|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العليم الشكور ،
مقلب الأزمان والدهور ، ومغير الأيام والشهور ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له الرب الغفور ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخرج الله به
الناس من الظلمات إلى النور ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خير
القرون والعصور ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النفخ في الصور ،
وعنا معهم برحمتك وإحسانك يا أهل الخيرات والأجور " يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " ، " يا أيها الناس اتقوا
ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً
ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " .
. . أما بعد :
فاتقوا الله أيها الناس ، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام ، وانقضاء
الشهور والأعوام ، واعلموا أن بمرورها تنقص أعماركم ، وتطوى صحائفكم ،
وتقبلون على ربكم فبادروا بالتوبة والأعمال الصالحة ، قبل انقضاء الفرص
السانحة .
أيها الناس : كنتم بالأمس القريب تنتظرون بكل الحب والشوق حلول ضيف عظيم ،
وغائب منتظر ، كنتم تستقبلون شهر رمضان المبارك ، الذي يحمل بين طياته
الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، وكم فرح المسلمون في أصقاع الأرض على
اختلاف لغاتهم وأجناسهم بتلك المنحة الربانية ، والهبة الإلهية ، التي يجزل
بها سبحانه من الأجر بما هو أهل له ، وهاأنتم اليوم تودعون شهر الرحمة
والخير والبركة بكل الحزن والأسى ، فوالله ما عرف المسلمون اجتماعاً ولا
تآخياً ولا إحساناً كما هو الحال في شهر رمضان ، وما عرفوا للعبادة لذة ،
وما تذوقوا للطاعة طعماً ، كما في شهر الصلاة والقيام ، شهر البر وصلة
الأرحام ، شهر رمضان ، هاأنتم أيها المسلمون تودعون شهر رمضان مرتحلاً عنكم
بما أودعتموه فيه من أعمال وأقوال ، فهو شاهد لكم أو عليكم ، فهنيئاً لمن
كان هذا الشهر شاهداً له ، وويل لمن كان شهر رمضان خصمه وعدوه ، والعار
والشنار لمن كان رمضان شاهداً عليه ، ووالله إنها لخسارة لا تعدلها خسارة ،
أن يوفق العبد لإدراك مواسم العطاء والفضل الجزيل من المنان الكريم ، ثم
يخرج منها صفر اليدين ، بل ومن المسلمين من خرج شهر رمضان وحمله أوزاراً
وآثاماً ثقالاً تنوء بحملها الجبال الراسيات ، حملها بظلمه وجهله ، فأي
مصيبة بعد مصيبة المسلم في دينه ، وأي فاجعة بعد فجيعة المسلم في تفريطه
وتسويفه ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ، فأين تلك
الدموع التي انهمرت من خشية الله في ليالي رمضان ، وأين تلك القلوب التي
وجلت خوفاً من الله ، وأين تلك الأقدام التي تفطرت رغبة فيما عند الله ،
فمن وفق في شهر رمضان للصيام والقيام فليزدد من الأعمال الصالحة بعد رمضان
، فإن رب رمضان هو رب باقي الشهور ، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى
وفات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، فبادروا بالأعمال الصالحة
فيما بقي من أيام شهر رمضان ، فالفرصة لا زالت سانحة ، والتوبة لا زالت
باقية .
عباد الله : النفاق شعبة عظيمة من شعب الكفر ، ولقد توعد الله المنافق
بالنار ، بل بالدرك الأسفل منها فقال الله تعالى : " إن المنافقين يخادعون
الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا
يذكرون الله إلا قليلاً " ، فمن لا يصلي ولا يعمل الخير إلا في رمضان فهو
مخادع لله ومستهزئ بربه تبارك وتعالى ، لأنه يعتبر شهر رمضان شهر سجن ما
يلبث أن ينقضي ثم ينقض العهد وينكص على عقبيه ، ويعود إلى أسوأ أعماله ،
فمثل أولئك توعدهم الله تعالى بالنار وبئس القرار ، قال تعالى : " إن
المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً " ، وبئس القوم
الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ، ثم إذا انقضى رمضان عادوا لما كانوا
عليه من لغو القول ولغط اللسان ، وقبيح الفعال ، ويعتقدون أن رمضان سيكفر
كل ما فعلوه من الموبقات وترك الواجبات وفعل المحرمات التي اقترفوها خلال
العام ، ولم يعلموا أن تكفير الصغائر مقرون باجتناب الكبائر قال الله تعالى
: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " ، وقال صلى الله
عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة
لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " [ متفق عليه ] . واحذروا عباد الله أن
تنقضوا العهد مع الله ، فاحذروا من الحرام فعلاً وسماعاً ، واعلموا أن عذاب
الله أشد من يتحمله لحماً وعظماً ، فاحذروا الغناء والمعازف ، وأقلعوا عن
مشاهدة الحرام عبر الشاشات المسمومة التي يدسها لكم أعداؤكم ، وتوبوا إلى
الله من إسبال الثياب وحلق اللحى ، واحذروا عقوبة العقوق ، وعليكم بأداء
الحقوق ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها .
أيها المؤمنون : ودعوا شهركم بالأعمال الصالحة ، وتفقدوا أحوال إخوانكم
الفقراء والمساكين ، والأرامل واليتامى والمحتاجين ، واغنوهم عن السؤال ومد
اليد ، سدوا عوزهم ، وأطعموا جائعهم ، وفكوا أسيرهم ، واكسوا عاريهم ،
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ، فالمال أمانة عندكم ، فأروا الله من
أنفسكم خيراً في مثل هذه الأيام المباركات ، فالسعيد من أنفق ماله في
الطاعات والقربات ، والشقي من صرفه في الهوى والشهوات ، واعلموا رحمكم الله
أن المسلم أخو المسلم ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، قال
صلى الله عليه وسلم : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل
الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " [
متفق عليه ] .
عباد الله : لقد شرع الله لكم صدقة الفطر في ختام هذا الشهر ، فهي واجبة
على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد والغني والفقير ، ويستحب
إخراجها عن الحمل في بطن أمه من غير وجوب لفعل عثمان رضي الله عنه ، وتجب
على اليتيم في ماله ، ويخرج عنه وليه ، ويستأذن الخدم في إخراجها عنهم ،
فإن أخرجوها من أموالهم فبها ونعمت ، وإن أوكلوا كفلاءهم ليخرجوها عنهم ،
أخرجوها من غير إيجاب ، فالمخاطب بزكاة الفطر الشخص نفسه ومن يعول ، وتكون
الزكاة من غالب قوت البلد ولا تتقيد بأصناف معينة ، فتخرج من الأرز والبر
والتمر وكل ما اعتاد الناس اقتياته ، ومقدارها صاع من طعام ومقداره ثلاثة
كيلوجرامات تقريباً ، ووقت إخراجها الفاضل بعد صلاة الفجر ، وقبل صلاة
العيد فعن ابن عمر رضي اله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمر
بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " [ متفق عليه ] ، ويجوز
تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين ، ولا يجوز إخراجها قبل ذلك لحديث ابن
عمر رضي الله عنهما قال : " كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " [ رواه
البخاري ] ، ويخرجها المسلم عنه وعمن يقوم بنفقته ، من الآباء والأبناء
والزوجات وغيرهم ممن هو ملزم بنفقتهم ، فأخرجوها رحمكم الله طيبة بها
نفوسكم ، فقد فرضت صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة
للمساكين ، وشكراً لله على ما أنعم به عليكم من صيام شهر رمضان وقيامه ،
ووالله ما اشتكى فقير إلا بقدر ما قصر غني ، وتذكروا عباد الله أن لكم
إخواناً يعانون أصناف العذاب والتشريد وألوان القتل والتطريد ، لكم إخوان
يقاسون مرارة الحروب والدمار ، فارأفوا بهم وتذكروهم ، واعلموا أن لهم
عليكم حقوق الأخوة والدين ، فلا تنسوا إخوانكم في أفغانستان وفلسطين
والعراق والشيشان ، وفي كل بقاع الإسلام ، فهم ينظرون إليكم نظر المنجد
والمعين ، بعد الله ذي الجبروت والقوة المتين ، فالله الله في إخوانكم
المسلمين المستنجدين في كل مكان ، كونوا لهم خير المعين ، ونعم النصير ،
فالمؤمنون بدينهم أعزاء ، والأعداء بزيغهم وضلالهم أذلاء .
أيها المسلمون : صدقة الفطر تتبع البدن ، فيخرجها المسلم في البلد الذي
أدركه وقت إخراجها وهو باق فيه ، ومن كان في بلد وعائلته في بلد آخر فإنه
يخرج فطرتهم مع فطرته في البلد الذي هو فيه ، وإن عمدهم في إخراجها عنه
وعنهم في بلدهم جاز ، وإن أخرج هو في بلده وهم في بلدهم جاز أيضاً ، ولا
ينبغي نقل صدقة الفطر من بلد إلى بلد آخر ، إلا إذا لم يوجد في بلده فقراء
من المسلمين ، فإنه يرسلها إلى فقراء أقرب بلد إليه ، هذه هي سنة نبيكم
محمد صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى يقول : " لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً " واعلموا أنه
لا يجوز دفع النقود بدل الطعام ، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على
إخراجها من الطعام ، من غالب قوت البلد أما القيمة فلا تجزئ في ذلك ، قال
ابن عمر رضي الله عنهما : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
في رمضان صاعاً من تمر ، أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من شعير على كل حر
وعبد ، ذكر وأنثى من المسلمين " [ متفق عليه ] ، وعن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال : " كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام ، أو صاعاً من تمر ،
أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من زبيب " [ متفق عليه ] ، فعلم من ذلك أن
إخراج القيمة بدل الطعام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وابتعاد عن
سنته ، قال الإمام أحمد رحمه الله : لا يعطي القيمة ، فقيل له : قوم يقولون
: عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة ، فقال : يدعون قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ويقولون : قال فلان ، ما دام في المسألة قول لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فلا قول لأحد معه ، وربما قال قائل : أن الفقير لا ينتفع
بالطعام ، ولكنه ينتفع بالنقود ، فأقول : الفقير إن كان حقاً فقيراً فلا بد
أن ينتفع بالطعام ، أما النقود فربما صرفها في أمور محرمة أو لا تعود عليه
بالنفع ، فانتبهوا رحمكم الله ، وتمسكوا بسنة نبيكم في كل أموركم ، فالخير
كل الخير في اتباع هديه ، والشر كل الشر في مخالفة أمره ، قال تعالى : "
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " .
أيها المسلمون : تدفع الزكاة للفقير أو نائبه ، ويجوز للفقير أن يخرج صدقة
الفطر مما أعطي له من الصدقات ، ويجوز دفع صدقة الجماعة لفقير واحد ، ويجوز
دفع صدقة الواحد لجماعة من الفقراء ، ومن فاته وقت الزكاة متعمداً فقد أساء
وأثم ، وعليه أن يخرجها بعد العيد قضاءً وهي صدقة من الصدقات ، أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم : " قد أفلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى " ، بارك الله
لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،
وجعلنا من المتبعين لسنة سيد المرسلين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله الذي من علينا بإكمال شهر الصيام ، ووفق من شاء فيه لاغتنام ما
فيه من الخيرات العظام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو
الفضل والإنعام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أفضل من صلى وصام ، وعبد
ربه واستقام . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام ، وسلم تسليماً
كثيراً . . . أما بعد : فيا أيها الناس : اتقوا الله تعالى في كل أحوالكم
،وسائر أموركم ، فإن الله تعالى رقيب لا يغيب ، قيوم لا ينام ، سبحانه من
إله عظيم ، لا تخفى عليه من أموركم خافية.
عباد الله : شرع الله لكم في ختام هذا الشهر التكبير في ليلة العيد ، فقال
تعالى : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون "
فيبدأ التكبير بعد غروب شمس ليلة العيد وحتى دخول الإمام لصلاة العيد ،
وصفة التكبير أن يقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ،
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، وجاء التكبير بصفات أخر ، فبأيها أخذت
أجزأك .
أيها المسلمون : ومما شرعه الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك أداء صلاة
العيد شكراً لله تعالى على أداء فريضة الصيام ، كما شرع الله صلاة عيد
الأضحى شكراً له على أداء فريضة الحج ، فهما عيدا أهل الإسلام ، فقد صح عن
النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ
: كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ
فِيهِمَا ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ قَالَ : " كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا ،
وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْفِطْرِ
وَيَوْمَ الْأَضْحَى " [ أخرجه النسائي ] ، فلا تجوز الزيادة على هذين
العيدين بإحداث أعياد وطنية أو قومية ، لأنها أعياد جاهلية سواء سميت
أعياداً ، أو ذكريات ، أو أياماً ، أو أسابيع ، أو أعواماً .
عباد الله : أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج لصلاة العيد ،
غير متطيبات ولا متبرجات بزينة ، ولا يختلطن بالرجال ، وتخرج الحائض لحضور
دعوة المسلمين ، وتعتزل المصلى ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : أُمِرْنَا
أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ،
فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ ، وَيَعْتَزِلُ
الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ ، قَالَتِ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ
، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ : " لِتُلْبِسْهَا
صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، ألا فاعلموا
أيها المسلمون أن الخروج لصلاة العيد إظهار لشعائر الإسلام ، وعلم من
أعلامه الظاهرة ، فاحرصوا على حضورها رحمكم الله فإنها من مكملات أحكام هذا
الشهر المبارك ، لا سيما وهي فرض كفاية ، فاحرصوا على غض البصر وعدم إسبال
الثياب ، واحذروا حلق اللحى ، فإعفاؤها سنة المصطفى ، واحفظوا ألسنتكم من
اللغو والرفث وقول الزور ، واحفظوا أسماعكم عن القيل والقال ، وسماع
الأغاني والمعازف والمزامير ، ولا تحضروا حفلات السمر واللهو واللعب التي
يقيمها بعض الجهال ، فإن الطاعة تتبع بالطاعة لا بضدها ، ولهذا شرع النبي
صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع صوم شهر رمضان بصوم ستة أيام من شوال ، فقد
روى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان
وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر " ، يعني : في الأجر والثواب
والمضاعفة ، فاحرصوا يا رعاكم الله على صيام هذه الأيام الستة لتحضوا بهذا
الثواب العظيم ، وصلوا وسلموا على صاحب الحوض المورود واللواء المعقود ،
صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، نبيكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم
، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى في علاه : " إن الله
وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً "
اللهم صل وسلم على أفضل رسلك وخير أنبيائك وعلى آله وأصحابه واتباعه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا دائم
الإحسان ، يا كريم يا منان ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك
والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم من أراد المسلمين بشر وسوء ، فاجعل
كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميراً عليه ، اللهم من كاد المتمسكين بدينهم
فكده ، واخذل مخططاته ومساعيه ، اللهم انصر إخواننا المسلمين في فلسطين ،
وفي كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم احم حوزتهم ، واجمع
على الحق كلمتهم ، وثبت أقدامهم ، وسدد أراءهم وسهامهم ، ياذا الجلال
والإكرام ، اللهم عليك باليهود الغاصبين ، والنصارى المحتلين ، اللهم أحصهم
عدداً واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم ، اللهم تقبل منا صيام شهر رمضان
وقيامه ، واجعله شاهداً لنا لا شاهداً علينا ، اللهم أعده علينا أعواماً
عديدة ، وأزمنة مديدة ونحن بصحة وعافية ، والإسلام في نصر وعز وشموخ ،
اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها ، ونعوذ بك من النار ولهيبها ، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، عباد الله إن الله يأمر
بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم
لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ،
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .