|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي العرش العلي ، والبطش القوي ، والعز الأبدي ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نرجو بها النجاة يوم لا ينجو إلا
التقي ، ولا يخسر إلا أهل الضلال والغي ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده
ورسوله النبي الأمي ، من أطاعه فقد فاز ومن عصاه فهو الذليل الشقي ، صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه أولي الصراط السوي ، والطريق النقي ، وسلم تسليماً
كثيراً ما دام ظل وفيء . . أما بعد :
فيا أيها المسلمون : اتقوا الله واخشوا نقمته ، وعقابه وسطوته ، وحاذروا سخطه
وقوته ، فهو الحفيظ العليم ، الشهيد الرقيب ، القائم على كل نفس بما كسبت ،
يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ، لا يغالبه غالب ، ولا يفوته هارب : {
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن
قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى
ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } .
أيها المسلمون : لقد هالنا وأفزعنا تقرير الشفافية العالمي للعام الميلادي
المنصرم ، والصادر عن منظمة الشفافية الدولية ، وإن مما يهول هو متوسط حجم
الفساد في دول العالم الإسلامي ، والذي بلغ أوجه ، حتى تصدرت هذه الدول قائمة
التقرير ، مما يعني أنها جميعها قد رسبت بجدارة في هذا التقرير ، مما يدل على
فساد كثير من التعاملات الإسلامية ، والتي لا علاقة لها بالدين الإسلامي ، فإذا
كان الناس يخشون من خطر إنفلونزا الخنازير ، فالحذر الأكبر من خطر إنفلونزا
الفساد ، الذي عم الأمة المسلمة ولا حول ولا قوة إلا بالله ، إذ كيف يكون ذلك ،
وقد كنا كما وصفنا ربنا سبحانه وتعالى ، خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف
وننهى عن المنكر ونؤمن بالله ، كيف يكون ذلك وقد بُعث نبينا صلى الله عليه وسلم
ليتمم مكارم الأخلاق ، كيف يكون ذلك وقد كان الفساد المالي من أول المظاهر
السلبية التي عالجها الإسلام حينما نهى عن الغش والاستغلال والسرقة والرشوة
والربا وغيرها من المعاملات الفاسدة ، والعادات البائدة ، كيف يكون ذلك يا عباد
الله ، وقد أمرنا الله عز وجل بالسعي لطلب الرزق الحلال في كثير من آيات القرآن
الكريم ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ } ، كما حثنا النبي صلى
الله عليه على طلب الرزق الحلال فقال : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ
يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً ، فَيَسْأَلَهُ ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ " [
رواه البخاري ] ، كيف نكون من أفسد الدول ، وقد حرم الإسلام الرشوة ، ولَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِىَ وَالْمُرْتَشِىَ وَالرَّائِشَ "
[ رواه أحمد والطبراني ] ، كيف يكون ذلك وقد حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من أن
نأكل الأموال بالباطل ، فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } ، هل لهذه الدرجة غاب
الوازع الديني ، لدى كثير من المسلمين ، حتى مرضت قلوبهم ، وفسدت ضمائرهم ،
وغلبهم الهوى ، وابتعدوا عن الهدى ، فسَهُل عليهم أكل أموال الناس بالباطل ،
وأصبح الموظف لا يؤدي عملاً إلا إذا أخذ الرشوة مقابل أدائه لهذا العمل ، الذي
هو واجب في عنقه ، بل ويأخذ في مقابله راتباً وأجراً ، اللهم اغننا بحلالك عن
حرامك ، وبفضلك عمن سواك ، وأغننا اللهم عمن أغنيته عنا ، واجعلنا أغنى خلقك بك
، وأفقر عبادك إليك ، وهب لنا غنى لا يطغينا ، وصحة لا تلهينا برحمتك يا أرحم
الراحمين .
عباد الله : في حياتنا اليومية ، لا يكاد المشاهد والمستمع عندما يتابع
برنامجاً أو أخباراً ، إلا وتصعقه الموسيقى الساقطة ، وتذهله الحفلات الغنائية
الماجنة ، يلحقه من إثمها ووزرها وذنبها إذا أصغى لها ، وانساق وراءها ، قال
صلى الله عليه وسلم : " ليكونن في هذه الأمة ، خسف وقذف ومسخ ، وذلك إذا شربوا
الخمور ، واتخذوا القينات _ المغنيات _ وضربوا بالمعازف " [ رواه ابن أبي
الدنيا وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ] ، أيعقل أن تكون وسائل
الإعلام بهذه المثابة من الخطورة اليوم ؟ نعم ، لأننا ابتلينا بمثل المتردية
والنطيحة من بني علمان ، والذين يسوءهم أن يروا الناس متمسكين بدينهم ، فأدخلوا
عليهم كل ما يفسد عليهم عقيدتهم ، وينغص حياتهم ، ويجلب عليهم الهم والغم
والكرب ، ويهوي بهم إلى أودية الفساد والجريمة والفاحشة ، ولقد توعدهم الله
قاتلهم الله بقوله سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ، فالموسيقى
والأغاني حرام ، حرمها الله ورسوله ، وحرمها علماء الأمة قاطبة ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "
لاَ تَبيِعُوا الْقَيْنَاتِ وَلاَ تَشْتَرُوهُنَّ وَلاَ تُعَلِّمُوهُنَّ ،
وَلاَ خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ " ، وفِي مِثْلِ
ذَلِكَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي
لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ رواه الترمذي
وحسنه الألباني ] ، فالموسيقى والأغاني تنبت في القلب النفاق ، ولا يفعلها إلا
مجرمي الأمم والفساق ، هي بريد الزنا ، جالبة الجن والشياطين ، سبب العقوبات
الإلهية ، كما قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعية ، وغيرهم من أولي القدر
العلي ، والمقام الجلي ، من علماء الأمة المسلمة المتمسكة بدينها ، عَنْ أَبِي
مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم : " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا
بِغَيْرِ اسْمِهَا ، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ
وَالْمُغَنِّيَاتِ ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ
الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ " [ رواه ابن ماجة ] ، فاحذروا عباد الله من إدخال
الموسيقى والأغاني في جوالاتكم وسياراتكم وبيوتكم ، فهذه نعم من الله عليكم ،
يجب أن تشكر ، لا أن تفجر وتكفر : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن
شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .
عباد الله : ما أعظم آثار الزنا والربا في الأمم ، فهي ذنوب عظيمة ، ومعاص
أثيمة ، تتنزل بسببها العقوبات ، وتحل لأجلها المثلات ، وتحصل الكوارث والنكبات
، وهي من أعظم أسباب كفر النعم ، وحلول النقم ، ولقد حل عذاب الله بقوم لم
يرعوا نعمه ولم يشكروها ، ولم يحفظوها ولم يحمدوها ، فقال سبحانه : { وَضَرَبَ
اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا
رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ
لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } ، وقال صلى الله
عليه وسلم : " إذا ظهر الزنا والربا في قرية ، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " [
رواه الطبراني والحاكم وأبو يعلى وصححه الألباني رحمه الله ] ، فيا عباد الله
. . أنتم اليوم في عيش رغيد ، وخير مديد ، ورزق مزيد ، فاحمدوا ربكم ومولاكم ،
على ما أنعم به عليكم وأولاكم ، فكونوا من الحامدين الشاكرين ، ولا تكونوا كمن
قال الله فيهم { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } .
عباد الله : إذا أردتم النجاة ، والرحمة من الله ، فمروا بالمعروف وانهوا عن
المنكر ، قال تعالى { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ } ، يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : " لا يزال الناس
معصومين من العقوبات والنقمات ما قمع أهل الباطل واستخفي فيهم بالمحارم " ، ألا
وإن الباطل والحرام اليوم ، قد عم وظهر ، وبان وانتشر ، دعوة سافرة حاقدة على
الدين وأهله تدعو إلى تبرج النساء ، ونزع حجابهن ، واختلاطهن بالرجال ، في صور
من العلو والاستكبار ، والتعالي الكبار ، تولى كبره كثير من الفجار .
أيها الأخوة في الله : إنه ليس شيء أدعى إلى الحزن ، وأحق بالأسى ، مما نراه من
ظهور المنكرات ، وتمكن القنوات ، التي تدعوا إلى الفجور ، وتهيج القلوب إلى
الشر ، وتثير النفوس إلى الفسوق والجريمة ، وهانحن نرى آثارها المدمرة ، على
الشباب والفتيات ، والعامة والخاصة ؛ فكم من فتاه كانت ناعمة البال ، قريرة
العين ، رغيدة العيش ، متقلبة في أكنان الحشمة والستر والحياء ، مستورة في بيت
أهلها ، ثم أصبحت ضحية للظهور والبروز في الأسواق ، وبيوت التجارة ، يدفعها
التأثر بما يعرض في تلك القنوات ، وكم من شاب كان في حشمة ووقار وعزة ، سقط في
الزنا والخمور والمخدرات ، وولج في المجون والفسوق ؛ فضعفت قوته ، وسقطت كرامته
، وتبددت صحته ، وشقي وأشقى أهله ومجتمعه ، ألا وإن مما يؤسف له ظهور المترجلات
من النساء ، والمستخنثين من الرجال ، في أسواق المسلمين وميادينهم ، شباب يبالغ
في التزين والتحلي والرعونة في الكلام ، والتميع في المشي ، والتسكع في الأسواق
، والتمايل في مجامع النساء ، وفتيات يمشين بتكسر وسفاهة ، أزياء منكره ،
وملابس فاتنة ، وصور تفضي إلى الفاحشة والجريمة والبلاء العظيم ؛ فإنا لله وإنا
إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فاتقوا الله أيها
الأولياء ، وقوموا بما أوجب الله عليكم من رعاية أولادكم وصيانتهم وتربيتهم ،
واحذروا القنوات الفضائية ، راقبوا أولادكم وبناتكم ، كونوا عليهم الرقابة
اللصيقة ، المحفوفة بالحب والحنان ، والتوجيه والإرشاد ، وإلا فهؤلاء الشباب
والشابات ، الذين تراهم يعبثون عبر الأسواق والطرقات ، أليس لهم آباء وأمهات ؟
فعلى الجميع واجب عظيم في رعاية النشء ، وصناعة الجيل ، ومنع ضياعه وسقوطه في
سراديب الفاحشة ، وأوحال الرذيلة ، ومكامن الجريمة ، التي توجب حلول العقوبات ،
ونزول النقمات ، وقانا الله وإياكم وذرياتنا شر الأشرار ، وكيد الفجار ، وشر
طوارق الليل والنهار ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد الله الرحيم الرحمن ، الملك المنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له الواحد الديان ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحجة والبيان ، صلى
الله وسلم عليه ما تعاقب النيران ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان . .
وبعد :
عباد الله : إنما نراه اليوم من أحداث مريرة ، وأحوال جوية خطيرة ، وامراض
مهلكة ، وعواصف مميتة ، ورياح مدمرة ، وفيضانات قاتلة ، ونقص في الأمطار ، وخوف
ورعب في الديار ، وهلاك في الأعمار ، وقتل وجريمة ، وغلاء في المعيشة ، وظلم
وهضم للحقوق ، وغير ذلك كثير ، ما هو إلا بسبب البعد عن منهج الله تعالى ،
ومنهاج نبيه صلى الله عليه وسلم ، فابتلي البشر ، بكثير من الخطر والضرر ،
وتكاثر الشرر ، وتأملوا عباد الله هذا الحديث الجامع لواقع الأمة المسلمة اليوم
، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ
، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ
تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى
يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي
لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ
الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ
أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ
الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ
رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ
فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ
بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ
اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ رواه ابن ماجة ] .
عباد الله : ما هذه البلايا ، وتلك الرزايا ، إلا نتيجة حتمية لابد منها ،
لواقع مأساوي ، سببه الرويبضة ، دعاة الشر والفساد ، الذين حذر منهم النبي
المصطفى ، والحبيب المرتضى ، فَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى
أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا " قُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ : صِفْهُمْ لَنَا ؟ قَالَ : " هُمْ قَوْمٌ مِنْ
جِلْدَتِنَا ، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا " ، قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي
إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : " فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ
وَإِمَامَهُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ ،
فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ
شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ " [ متفق عليه ] ،
فتمسكوا بدينكم ، واتبعوا كتاب ربكم وسنة نبيكم ، والتفوا حول علمائكم وولاة
أمركم ، واحذروا الفويسقة الرويبضة ، سقط الناس وسفهاؤهم ، التوافه ، الذين
يتكلمون في أمر العامة ، يحلون ويحرمون ، وينتقدون ويجرحون ، يسبون العلماء ،
ويطعنون في دين ذي الآلاء ، ويتهكمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، عبر
صحفهم وفضائياتهم ، وهاهو زمانهم قد حل ، وشرهم قد طل ، رؤوسهم قد أينعت وحان
قطافها ، قَالَ فيهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَمَامَ
الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُصَدَّقُ
فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا
الْخَائِنُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ " ، قِيلَ : وَمَا
الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : " الْفُوَيْسِقُ _ التافه _ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ
الْعَامَّةِ " [ رواه ابن ماجة وغيره ] ، فاتقوا محارم الله عباد الله ،
فالحرام مآله النار ، والتزموا بشرع الله وميثاقه ، تنجوا وتغنموا ، وتفلحوا
وتُرحموا ، هذا وصلوا وسلموا ، على أفضل المرسلين ، وخاتم النبيين ، رسول رب
العالمين ، محمد الصادق الأمين ، فقد ندبكم لذلك ربكم القوي المتين ، فقال في
الذكر المبين : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ،
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد صلاة وسلام ممتدين دائمين إلى يوم الدين ، اللهم
وزده ثناء وتعظيما وتشريفا وتكريما ، اللهم وارض عن آله الأطهار ، وصحابته
الأبرار ، المهاجرين منهم والأنصار ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا رحيم يا غفار ،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ،
واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق ولي
أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ، وهيئ له البطانة الصالحة
الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه يارب العالمين ، اللهم وفق ولي أمرنا
خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى وخذ به للبر والتقوى ، اللهم وفقه وولي
عهده ونائبه الثاني لما فيه صلاح البلاد والعباد ، اللهم احفظهم ووفقهم
للصالحات وهيئ لهم البطانة الصالحة يا رب العالمين ، اللهم فرِّج هم المهمومين
من المسلمين ، ونفِّس كرب المكروبين ، وفك أسر المأسورين ، واقض الدين عن
المدينين ، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم اغفر ذنوبنا ، واستر
عيوبنا ، ويسر أمورنا ، وبلغ فيما يرضيك آمالنا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال
والإكرام ، اللهم أصلح أحوال المسلمين ، وأرغد عيشهم ، وارفع بلاءهم ، وأصلح
قادتهم ، واجمعهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين ، اللهم انصر إخواننا في
فلسطين على اليهود الغاصبين ، اللهم كن لإخواننا في غزة معيناً ونصيراً ،
ومؤيداً وظهيراً ، اللهم أنزل عذابك ورجزك وسخطك على من حاصرهم وآذاهم ، يا قوي
يا عزيز يا رب العالمين ، عباد الله { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، فاذكروا
الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله
يعلم ما تصنعون .