|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله
دعانا لجبر المصاب ، وتعزية المنكسرين باحتساب ، وأشهد أن لا إله إلا الله
الواحد التواب ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأواب ، صلوات ربي وسلامه
عليه وعلى آله وأصحابه الأحباب ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب . . وبعد
:
فهذه رسالة قصيرة ، لكل من قدم عملاً خيراً ، رسالة تعزية لكل من أبرم
عقداً يريد به المثوبة والأجر ، رسالة تعزية لكل بارٍ بوالديه ، رسالة
تعزية لكل من قدم معروفاً يرجو بركته وبره ، رسالة تعزية لكل من زكى أمواله
، وتصدق على الفقراء والمساكين ، وآوى الأرامل واليتامى ، وعطف على الصغار
، وقدم الأموال ابتغاء الفضل والخير ، رسالة تعزية لكل من ساهم في مشرعات
الدعوة إلى الله ، رسالة تعزية لمن أصلح بين الناس ، رسالة تعزية لكل من
ساهم في عتق الرقاب من القصاص .
رسالة تعزية لكل أولئك وغيرهم ممن قدم نفسه وماله في سبل الخير وطرقه ،
أعزيهم تعزية من القلب خالصة .
أعزي كل من له يد في وجوه البر والخير وهو لا يصلي ، أن عمله ذلك سيذهب
هباءً منثوراً ، وأُذكره بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، بل سيكافئه
على عمله في الدنيا ، أما في الآخرة فكما قال تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى
مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } [ الفرقان23 ]
.
وقَدِمْنا إلى ما عملوه مِن مظاهر الخير والبر ، فجعلناه باطلاً مضمحلاً ،
لا ينفعهم كالهباء المنثور ، وهو ما يُرى في ضوء الشمس من خفيف الغبار ؛
وذلك أن العمل لا ينفع في الآخرة ، إلا إذا توفر في صاحبه : الإيمان بالله
، والإخلاص له ، والمتابعة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأعظم ذلك
اتباعاً ، إقام الصلاة على وجهها الذي أمر الله به ، وأمر به رسوله صلى
الله عليه وسلم .
فمن عمل أعمال الخير والبر يرجو ثوابها ، فإن الله تعالى سيعطيه ثوابه في
الدنيا ، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يظلم
مؤمناً حسنة ، يُعطي بها في الدنيا ، ويجزي بها في الآخرة ، وأما الكافر
فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن
له حسنة يجزى بها " .
وذلك أن تارك الصلاة كافر ، فليس له جزاء في الآخرة إلا النار والعياذ
بالله .
قال صلى الله عليه وسلم : " بين الكفر والإيمان ترك الصلاة " فتارك الصلاة
ليس بمؤمن .
وقال صلى الله عليه وسلم : " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " [ أخرجه
الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الألباني : صحيح لغيره ] .
فتارك الصلاة كافر خارج من ملة الإسلام والعياذ بالله .
ومن كان بهذه المثابة فكيف يقبل منه عمل في الآخرة ، بل يجزى على عمله في
الدنيا ، وما أوتي من زهرتها ، ثم يوم القيامة له النار والعياذ بالله .
وقد أجمع أهل العلم على أن من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها فهو كافر ،
يُستتاب ، فإن تاب ورجع إلى الإسلام ، وإلا فإنه يقتل كافراً مرتداً .
قال عبد الله بن شقيق : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً
من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " .
قال أبو عيسى : " سمعت أبا مصعب المدني يقول : من قال : الإيمان قول ،
يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه " لأن الإيمان قول وفعل ، قول باللسان ،
وتصديق بالجنان ، وفعل بالأركان .
فلا يكفي أن يقر الإنسان بوجوب الصلاة وهو لا يصلي ، بل يجب عليه أن يبادر
بالصلاة بجميع فروضها الخمسة ، حيث ينادى بها في بيوت الله عز وجل .
ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم : أن تارك الصلاة تكاسلاً
وتهاوناً فهو كافر .
وفي الحديث الصحيح عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " [
رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة ] .
فلا يكفي الإنسان أن يقدم أعمالاً جليلة يرجو بركتها وأجرها عند الله تعالى
وهو لا يصلي ، لأن ذلك لن ينفعه ، بل يعطيه الله تعالى أجر ذلك في الدنيا ،
لأنه طلب الدنيا ، ونسي الآخرة ، قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ
فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ
لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا
وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ هود 14-15 ] .
والإنسان مهما فعل من معاصٍ ، واقترف من ذنوب ، وهو يصلي فهذا لا يخرجه من
دائرة الإسلام ، بل مسلم بإسلامه ، فاسق بكبيرته ، وأمره إلى الله تعالى
إذا مات ما لم يتب ويرجع عن غيه وزيغه ، فهذا تحت المشيئة الإلهية ، إن شاء
عذبه الله تعالى ، وإن شاء عفا عنه بمنه وكرمه ورحمته ومغفرته ، فرحمته
سبحانه سبقت غضبه ، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة .
عن أبي ذر رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب
أبيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ فقال : " ما من عبد قال : لا إله إلا
الله ثم مات على ذلك ، إلا دخل الجنة " قلت : وإن زنى وإن سرق ، قال : "
وإن زنى وإن سرق " قلت : وإن زنى وإن سرق ، قال : " وإن زنى وإن سرق " قلت
: وإن زنى وإن سرق ، قال : " وإن زنى وإن سرق " على رغم أنف أبي ذر ، وكان
أبو ذر إذا حدث بهذا قال : وإن رغم أنف أبي ذر " [ متفق عليه ٍ] .
وهذا الحديث يدل على سعة رحمة الله تعالى بعباده ، فالمسلم مهما فعل من
الموبقات أو الصغيرات ، وأحدث توبة قبل الممات فإن الله يغفر له ، فعن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله
يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " [ رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن ،
ووافقه الألباني رحمه الله تعالى ] .
فترك الصلاة كفر بالله تعالى ، وخروج عن صراطه المستقيم ، وترك لدينه
القويم ، ونبذ لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقوال العلماء في ذلك
مشهورة معلومة ومستفيضة .
فعزائي لكل مسلم لا يصلي ، أن أعماله مردودة عليه ، لا يقبل الله منها شيء
يوم القيامة ، بل يُجازى عليها في الدنيا فقط ، ويا حسرة عليه يوم القيامة
.
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك