الله عليه وسلم القائل الناصح لكم : "
يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ
، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " [ متفق عليه ]
فاتقوا الله عباد الله ، وتناصحوا فيما بينكم ، وتعقلوا كل التعقل في حلِّ
قضاياكم الاجتماعية ، لاسيما قضايا الزواج ، ولا تتركوا الأمر بأيدي السفهاء ،
فتميد بكم سفينة النجاة إلى حيث لا نجاة ، نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب ،
وبسنة النبي المصطفى الأواب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم التواب ، لي
ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئة وإثم وعتاب ؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان
تواباً رحيماً .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً حمداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله فرداً صمداً ، واحد لا شريك
له في ملكه أبداً ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا ، صلى الله وسلم وبارك عليه
أبداً سرمداً ، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يلقونه
غداً .
أيها المسلمون : وآخر التوجيهات ، ما عجت به أوطان المسلمين ، ومجتمعات
المؤمنين ، من ظاهرة تطويل شعر رؤوس الشباب والرجال ، وما يلحقها من تسريحات
نسائية ، وتشبهات عدائية ، فيا لها من خيبة وبلية ، وخزي ورزية ، فليست من
المروءة اليوم في شيء ، ولا علاقة لها بسنة ولا طريقة ، ولا هدي ولا حقيقة ،
إنما هي موروثات وتقليدات غربية ، وتقليعات شرقية ، فإليكم نبأها ، وهذا خبرها
، فإطالة شعر الرجل هو من قبيل العادة ، لا من قبيل السنة ، وطول الشعر ما بين
شحمة الأذن إلى العاتق ، هكذا كان شعر النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان في
زمن يعفي فيه الناس شعورهم ، كافرهم ومسلمهم ، فهو على العادة لا على السنة ،
ومن زاد فقد تعدى وأساء ، وتشبه بالنساء ، قال البغوي رحمه الله : " أما النساء
فإنهن يرسلن شعورهن ، ولا يتخذن جمة " ، فإذا بلغ الشعر المنكبين فهو الجمة ،
فإن وصل شحمة الأذن فهو الوفرة ، فإن كان بين ذلك فهو اللمة .
أيها المسلمون : من قصات الشعر المحرمة ، القزع ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله
عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْقَزَعِ " ،
قال نافع وهو أحد رواة الحديث الْقَزَعُ : أن يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ
الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ " [ متفق عليه ] ، قال ابن القيم رحمه الله :
وأما حلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب : أشدها : أن يحلق وسطه ، ويترك جوانبه ،
كما تفعل شمامسة النصارى ، ويليه : أن يحلق جوانبه ، ويدع وسطه ، كما يفعل كثير
من السفلة وأسقاط الناس ، ويليه : أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره ، ألا وإن من
تسريحات الشعر المحرمة ما كان فيه تشبه بالكفار والفساق وسفلة الناس ، قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ
مِنْهُمْ " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] ، واستفحل الأمر وتعاظم ، وزاد
وتلاطم ، حينما استخدموا البكلات والشباصات لربط شعورهم ، ولا يفعل ذلك إلا
النساء والفساق والسفهاء ، فيا شماتة الكفار ، بأهل الإسلام ، ألا وإنه يحرم
تطويل الشعر فوق المنكبين لما فيه من تشبه بالنساء ، وقد لَعَنَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ،
وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " [ رواه البخاري ] .
عباد الله : عجباً والله عجباً ، لمن يطيل شعر رأسه ويحلق لحيته ، وهي من
واجبات الدين ، وإن تعجب فعجب لمن يضيع الصلوات ، ويطيل الشعرات ، ما هذا أيها
الشباب ، أين اتباع السنة ؟ وأين هدي نبي الأمة ؟ بل أين أنتم من أوامر كتاب
الله ، وأوامر رسول الله ، اربئوا بأنفسكم عن تقليد أعداء الله ، وكونوا أعزاء
بإسلامكم ، كراماً بدينكم ، واسمعوا تحذير ربكم لكم : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ
الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً } ، ألا وإن من كان مقلداً ،
فليقلد محمداً صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } ، قال ابن عبد البر رحمه
الله : " إن إطالة الشعر في عصره صارت من علامات السفهاء ، وأعرض عنها أهل
العلم والصلاح " ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن اتخاذ الشعر ليس من
السنة ، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل ، وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس ؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس ، والآن : جرت عادة
الناس ألا يُتَخَّذ الشعر ؛ ولذلك علماؤنا الكبار لا يتخذون الشعر ؛ لأنهم لا
يرون أن هذا سنة ، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس
تحرِّياً لاتباع السنة ، فالصواب : أنه تَبَعٌ لعادة الناس ، إن كنت في مكان
يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا " ، أعاذنا وإياكم من هذا البلى ،
هذا وصلوا وسلموا _ رحمكم الله _ على النبي المصطفى ، والرسول المجتبى ،
والحبيب المرتضى ، كما أمركم بذلك المولى الحميد ، في الكتاب المجيد ، فقال
تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على النبي المصطفى والرسول
المجتبى والحبيب المرتضى نبينا
محمدٍ بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين
وصحابته الغر الميامين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم
برحمتك وكرمك ياأكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك
والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر
بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل
ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين ، اللهم وفق إمامنا
بتوفيقك وأيده بتأييدك ، اللهم وفقه لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، اللهم هيء له
البطانة الصالحة الناصحة ، اللهم وفق نائبيه وإخوانهم وأعوانهم إلى ما فيه صلاح
البلاد والعباد ، اللهم ياحي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة
عين ، وأصلح لنا شأننا كله ، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم
فرق جمعهم وشتت شملهم ، واجعلهم عبرة للمعتبرين يارب العالمين ، اللهم أنقذ
المسجد الأقصى من براثن المحتلين المعتدين ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام ،
اللهم انصر اخواننا المجاهدين في سبيلك والمضطهدين في دينهم في كل مكان ياقوي
ياعزيز ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا
ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، سبحان ربك رب العزة
عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .