|
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله
إلاّ اله وحده لا شريك له ، شهادة حق ورضى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، نبي
العدل والهدى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً ..
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر
لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " ، " يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون
" … أماّ بعد :
فإذا أردنا أن نفتح نافذة كي نطل منها على أحزان المسلمين ، وجراحاتهم ،
لانفتحت أمامنا نوافذ لا تعد ولا تحصى ، فلا توجد بقعة من بقاع المسلمين إلا
وهي تئن ، ولها نشيج ونحيب ، فأي نافذة نفتح ، ومن خلال أي نافذة نطل ، فكلما
نظرنا من نافذة لطختنا الدماء البريئة ، وأحرقتنا نار الغيرة ، ومزقتنا حمم
الأخوة ، فلكم الله أيها المسلمون في كل مكان ، وعفواً أيها الأخوة ، فلنغلق
تلك النوافذ جميعاً وقلوبنا هناك ، ولنطل على نافذة أخرى نتلمس من خلالها أسباب
الهزائم والخسائر التي منيت بها الأمة ، فلما فتحت قبرص ، فُرق بين أهلها فبكى
بعضهم إلى بعض ، وبكى أبو الدرداء فقال له جبير : أتبكي في يوم أعزَّ الله فيه
الإسلام وأهله ، فقال أبو الدرداء : " ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا
أضاعوا أمره ، فبينما هم أمةٌ قاهرةٌ ظاهرةٌ لهم المُلْك ، تركوا أمر الله عز
وجل فصاروا إلى ما ترى " ، ولهذا جاء في الأثر : " إذا عصاني من يعرفني ، سلطت
عليه من لا يعرفني " ، فكم غرقت الأمة اليوم في أوحال الذنوب والمعاصي ، وكم
غاصت في لجج الآثام والكبائر ، حتى دارت عليها الدوائر ، وحاق بها مكر الله ،
جزاء وفاقاً ، وما ربك بظلام للعبيد .
إن الذنوب لهي أكبر معول لهدم الدين في النفوس ، وأعظم معين للأعداء ، ألا وإن
من أعظم الذنوب والمعاصي التي عُصي الله بها في الأرض ما جاء على لسان ذلك
اليهودي الذي قال : " إذا أراد المسلمون أن ينتصروا علينا فلا بد أن يكون
حضورهم في صلاة الفجر مثل حضورهم في صلاة الجمعة " ، نعم يا عباد الله ، إذا
أردنا النصر والفوز على الأعداء من شياطين الإنس والجن ، فيجب أن يكون حضورنا
في جميع الفروض الخمسة كحضورنا في صلاة الجمعة ، هذا ما شهدت به الأعداء ،
والحق ما شهدوا به ، فلماذا يفكر الكثير من المسلمين في الصلاة في بيوتهم دون
الحضور إلى مقر الصلاة وهي المساجد ، واعلم يا من تصلي في بيتك وتهجر بيوت الله
إنك مهما عشت في هذه الدنيا فلا بد أن تدخل المسجد إما حياً أو ميتاً ، فاحرص
على دخوله حياً متذللاً لله خاشعاً لله ، طائعاً لله ولرسوله ، قبل أن تدخله
محمولاً على أعناق الرجال ميتاً ليصلى عليك ، فحينئذ لا ينفعك عملك ولا تجارتك
ولا منصبك ولا مكسبك ولا أولادك من الله شيئاً ، وإليكم هذه القصة ، هذا رجل
آتاه الله قوة في جسمه وفتوة في عضلاته ، فنسي أن الله هو القوي المتين ، كان
يسمع داعي الله فلا يجيبه ، أما إذا سمع داعي الهوى والشهوات أسرع في إجابته ،
وكل همه جمع المال من أي طريق كان ، كان يعمل حمالاً يحمل البضائع في الأسواق ،
وذات يوم دخل متجراً وهو يحمل بضاعة ، فسقط عليه جدار فوقع على ظهره ، فأصيب
بشلل كلي أفقده القدرة على المشي والحركة فصار حياً ميتاً ، قد حكم عليه بعدم
الحركة طوال الحياة ، حتى الخارج من السبيلين لا يملك إخراجهما بنفسه ، فيحتاج
إلى ثلاث ساعات على الأقل لإخراجهما بعد ألم عسير لا يعلمه إلا الله ، وهكذا هي
حياته نكد وألم وتعب ، لم يعرف المسجد يوماً ، فعاقبه الله عقاباً أليماً ،
وسأله أحد الزائرين عن أمنيته الآن ، فقال : أتمنى أن أحضر صلاة الجماعة . آلآن
وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين .
يا تاركاً للصلاة ويا هاجراً لبيوت الله
ويا مستهيناً بأوامر الله : هل تذكرت
هادم اللذات ومفرق الجماعات ، هل تذكرت مفارقة المال والأهل والأولاد ، هل
تذكرت يوماً تكون فيه من أهل القبور ، هل تذكرت ضيق القبور وظلمتها ، ووحشتها
وكربتها ، هل تذكرت عذاب القبر وحياته وعقاربه ، هل تذكرت عندما يضرب الفاجر
بمرزبة من حديد يغوص في الأرض سبعون ذراعاً ويصيح صيحة يسمعه كل الخلائق إلا
الإنس والجن ، هل تذكرت عندما تسأل في قبرك أتوفق للجواب أم تحيد عن الصواب ،
فيا ويلك كيف نسيت الموت وهو لا ينساك ، ويلك كيف غفلت ولم يغفل عنك ، وويل لك
كيف تؤثر دنياك ولا تدري غداً ما يفعل بك ، فأعد للسؤال جواباً ، وللجواب
صواباً ، وإياك والتفريط في جنب الله فالله معك يسمعك ويراك ، إياك والتسويف ،
ولا تقل ما زلت في مقتبل العمر ولسوف أتوب ، فالموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً
، ولا شاباً ولا شيخاً ، ولا غنياً ولا فقيراً ، ولا وزيراً ولا أميراً ، ولا
رجالاً ولا نساءً ، " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد "
أمـا والله لـو عـلـم الأنام *** لمـا خـلـقوا
لما غفلوا وناموا
لـقـد خـلـقوا لما لو أبصرته *** عـيـون قـلوبهم تاهوا وهاموا
مـمـات ثم قـبـر ثم حـشر *** وتـوبـيـخ وأهـوال عـظام
فيا من تركت الجمع والجماعات ، ويا من تسمع
المنادي ، ينادي كل يوم وليلة خمس مرات ، يا من أنت في هوى وشهوات ، يا من أنت
في ضياع وغفلات ، أما آن لك أن تستجيب لداعي الله في قلبك ، أما آن لك أن تقلع
عن غيك وذنبك ، أما آن لك أن تعود إلى ربك ، فيا أيها العبد الضعيف ، يا أيها
العبد الفقير إلى رحمة ربه ، كم تماديت ، وكم تعاليت على ربك ، وهو القوي شديد
العقاب ، الذي له ملك السموات والأرض ، الغني عن طاعتك ، واعلم أن لله يمهل لك
ويمد ، فأنقذ نفسك من النار ، ومن الخزي والبوار ، من الذي سيجادل عنك في قبرك
ويوم أن تحشر وحدك ، أتركت الصلاة يائساً من رحمة الله ، إنه لا ييأس من روح
الله إلا القوم الكافرون ، أم تركت الصلاة آمناً من مكر الله ، فلا يأمن مكر
الله إلا القوم الخاسرون . أم هل ضمنت الجنة وأمنت من النار ، ورسول الهدى صلى
الله عليه وسلم يقول : " والله ما أدري ما يفعل بي وأنا رسول الله " .
ألا فاعلموا أن مقام الصلاة عظيم ، وقدرها عند الله كبير ، ولهذا فرضها وشرعها
من فوق سبع سماوات ، فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام ، وعموده الذي
لا يقوم إلاّ به ، وهي الفارقة بين الإسلام والكفر ، والفاصلة بين الإيمان
والشرك ، قال صلى الله عليه وسلم " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة "
وقال صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "
، وقال صلى الله عليه وسلم " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة
" . وعن عبدالله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر
الصلاة يوماً ، فقال : " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم
القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً ، وكان
يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف " ، وإنما خصّ هؤلاء الأربعة
لأنهم رؤوس الكفر ، فتارك الصلاة إماّ أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو
تجارته ، فمن شغله عنها جمع المال وكسبه بأي طريق ومن أي مكان وتهاون في أمر
الصلاة فهو مع قارون ، ومن شغله عنها ملكه وإدارته فهو مع فرعون ، ومن شغله
عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان ، ومن شغله عنها تجارته ومحلاته وعمله من أجل
كسب المال وتهاون في أمر الصلاة فالنوم والعمل أفضل من الصلاة عنده فهو مع أُبي
بن خلف وكل أولئك أئمة الكفر والطغيان . قال صلى الله عليه وسلم : " ولا تتركوا
الصلاة عمداً فمن تركها عمداً متعمداً فقد خرج من الملة " .
إخوة الإيمان :
إن الشيطان عدو البشرية جمعاء ، حريص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة ،
لأن من انصرف عن صلاته فحتماً سينصرف عن بقية أحكام الشريعة .
وإنه والله لا دين لمن لا صلاة له ، ولا حظ له في الإسلام . ولا قدر له عند
الله الملك العلام ، إن للشيطان حيلاً ماكرة يمكر بها على المسلم ، حتى يضيع
عليه دينه فيقذفه في نار جهنم والعياذ بالله ، وله طرقاً عديدةً يحتال بها على
ضِعاف الدين ، فإن استطاع أن يمنع المسلم من الصلاة بالكلية فإنه يبذل لذلك كل
ممكن وكل مستحيل ، وإن لم يتمكن من منعه منها احتال عليه بمنعه من الصلاة مع
الجماعة ، ثم منعه من أدائها في وقتها ، وأغراه بالتكاسل والتسويف ، فيُحرَمَ
المسلم أجر الصلاة وتبقى عليه تبعة تأخيرها وعقوبة عمد ذلك فيها . إن الواقع
المر ، والحاضر التعيس الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم شاهد على استحواذ
الشيطان عليهم إلاّ من رحم الله منهم وعصم ، وإلاّ فالغالبية العظمى ، والكثرة
الكاثرة من المسلمين تهاونوا في أمر الصلاة ، وتقاصروا عن أدائها في أوقاتها ،
فما أصبرهم على النار ، إن حال المسلمين اليوم مع الصلاة حال محزنة وحال مخزية
، فقد خف ميزان الصلاة عندهم وتساهلوا في شأنها ، وصار التخلف عنها أمراً هيناً
، بل لا يلقى له بال ، : " رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة
الدنيا في الآخرة إلاّ قليل " .
عباد الله :
إن البيوت والمحلات التجارية تلتصق بالمساجد وتجاورها من كل جهة وناحية ، ومع
هذه النعمة العظيمة فلا يخرج منها إلى بيوت الله عز وجل إلاّ قلة قليلة ،
وبعضها لا يحضر منها أحد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . والعجيب أن من يحضرون
إلى الصلاة لا ينكرون على المتخلفين عنها ، فكم نرى من كثرة الناس في الأسواق
والحدائق والمطاعم والملاهي وأمام الشاشات وعلى الأرصفة وفي الشوارع ، ولا
نراهم في أشرف البقاع وأجلها ، لا نراهم في بيوت الله عز وجل ، فسبحان الله
العظيم .. كيف تساهل أولئك الناس في أمور دينهم ، وغفلوا عن تحكيم شريعتهم ،
وتركوا صلاتهم ، وشمروا إلى النار سواعدهم ، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ،
اتصفوا بصفات المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه العظيم بتكاسلهم عن صلاة
الجماعة ، قال تعالى : " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى
الصلاة قاموا كُسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً " ، واستمع يا
من تركت الصلاة ، استمع يا من قطعت الصلة بالله ، يقول أحد المغسلين للموتى :
جاءتنا جنازتين إحداهما لشاب يبلغ الرابعة عشرة من عمره والآخر يبلغ الستين ،
يقول : واتجه جميع المغسلين إلى ذلك الشاب لتغسيله ، فغسلناه وكفنّاه ووجدنا
راحةً وطمأنينةً في ذلك ، فسألنا والده عنه ، فقال : كان من المحافظين على
الصلوات وخاصةً صلاة الفجر ، ولم يترك صلاة الفجر إلاّ مرةً واحدة ، عندما
حضرته الوفاة قبل الصلاة ، واستطرد المغسل قائلاً : أماّ ذلك الطاعن في السن
فقد رفض تغسيله كل المغسلين وإذا برائحة كريهة تنبعث منه ، فخرج كل من في
المغسلة من نتن تلك الرائحة ، ولم يبق إلاّ أنا ، فاستعنت بالله لتغسيله وعندما
سألنا أهله عن حاله قالوا : كان لا يعرف جمعة ولا جماعة . فإنا لله وإنا إليه
راجعون .
أيها الناس :
صلاة الجماعة فرض عين ، تجب في حال الصحة والمرض ، تجب في حال الإقامة والسفر ،
تجب في حال الأمن والخوف ، وفي ساحات الوغى والقتال ، فلقد أمر الله نبيه
بالصلاة في حال الحرب ولم يعذره بتركها ، فكيف بمن يعيش في بيته وبين أهله
آمناً من الخوف ، سالماً من العاهات ، صلاة الجماعة لا تسقط عن المسلم بحال ما
دام عقله ثابتاً . ولو عذر في تركها أحد لكان العذر لمن يقاتلون الأعداء في
ساحات القتال ، قال الله تعالى : " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة
منهم معك وليأخذوا أسلحتهم " ولو كان هناك عذر للتخلف عن صلاة الجماعة لأعذر
الأعمى في تركها ، فقد روى مسلم في صحيحه أن رجلاً أعمى قال : يا رسول الله ،
ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له
، فلماّ ولىّ دعاه فقال : " هل تسمع النداء ؟ قال : نعم ، قال : فأجب " وفي
رواية قال : " لا أجد لك رخصة " . الله أكبر يا عباد الله لم يُرخص لذلك الضرير
الأعمى ، بعيد الدار ، ولا قائد له ، والطريق إلى المسجد وعرة وكثيرة الهوام ،
فما بالنا بمن أنعم الله عليه بشتى النعم ، نعمة البصر ، وإضاءة الطرق والأمن
من الخوف ، والمركب الموصل إلى المسجد ، فما عذرك يا من تركت صلاة الجماعة ؟
وما حجتك أمام الله ؟ إن نعم الله عليك لا تعدّ ولا تُحصى ومن أجلها وأعظمها
نعمة البصر التي بها ترى الطريق إلى بيوت الله عز وجل ، فماذا لو وضعت أعمالك
في كفة ونعمة البصر في الأُخرى ، ثم رجحت نعمة البصر ، فيالها من خسارة عظيمة
ونهاية مؤلمة .
أمة التوحيد :
لما لم يعذر أحد بترك صلاة الجماعة علم بالضرورة وجوبها على الأعيان ، قال صلى
الله عليه وسلم : " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام ، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس
ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرق بيوتهم
بالنار" ] متفق عليه [ . وعند الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم : " لولا ما
في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء ، وأمرت فتياني يحرقون ما في
البيوت بالنار " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من سمع النداء بالصلاة فلم يأت
فلا صلاة له إلاّ من عذر " وسُئل ابن عباس رضي الله عنهما ما العذر ؟ قال : مرض
أو خوف . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام
فيهم الصلاة إلاّ استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة ، فإنما يأكل الذئب من
الغنم القاصية " [ رواه أبو داود بإسناد حسن ] . فأين أنتم يا من تصلون في
بيوتكم ، وتزعمون أنكم جماعة ، من أين حصلتم على هذه الفتوى ، وأنى لكم هذا
العلم ، آلله أمركم بهذا أم على الله تفترون ، ما فائدة المساجد إذن ، أتظنون
أن الله لا يعلم كثيراً مما تضمرون في نفوسكم ، ألم تسمعوا قول الله تعالى : "
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال " ،
ألم تسمعوا قول الله تعالى : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع
الراكعين " ، وأين يركع الراكعون ، إنهم يركعون في بيوت الله ، طمعاً في رحمة
الله ، وخوفاً من عقاب الله ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " لو أنكم صليتم
في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته ، لتركتم سنة نبيكم ، ولو أنكم تركتم
سنة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق " ،
الله الله بالصلاة أيها الشباب ، أوصيكم ونفسي بالمحافظة عليها ، فلقد فرطتم
كثيراً ، وتماديتم ملياً ، وعصيتم كثيراً ، ونمتم طويلاً ، وقد حان أوان العودة
إلى الله تعالى ، فالأحداث اليوم لا تنبئ بخير ، والواقع اليوم خطير ، فإذا لم
تعودوا إلى الله اليوم فمتى ستعودون ، فاحرصوا على الصلاة فهي مفتاح كل خير ،
وهي السبيل الموصل لرضوان الله تعالى ، ومن تركها فقد قطع صلته بالله ، لأن
تارك الصلاة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول /
أن يتركها جاحداً لوجوبها : فهذا كافر بالإجماع .
الأمر الثاني /
أن يتركها تهاوناً وكسلاً : فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه كافر .
أيها الأخوة في الله :
صلاة الفجر تلك الصلاة العظيمة المشهودة التي تشهدها ملائكة الليل والنهار ،
تلك الصلاة التي فرط فيها كثير من المسلمين اليوم ، تلك الصلاة التي تئن
المساجد من فقد المسلمين فيها ، ولنضرب لذلك مثلاً ، فهذا موظف يحضر إلى عمله
كل يوم مبكراً ، ولكنه يغيب عن آخر يوم من أيام العمل ، فالتمس له رئيسه العذر
، وتكرر هذا الغياب ، حتى أصبح سمة يعرف بها ذاك الموظف ، فضاق به رئيسه ذرعاً
، فاستدعاه وحذره من الغياب ، وأمهله وأمد له في المهلة ، ولكن الموظف تمادى في
غيابه عن آخر يوم من أيام عمله ، فقرر الرئيس فصله من عمله ، واستدعاء الهيئة
الاستشارية في العمل ، وعقد اجتماع مغلق ، وتمخض عن ذلك الاجتماع ، الإجماع على
فصل الموظف ، لأن حضوره مبكراً كل يوم لم يشفع له بالغياب عن آخر يوم بلا عذر ،
فتم فصله من عمله . ولله المثل الأعلى ، فذاك الموظف مثل ذلك الرجل الذي خلقه
الله لطاعته ، ثم يتأخر أو يترك صلاة الفجر بلا عذر ، فما عذرك يا من تركت صلاة
الفجر ، ونمت عنها ، وضبطت المنبه على وقت العمل ، أللعمل خلقك الله ؟ أم خلقك
لعبادته ، ألا تستحق الطرد والإبعاد من رحمة الله ، فذاك الموظف الذي يغيب عن
عمله بلا عذر ، لأنت أشد منه إثماً ، وأعظم منه جرماً .
صلاة الفجر هي الاختبار الحقيقي لقوة الإيمان ، هي المحك الرئيسي لحب الرحمن ،
فأين أهل الفرش والأسرة عنها ، إنهم يغطون في نوم عميق والمنادي ينادي " الصلاة
خير من النوم " ولسان حالهم يقول النوم خير من الصلاة ، والنبي صلى الله عليه
وسلم يقول : " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " [
رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني ] لقد آثروا النوم على الصلاة ، الله
أمرهم بها فلم يذعنوا للأمر ولم يستيقنوا للخبر ، عصوا ربهم وتمردوا عن طاعته
وعبادته ، واسمع يا من أحببت النوم على الصلاة ، اسمع يا من آثرت الفراش الوثير
على بيوت الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه أتاني الليلة آتيان
وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر
قائم على رأسه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه ـ أي يفلق رأسه ـ
فيتدهده الحجر ـ أي يتدحرج ـ فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ، ثم
يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى " قال : قلت لهما : إني رأيت
الليلة عجباً ، فما هذا الذي رأيت ، قالا لي : أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ
رأسه بالحجر ، فإنه الرجل ينام عن الصلاة المكتوبة " [ رواه البخاري ] ، فأين
رجال التعليم ، وأين الآباء ، وأين الشباب ، وأين الآمهات ، وأين البنين
والبنات ، عن هذا الحديث العظيم ، فهل يستوي من يمشي في الظلم إلى المساجد ومن
هو نائم وراقد ، والله لا يستويان أبداً : " فريق في الجنة وفريق في السعير "
قال صلى الله عليه وسلم : " ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء
، ولو يعلمون ما فيهما ـ من الأجر ـ لأتوهما ولو حبواً " [ متفق عليه ] ، وعن
ابن مسعود رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال
أفضل قال : " الصلاة على وقتها . . . " [ متفق عليه ] ، وقال صلى الله عليه
وسلم : " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت ، فقد
أفلح وأنجح ـ فاز وظفر بالمطلوب ـ وإن فسدت ، فقد خاب وخسر . . . " [ رواه
الترمذي وقال حديث حسن ] ، فيا تاركاً لصلاة الفجر ، ويا مضيعاً لعظيم الأجر ،
ألم تعلم أن الله شديد العقاب ، ألم تعلم أن عذاب الله أشد وأبقى ؟ فارحم نفسك
من عذاب لا تموت فيه ولا تحيا ، ارحم ضعفك ، وتذكر سلطان الله عليك ، أترضى
بالنار قراراً لك بدلاً من الجنة ، يقول أحد المغسلين للموتى : وقد جيء بميت
يحمله أبوه وإخوانه ودخلنا لتغسيله فبدأنا بتجريده من ملابسه ، فإذا هو جثة
نقلبها بأيدينا ، ولقد أعطاه الله بياضاً ناصعاً في بشرته ، وبينما نحن نقلب
الجثة ، وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمة سوداء ، فتجمدت يداي وشخصت
عيناي خوفاً وفزعاً ، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف مذعور ، فسألت أبوه : ما
شأن هذا الشاب ، فقال : إنه كان لا يصلي ، يقول المغسل : فقلت له خذوا ميتكم
فغسلوه ، فرفض المغسل أن يغسله ، ورفض الإمام أن يصلي عليه ، إنا لله وإنا إليه
راجعون . لا إله إلاّ الله ! لا يُغسل ولا يُصلى عليه ولا يدفن في مقابر
المسلمين ، فماذا يُفعل به ؟ يُذهب به إلى الصحراء ويحفر له حفرة ويقذف فيها
ويُهال عليه التراب حتى لا يؤذي المسلمين برائحته . فأيّ نهاية سيئة لهذا العبد
، قال الله تعالى : " ولا تصل على أحد مات منهم أبداً ولا تقم على قبره إنهم
كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون " ، " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم
ساهون " .
أيها الأخوة :
كم هم الذين يتهاونون بصلاة الجمعة فلا يصلونها ظناً منهم بعدم وجوبها وتكاسلاً
عن إتيانها بسبب السهر والنوم الطويل ، والله تعالى يقول : " يا أيها الذين
آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير
لكم إن كنتم تعلمون " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لينتهين أقوام عن ودعهم
الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين " ] رواه مسلم [ .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من ترك ثلاث جُمع تهاوناً طبع الله على قلبه " ]
رواه أحمد وأهل السنن [ . وقال صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن آمر رجلاً
يصلي بالناس ، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم " [ رواه مسلم ] ،
فالله الله أيها المسلمون بالمحافظة على الصلاة والاهتمام بها فهي الفارقة بين
الإسلام والكفر والشرك ، قال ابن حزم ، جاء عن عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف
ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم " أن من ترك صلاة فرض
واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد " .
وهذه رسالة تعزية ومواساة ، أبعثها لكل من يتصدق في سبيل الله ، ولكل من يصوم
ويجوع ، ولكل بار بوالديه ، ولكل رحيم بالمساكين ، ولكل من يحسن إلى الجار ،
ولكل من يفعل الخير ، ويعين المسلمين على نوائب الدهر وهو تارك للصلاة ، أقدم
له أحر التعازي في ضياع تلك الأعمال ، وذهابها سراباً بقيعة ، فلا تنفعه أعمال
الخير كلها ما كان مضيعاً للصلاة مفرطاً فيها ، فإن سألت عن مصيرها في الدنيا
فيجيبك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِناً
حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة ، حَتَّى
إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا " [
أخرجه مسلم ] ، فيا تارك الصلاة هذا هو مصير أعمالك في الدنيا ، وأما في الآخرة
فيجيبك ربك سبحانه وتعالى بقوله : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً
منثوراً " ، وقال ربك جلا وعلا : " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم
كفروا بالله وبرسوله " ، وإني على ثقة تامة من أن رسالة العزاء والمواساة لن
تجدي فيهم شيئاً ، ولن تغير في وضعهم أبداً ، فكيف يواسون وهم في النار سيسجرون
، وفي العذاب يتقلون ، كيف تجدي رسالة تعزية لمن علم من حاله أنه حطب جهنم وحصب
لها .
فيا تاركاً للصلاة أين أنت عن جموع المصلين من المسلمين ، وأين جبهتك من جباه
الراكعين الساجدين ، وأين قلبك من قلوب الخائفين من ربهم والوجلين ، أما تستحي
أن يطيع الله حيوان وجماد لا عقل له ، وتعصيه أنت بما كرمك الله من العقل ،
أتسجد الحجارة والشجر والدواب لله تعالى ، وترفض ذلك أنت ، قال تعالى : " ألم
تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال
والشجر والدواب وكثير من الناس " ، ألم يأن لقلبك أن يخشع لذكر الله وما نزل من
الحق ، أما آن لنفسك أن تتذكر نعمت ربها عليها ، أما علمت أن الله خلقك لتعبده
، لا لتعصيه وتخالف أمره ، " ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً
خالداً وله عذاب مهين " .
أيها الأخوة في الله :
هناك أحكام دنيوية وأخروية تترتب على تارك الصلاة ، يجب على المسلم أن يأخذها
بعين الإعتبار ، ومن هذه الأحكام :
1_ أن تارك الصلاة كافراً كفراً أكبر
مُخرجاً من الملة .
2_ أن تارك الصلاة إذا مات لا يُغسل ولا
يُكفن ولا يُصلّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين .
3_ أن تارك الصلاة لا يُورث ولا يُوَرّث
.
4_ أن تارك الصلاة تسقط ولايته على
أبنائه .
5_ أن تارك الصلاة لا حق له في حضانة
أولاده .
6_ أن تارك الصلاة لا يجوز تزويجه
بمسلمة .
7_ أن تارك الصلاة إذا ذبح لا تحل
ذبيحته لأنه كافر ، ولو ذبح يهودي أو نصراني لحلت ذبيحته .
8_ أن تارك الصلاة يُمنع من دخول مكة
والمدينة لكفره .
9_ جاء في الأثر أن تارك الصلاة تلعنه
اللقمة التي يأكلها والشربة التي يشربها فتقول لعنك الله تأكل من رزق الله ولا
تؤدي حق الله .
10_ أن تارك الصلاة تكتنفه الهموم ،
وتزداد عليه والغموم ويضيق عليه حاله ، ويفزع من نومه ، فلا يجد للحياة طعماً ،
ولا راحةً ولا اطمئناناً ، لأنه بعيد عن الله تعالى الذي بذكره تطمئن القلوب .
11_ أن تارك الصلاة لا تجوز محادثته ولا
مؤاكلته ولا مشاربته ، بل يجب بغضه والتضييق عليه حتى يعود إلى رشده ويقيم
الصلاة ويحافظ عليها .
فيجب على أولياء الأمور من آباءٍ وأمهات وإخوانٍ وأخوات وجيرانٍ وجارات ، أن
يجتهدوا في نصيحة تارك الصلاة والمتخلف عن الجماعة بشتى الوسائل والطرق ، ويجب
أن يُنكر عليه فعله المشين وعمله القبيح ، فإن لم يستجب وجب رفع أمره إلى
الهيئات والمحاكم . وويل للآباء والأولياء الذين يرون أبناءهم على ذلك المنكر
العظيم ، فلا يحركون ساكناً ، بل ويجلسون معهم ، ويأكلون ويشربون معهم ، فلا
ينصحون ولا يضربون ولا يهجرون ، قال صلى الله عليه وسلم " ما من عبدٍ يسترعيه
الله رعيته يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرم الله عليه الجنة " . فتنبه
يا ولي الأمر ، إنتبه لأبنائك وبناتك ونسائك ورغبهم في الصلاة وحذرهم من عاقبة
تركها . فهل بعد هذا البيان من عذر للفتيات والفتيان ، والشباب والشيبان ، وهل
بعد هذا الحديث من عذر للذكور والإناث . فما حجتك يا تارك الصلاة أمام الله ؟
ما جوابك إذا سئلت عن سبب تركك للجمع والجماعات ؟ ! فالويل لك إن لم توفق
للجواب الصواب .
اللهم انصر الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ،
واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم انصر اخواننا
المسلمين المظلومين المستضعفين في كل مكان الذين يجاهدون أعداءك ويحبون أولياءك
، اللهم انصرهم على من ظلمهم ، اللهم انصرهم على من بغى عليهم ، اللهم قوّ
شوكتهم ، اللهم كن لهم عوناً ومعيناً ، وناصراً وظهيرًا ، اللهم ثبت أقدامهم
وسدد رميهم واحم حوزتهم ، اللهم كثر عددهم وعدتهم ، اللهم زلزل الأرض تحت أقدام
أعدائهم ، اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين ، اللهم أحصهم عدداً واقتلهم
بدداً ولا تبق منهم أحداً ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم خذهم أخذ
عزيز مقتدر ، اللهم خذهم أخذاً وبيلا ، اللهم من عاونهم وساندهم فأدر الدائرة
عليه واجعله غنيمة للمسلمين يا ذا الجلال والإكرام ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة
، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . سبحانك رب العزة عمّا يصفون وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين .