|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الأعلم
، علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، الحمد الله الذي حرم الظلم ، ومنع
الحقوق أن تهضم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الأعظم ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، عالي الذكر الأشم ، دعا إلى
المحبة والسلم ، ونهى عن القهر والظلم ، أفضل من أطاع ربه وأسلم ، صلى الله
عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه أهل الشيم والكرم ، تسنموا أعالي القمم ،
بالعزائم والهمم ، ومن سلك سبيلهم الأسلم ، وطريقهم الأقوم ، والتابعين ومن
تبعهم . . . أما بعد : فاتقوا الله أيها الناس والتزموا بالميثاق ، وتأسوا
بأحسن الأخلاق ، وتذكروا يوم الورود على العليم الخلاق ، وانزعوا من قلوبكم
الخلاف والشقاق ، وتحلوا بالصبر والوفاق ، واخشوا يوم الفراق ، إذا التفت
الساق بالساق ، مالكم من الله من ولي ولا واق ، قال المدبر الرزاق : {
وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ
} .
أيها الأخوة الفضلاء : إن الظلم ذنب عظيم ، وإثم مرتعه وخيم ، هو سبب
الفساد والفتن ، والبلاء والإحن ، والعقاب والمحن ، الظلم منبع الرذائل
والموبقات ، ومصدر الشرور والسيئات ، متى فشا في أمة أذن الله بأفولها ,
ومتى شاع في بلدة حصلت أسباب زوالها ، وانعقدت دوافع سفولها ، فبه تفسد
البلدان والديار , وتدمر الأوطان والأمصار , وبه ينزل غضب الجبار ، قال
الله الواحد القهار : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا
وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } ، فأين الأمم الظالمة القاهرة ،
الغابرة الظاهرة ؟ لقد نزلت بهم الفواجع ، وحلّت بهم المواجع ، فمهما بلغت
قوّةُ الظلوم ، وضعفُ المظلوم ، فإنَّ الظالم مقهور مخذول ، مصفّد مغلول ،
وأقربُ الأشياء ، صرعة الظلوم ، وأنفذ السهام ، دعوة المظلوم ، يرفعها
الحيّ القيوم ، فوق عنان الغيوم ، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : "
ثلاثة لا تردّ دعوتهم : الصائم حين يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم
يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبوابَ السماء ، ويقول لها الرب :
وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين " [ أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ] ،
فسبحان من سمع أنينَ المظلوم ، المضطهدِ المهموم ، وسمع نداءَ المكروب
المغموم ، فرفع للمظلوم مكاناً ، وجعل الظالم مهاناً ، عن أبي موسى رضي
الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ لَيُملي
للظالم ، حتىٰ إذا أخذَه لم يُفلِتْه " ثم قرأ : { وكذلكَ أخذُ رَبِّكَ إذا
أَخَذَ القُرَى وهي ظالمة إنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد} [ متفق عليه ] ، فاحذروا
الظلم يا عباد الله ، فأجسادكم على النار لا تقوى ، واخشوا القبر ولظى ،
فالنار موعد من ظلم وطغى ، قال عالم السر والنجوى : { إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
إخوة الإيمان : كم من الناس من يرجو رحمة الله ، ويخشى عقابه ، وهو مع ذلك
قد ظلم عباد الله ، واعتدى عليهم في أموالهم وأعراضهم , فأنى يستجاب لهذا ؟
عن أَبي هُريرةَ رضِي اللَّهُ عنْه قَالَ : قِيلَ لِلنَّبي صلى الله عليه
وسلم : إِنَّ فُلاَنَةً تَقُوم اللَّيْلَ ، وَتَصُومُ النَّهَارَ ،
وَتَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ ، وَتَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا
بِلِسَانِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ خَيْرَ
فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ " [ أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد
، ووافقه الألباني رحمه الله في الصحيحة ] ، فما أقبح الظلم وما أشنع
نتائجه ؟ ما أسوأ الظلم وما أفظع خواتمه ؟ ألا فاعلموا عباد الله أن للظلم
صور وأشكال ، وأنماط وأمثال ، فمن الظلم أن تعتدي على موظف أو مسكين أو
فقير أو غريب لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعًا ، تحرمه من وظيفته ظلماً
وجوراً ، وتمنعه من مرتبة أو درجة محاباة وعدوى ، وتحجزه عن راتبه
ومستحقاته عدواناً وهوىً ، فأين الجلساء والأخلاء ، الذين اجتمعوا في ليال
ظلماء ، يحيكون المكائد ، وينصبون المصائد ، يخططون للظلم ، ويعملون للجرم
{ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ
مُشْتَرِكُونَ } أين الظلمة عن يوم الآذان ، والحرمان من الجنان ، ألم
يسمعوا قول الملك الديان : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ
اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } ، فالظالم ملعون ، لعنه الله جل جلاله ،
ولعنه رسوله صلوات الله عليه وسلامه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَتُؤَدُّنَ
الْحُقُوقُ إِلَىٰ أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّىٰ يُقَادَ
لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " [ أخرجه مسلم ] ،
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ ، فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، هَلْ
تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ ؟ قَالَ ؟ لاَ ، قَالَ : لَكِنَّ اللهَ
يَدْرِي ، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا يوم القيامة " [ أخرجه أحمد بإسناد صحيح
] ، قال تعالى : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا
ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } فاتقوا الله أيها
الأصحاب ، وتذكروا يوم الحساب ، واتقوا دعوة المظلوم المجُاب ، فإنه ليس
بينها وبين الله حجاب .
أيها الأخوة في الله : ومن أنواع الظلم ، ظلم الأجراء والعمال ، بكل ظلم
وإهمال ، وبخسهم حقوقهم ، وحرمانهم أجورهم ، وتأخير رواتبهم ، عن أبـي
هريرةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله صَلَّـى الله عَلَـيْهِ
وَسَلَّـمَ : قالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ : " ثلاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ
يومَ القـيامةِ ، ومن كنتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، رجلٌ أَعْطَى بِـي ثم
غَدَرَ ، ورجلٌ باعَ حراً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، ورجلٌ اسْتَأْجَرَ أجيراً ،
فاسْتَوْفَـى منهُ ولـم يُوْفِه أَجْرَهُ " [ أخرجه البخاري ] ، إن الظلم
لا يدوم ولا يطول ، وسيَضمحلّ ويزول ، والدهر ذو صرفٍ يدور ، وسيعلم
الظالمون عاقبة الغرور ، يقول الحليم الصبور : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ألا وإن من الظلم اليوم يا عباد
الله ، توظيف من لا يستحق ، وتأخير المستحق ، وتقديم المفضول ، وتأخير
الفاضل ، ممن اتضح نفعه ، وعلا سهمه وحظه ، لاسيما في أمور الدين ، بدوافع
المحسوبية ، أو من أجل قبلية عصبية ، وتجمعات حزبية ، أو مصالح مشتركة ،
وواسطة محرمة ، وهذا من أشد الظلم والحيف ، روى الحاكم وصححه من حديث أبي
بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ
وَلِيَ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ شَيْئاً ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَداً
مُحَابَاةً ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، لاَ يَقْبَلُ اللَّه مِنْهُ
صَرْفاً وَلا عَدْلاً ، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ " فاتقوا الله أيها
العباد ، وتذكروا يوم المعاد .
عباد الله : ومن أنواع الظلم ، الحلف على يمين كاذبة ، من أجل اقتطاع أرض
مغتصبة ، أو أكل حقوق واجبة ، وتالله وبالله لهو ظلم عظيم ، وعقابه وخيم ،
ظلم دنيوي ، وعذاب أخروي ، قَالَ صلى اللّهِ عليه وسلم : " مَنِ اقْتَطَعَ
أَرْضاً ظَالِماً ، لَقِيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " [ أخرجه
مسلم ] ، وقال رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنِ اقْتَطَعَ
حَقَّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ
، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ
شَيْئا يَسِيراً يَا رَسُولَ اللّه ِ؟ قَالَ : " وَإِنْ قَضِيبا مِنْ
أَرَاكٍ " [ أخرجه مسلم في صحيحه ] ، فإذا كان هذا في عود مسواك ، فكيف بمن
حرم الناس من الأموال ، وفصلهم من الأعمال ، لجرمه أكبر ، وعقوبته أخطر ،
فتحللوا يا رعاكم الله من ظلم الناس ، قبل أن يقع الإفلاس ، فلا تنفع
الآهات ولا الوسطاء ، ولا يجدي الأصدقاء ولا الأخلاء ، بل الحسنات والسيئات
، ثم طرح في جهنم وبئس القرار ، بلا شفعاء ولا أنصار ، قال الملك الجبار :
{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ
كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }
فتذكروا يوم تبعثر القبور ، ويحصّل ما في الصدور ، وعند الله تجتمع الخصوم
, فيقتص من الظالم للمظلوم .
أيها المسلمون : الظلم حرام ، ومن كبائر الآثام ، ومن الموبقات العظام ،
حرمه الله على نفسه ، وجعله بين عباده محرماً ، فقال قولاً حكيماً : {
إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ
أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، وقال سبحانه وتعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً
فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ
لِّلْعَبِيدِ } ، عن أبـي ذَرَ الغِفَارِيِّ رضي الله عنه ، عن رسولِ الله
صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ ، عن الله عَزَّ وَجَلَّ أنه قالَ : "
إنِّـي حَرَّمْتُ الظُّلْـمَ علـى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَـيْنَكُمْ
مُـحَرَّماً ، فلا تَظَالَـمُوا " [ أخرجه مسلم ] ، ألا وإن من أنواع الظلم
، أكل أموال الناس بغير حق ، والإساءة إليهم ، وإيذائهم والبذاذة معهم ،
والتطاول عليهم ، وسبهم وقذفهم ، فذلكم ظلم كبير ، وشر مستطير ، وعدوان
خطير ، صاحبه مفلس ، ظالم منتكس ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ،
أَنَّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَن
الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ
وَلاَ مَتَاعَ فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، من يَأْتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي وقَدْ
شَتَمَ هَـٰذَا ، وَقَذَفَ هَـٰذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَـٰذَا ، وَسَفَكَ
دَمَ هَـٰذَا ، وَضَرَبَ هَـٰذَا ، فَيُعْطَىٰ هَـٰذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ،
وَهَـٰذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ ، قَبْلَ أَنْ
يُقْضَىٰ مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ،
ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " [ أخرجه مسلم ] ، بارك الله لي ولكم في القرآن
وآياته ، والنبي الكريم وسنته وعظاته ، أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي
ولكم من كل ذنب ومعصية ، وكل إثم وخطيئة ، فاستغفروا ربكم إنه كان غفاراً .
الحمد لله الذي أكمل لنا الدينَ وأتمّ علينا النعمة ، وجعل أمتنا خير أمة ،
أحمده على نعمه الجمّة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً
تكون لمن اعتصم بها خيرَ عصمة ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه ربّنا
إلينا فضلاً منه ومنة ، يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة ،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه ، واقتدى بسنته وهديه ، وسلم
تسليماً كثيراً . أما بعد : فاتقوا الله أيها الناس ، فإن تقواه أقوى ظهير
، وأوفى نصير ، كلُّ أمر عليه يسير ، وكلّ شيء إليه فقير ، والأمور إليه
تصير ، وهو السميع البصير ، فقد وقع على أكثر الناس ظلم كثير ، وجور كبير ،
وإنَّ الله على نصرهم لقدير .
أمة الإسلام : اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه نهى عن الظلم بجميع صوره ,
وأمر بمجاهدة الظالمين ، ورفع الظلم عن المظلومين , فإذا تركنا الظالم ولم
نأخذ على يديه ، فقد خالفنا ما جاءت به الرسل , ونحن مهدّدون بعقوبة عامة ،
وفتنة طامة , قال صلى الله عليه وسلم : " إن الناس إذا رأوا الظالم ، فلم
يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه " [ أخرجه أبو داود
والترمذي بإسناد جيد ] ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصرة المظلوم ،
فانصروه وإلا فقد حق عليكم العقاب ، قال الله الوهاب : { وَاتَّقُواْ
فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
أيها الظالم : إذا كنت قادراً على الظلم وإنفاذه ، والتعدي على المظلوم
وعدم إنقاذه ، فتذكر قول الجبار : { فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا
عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } ، فعليك بالعفو ،
وعدم الجفو ، واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظاً وهو
قادر على أن ينفذه ، دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، حتى
يخيره من الحور العين ما شاء " [ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة ، وقال
الألباني : حسن لغيره ] ، فاحذر أيها الظالم من التمادي في الظلم والطغيان
، فعاقبة ذلك نيران ، وحميم وقَطِرَان ، قال الواحد المنان : { يَوْمَ لَا
يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ
الدَّارِ }.
إذا ما الظلوم اتخذ الظلم مركباً وتمادى في ظلمه وقبيح اكتسابه
فكله إلى الواحد الديان وعدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه
أيها المظلوم : تمسك بحبل الله العظيم ، وتذكر دعوة نبي الله إبراهيم ،
حسبنا الله ونعم الوكيل ، قال الحي الجليل : { وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ
فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ، الموضوع مليء
بالأشجان ، محشو بالأحزان ، والظلم ظلمات لا ظلمان ، فتنبه أيها الإنسان ،
وفيما قلت كفاية ، لمن رام الهداية ، والرحمة في النهاية ، هذا وصلوا
وسلموا على النذير البشير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك الحكيم الخبير
، فقال العلي الكبير : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبي الهدى ، والرسول المصطفى ،
خير الورى ، محمد المجتبى ، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى ، ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، ودمر أعداء الدين ،
واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في
أوطاننا ودورنا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم إنا نسألك علماً
نافعاً ، وعملاً صالحاً ، وقلباً ناصعاً ، ورزقاً حلالاً طيباً ، برحمتك يا
أرحم الراحمين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر
والتقوى ، اللهم هيئ له بطانة صالحة ناصحة ، تدله على الخير وتعينه عليه
يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة
حسنة ، وقنا عذاب النار ، برحمتك يا عزيز يا غفار ، عباد الله : لا تزال
ألسنتكم رطبة من ذكر الله ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه
على نعمه يزدكم ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر
الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .