|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
البريات ، بارئ النسمات ، وخالق المخلوقات ، وموجد الكائنات ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، أغدق علينا الخيرات ، ومن علينا بوافر
النعم والهبات ، تبارك رباً كريم الأعطيات ، وعز إلهاً عظيم البركات ، حذر
من المعاصي والموبقات ، ودعا إلى طريق الجنات ، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله نبي الهدى والرحمات ، ذو العظمة والكرامات ، حث على الطاعات ، ونهى
عن المخالفات ، عليه
من ربه أفضل الصلوات ، وأزكى التسليمات ، وأعظم التشريفات ، وعلى آله
وأصحابه أهل المكرمات ، أعالي الهامات ، وذوي المقامات ، والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم النجاة والعرصات . . . أمّا بعد : فأوصيكم أيها الناس
ونفسي بتقوى رب البرية ، وخالق البشرية ، فتقواه طريق للجنة العلية ، قال
ربكم في آية وعظية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
أمة الإسلام : إنّ المعاصيَ والمنكراتِ هي الداءُ العُضال ، والوباء
القتَّال ، الذي به خرابُ المجتمعات وهلاكُها ، وإنّ التفريطَ في تغيير
المنكرات ومكافحتها ، والقضاء عليها ، من أعظمِ أسباب حلولِ العقاب ، ونزول
العذاب ، يقول عليه الصلاة والسلام : " ما مِن قومٍ يُعمَل فيهم بالمعاصِي
، ثم يقدِرون على أن يُغيِّروا ثم لا يغيِّروا ، إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ
يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ " [ أخرجه أبو داود وصححه الألباني ]
، نعوذ بالله من
العذاب ، وأسباب العقاب ، ونتوب إلى الله التواب .
أيّها المسلمون : إنَّ المحافظةَ على حُرمةِ الإسلام ، وصونَ المجتمَع
المسلمِ من الموبقات أن تُخَلخِله ، والبدع والخرافاتُ أن تقوِّضَه ،
والمعاصي والمخالفاتُ أن تضعفه ، لهو واجب مطلوب ، وفرض متحتم مرغوب ، ألا
وإن حماية الأمة من أمواج الشرِّ الهائجةِ ، وآثار الفِتن المائجة ،
وتحذيرَها مزالقَ السقوط ، ودركات الهبوط ، لهو أصلٌ عظيم من أصولِ الشريعة
، وركنٌ مَشيد من أركانها المنيعة ، وإن من أولى الأوليات ، وأهم المهمات ،
إقامةُ ما أمر الله به من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ورفعُ
لوائِه ، وإعلاء بنائه ، وإعزاز أهلِه ؛ يقول جل وعلا في وصفِ الأمّة
المحمَّديّة ، وذكر أسباب الخيريَّة : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ
الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ، ألا فاعلموا أن تطبيق شعيرة الحسبة
، من وسائل التمكين ، يقول القوي المتين : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } ، بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ،
تحوز الأمة أسباب النصر والفلاح ، وتجمع بوادر التقدم والنجاح ، يقول
العليم الفتاح : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ الْمُفْلِحُونَ } .
أيها المسلمون : من أفضال الله العديدة ، ونعمائه المزيدة ، على هذه البلاد
المجيدة ، أن منَّ عليها بحكومة رشيدة ، حفية بالتأييد ، والتمكين والتسديد
، فالحسبة تحارب في كل البقاع ، وعلى امتداد الرقاع ، وهنا تحظى الحسبة
وأهلها بيد حانية ، وسند قوي من ولاة الأمر ، ولقد أعطى الملك عبد العزيز
رحمه الله لرجال الهيئة سلطة كاملة ، مما كان سبباً في تطهير هذه البلاد ،
والقضاء على الفساد ، فهنيئاً لكم رجال الحسبة هذه الثقة الغالية ، من
أصحاب اليد الحانية ، فلقد كان الملك عبد العزيز رحمه الله ، كلما خرج ضحىً
من منزله ، وجد الناس صفوفاً
ببابه ، من أصحاب المظالم والشكاوى ، فيقول لهم : من كان يريد شكوى رجال
الهيئة فلا يتكلم ، فإنا لا نسمع شكواه ، فرحمه الله وأحسن مثواه ، وهكذا
سار على نهجه أبناؤه الولاة ، هكذا فليكن الحكام والبناة ، دعماً لدين الله
، ونصرة لأولياء الله ، ذوداً عن حياض الدين ، وحفظاً لحمى المسلمين ،
فأجزل الله لهم المثوبة والأجر ، وغفر لهم الزلل والوزر .
أخوة التوحيد والعقيدة : أمتكم هذه أمة فريدة ، أمّةٌ قائدةٌ ، سائدة رائدة
، تحقِّق في المجتمَع المسلم شرعَ الله ، وتصدَع بالحقِّ في وجوهِ النّفوس
المريضة ، وأصحاب الدعوات المهيضة ، الباغية إشباعَ الشهوات ، وإرضاء
النزوات ، العابثةِ بأمنِ الأمّة ومقدَّراتها ، والمدمرة لاستقرارها
وخيراتها ، نعم يا عباد الله ، ولاية الحِسبة ، تلكم هي المهمَّة العظمى ،
والأمانة الكُبرى ، التي بها حِفاظ المجتمعاتِ ، وسِياج الآداب والكمالات ،
بها صلاحُ الأمر ، واستِتباب الأمن ، إذا فُقِدت في قومٍ زاغت عقائدهم ،
وفسَدت أوضاعُهم ،
وتغيَّرت طِباعُهم ، وما ضعُفت في مجتمعٍ إلا بدَت فيه مظاهر الانحلال ،
وفشت فيه بوادر الاختلال ، وظهرت فيه دلائل الاعتلال ، قالت زينب بنت جحش
رضي الله عنها يا رسولَ الله : أنهلَك وفيها الصالحون ؟ قال : " نعم ، إذا
كثُر الخبَث " [ متفق عليه ] ، والخبَث : هو الفسوق والفجور ، فالله
المستعان ، وعليه التكلان .
أيّها المسلمون : إنّ التخاذل في الدين ، وعدمَ التناهي بين المسلمين ، من
أعظمِ أسبابِ اللَّعن والطَّرد والإبعاد ، عن رحمةِ رب العباد ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا
اتَّقِّ اللَّهِ ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ
يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ ،
وَشَرِيبَهُ ، وَقَعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ
قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، ثُمَّ قَالَ { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
ذَلِكَ
بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ
مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ، ألا لا تفعلوا كما
فعلت بنو إسرائيل ، فتدور عليكم الدوائر ، وتعمى البصائر ، وتموت الضمائر ،
بل مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قال صلى الله عليه وسلم : " ألا لا
يمنعنَّ رجلاً هيبةُ الناس ، أن يقولَ بحقٍّ إذا علِمه " [ أخرجه الترمذي
وغيره وحسنه ] ، وقَالَ صلوات الله وسلامه عليه : " وَاللَّهِ
لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ،
وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى
الْحَقِّ أَطْراً ، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً ، أَوْ
لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، ثُمَّ
لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ " [ أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ] ،
فحذاري إخواني حذاري ، أن تهبِطوا من سماءِ العلياء ، إلى التشبُّه
بالأعداء ، وخذوا حذركم ، ولا تتبعوا أمماً كافِرة تعيسة ، منافقة بئيسةٍ ،
تلهثُ وراءَ شهواتها ، وتسير خلف لذاتها ، فكونوا من خطاهم على حذر ،
فطريقهم شر وخطر ، أخرج الترمذي وحسنه قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ،
لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ
لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ، ثُمَّ
تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ " .
أيها الأخوة في الله : ما زالت فئة من حملة الأقلام المسمومة ، والأفكار
المحمومة ، والنوايا المذمومة ، تعيث في الأرض فساداً ، وتروموا خراباً ،
ولن تجني إلا سراباً ، فمن أجل النزوات ، وإشباع الرغبات ، أشعلوا فتيل
الحرب على رجال الهيئات ، حماة الأعراض والحرمات ، ينتقدون رجال الحسبة ،
وينقمون على الله شرعه وأمره ، في كل هفوة يتغامزون ، وفي كل كبوة يتلامزون
، فيا ويحهم ! أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ، ويعودون إليه ويشكرونه ،
أم على قلوب أقفالها ، لقد حذوا حذو كبرائهم ، واتبعوا طريق عظمائهم ، فشب
فراخهم ، وخرج أحفادهم ، يقولون زوراً ، ويغشون فجوراً ، { وَلَئِن
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ، فاحذروا لكع بن
لكع ، الرويبضة ومن في الفساد رتع ، أما حين يتكلم العقلاء وأولوا الأحلام
، وتنطق لغة الحجج والأرقام ، فلا تسمع عن رجال الهيئة إلا الإشادة ، وصدق
الإفادة ، وحسن الوفادة ، نعم حينما تتكلم الوثائق ، ولا تتبدل الحقائق ،
نجد رجال الحسبة هم رجال المواقف الأوفياء ، وصُدْقَ اللقاء .
عباد الله : القوم عن كل سبق للهيئة يتغاضون ، وعن كل إنجاز يتعامون ، في
أولى صفحاتهم يختلقون القبائح ، ويزعمون الفضائح ، يغيرون الأمور ، ليوغروا
الصدور ، يبثون الشائعات ، ويختلقون الوشايات ، فسبحان ربي ! ألا يخافون
شديد العقوبات ؟ ولا إله إلا الله الواحد القهار ، ألا يلتمسون الأعذار ،
ويقبلون التأويل والاغتفار ، ويقيلون العثار ، فكونوا عباد الله على حذر من
المكر والخديعة ، وانتبهوا من النميمة والوقيعة ، فآمالهم سراب بقيعة ، قال
تعالى فيهم : { يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ
سَمَّاعُونَ لَهُمْ } ، ألا لا تسمعوا لهم ، ولا تقرءوا لهم ، ولا تصدقوا
كل ما يفترى ويذاع ، ويختلق ويشاع ، ألم تطرق أسماعكم آية الفاضحة ، في
كلماتها الواضحة : { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ
نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، فما وجدوا على الحسبة
ورجالها ، فبالزور يصورونه ، وبالباطل يزخرفونه ، ويعظمونه ويكبرونه ، وما
كان للهيئة من خير مكين ، فعند القوم مهين ، ولا يكاد يبين ، أو نسب لآخرين
، يكيدون المكائد ، وينصبون المصائد ، للنيل من رجال الهيئات ، أصحاب
البطولات ، وأهل المروءات ، والهمم العاليات ، قال رب البريات : {
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ
أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، بارك
الله لي ولكم في الكتاب المبين ، ونفعني وإياكم بهدي
سيد المرسلين ، وجعلنا لسنته من المتبعين ، وإلى الجنات من السابقين ،
واستغفروا الله رب العالمين ، يغفر لكم ذنوبكم أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمد لله اللطيف الرفيق ، والشكر له على الهداية والتوفيق ، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم الشفيق ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
صاحب القلب الرقيق ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأزواجه وكل صاحب
وصدِّيق ، وتابع وصديق . . أمّا بعد : فيا أيّها المسلمون ، اتّقوا الله
وراقبوه ، وأطيعوه ولا تعصوه ، فتقواه سبب النجاة ، والفلاح يوم نلقاه .
------------------
أيها المسلمون : إن كان من وصية ، لاجتناب كل رزية ، فيا رجال الحسبة ، ما
رأيتموه من المنكر فأنكروه ، واردعوا صاحبه وقوموه ، وما خفي فلا تبحثوا
عنه واستروه ، وعليكم بالرفق والسهولة ، والحكمة والليونة ، واحذروا ممن
قعدوا لكم كل مرصد ، وجلسوا لكم كل مقعد ، ولا تجعلوا ظهوركم سرجاً
يمتطونها ، وأخطاءكم جسوراً يعبرونها ، أو شماعة يتعلقونها ، فالسكينة
السكينة ، والإصلاح الإصلاح ، واقطعوا العون عن أعدائكم ، والمدد عن أولئكم
، ثم اعلموا أنه لا بدَّ أن ينالَ القائمين بالحسبة شيءٌ من الأذى
والاعتداء ، والتضييق والعناء ، فصبرًا صبرًا يا أهلَ الحِسبة ، فقد أوذِي
إمامُكم وقائدكم ، خاتَم الأنبياء ، وإمامُ الحنفاء ، محمد صلى الله عليه
وسلم ، فصابر وصبرَ ، حتى ظهر وظفر ، قال من حكم وقهر : { وَلَقَدْ
كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ
وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ
} .
--------------------
عباد الله : رجال الحسبة ، وما أدراكم ما رجال الحسبة ، بالمعروف يأمرون ،
وعن المنكر ينهون ، كم من جرائم منعوها ، وكم من آثام قمعوها ، وكم من
رذائل أحجموها ، ومخدرات ضبطوها ، وخمور أراقوها ، وأعراض حفظوها ، كم من
مجرم ستروه ، ومعتد لم يفضحوه ، للحق صُدَّاع ، وللرذيلة مُنَّاع ، وللأمة
نُفَّاع ، عيونهم ساهرة ، وانتصاراتهم باهرة ، أولئكم هم رجال الحسبة
الفضلاء ، الذين نال منهم الأعداء ، وتطاول عليهم الأدنياء ، فلكم الله يا
رجال الهيئات ، يا أصحاب الكفاءات ، تركوا بيوتهم وأشغالهم ، وأهليهم
وأولادهم ، حفاظاً على صلاح المجتمع من الخلل ، والعطب والزلل ، والمصاب
الجلل ، قال تعالى : { يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } .
أمة الإسلام : رجال الحسبة ليسوا معصومين من الأخطاء ، فلا معصوم إلا الرسل
والأنبياء ، فالخطأ
وارد لا محالة ، وخطأ عن خطأ ، ومن ذا الذي يدعي العصمة ، وكل ابن خطاء ،
وخير الخطائين التوابون ، فالكمال منشود ، والقصور موجود ، ولا كامل إلا
الرحيم الودود ، فتلمسوا لإخوانكم كل عذر ، واحملوا أخطاءهم على المحمل
الحسن ، فإن أخطئوا ، فلغيرهم ضحايا وأخطاء ، وأخبار وأنباء ، لا تغيب ولا
تخفى ، قال عمَر رضي الله عنه : " لا تَظنّنّ بكلمةٍ صدَرَت من أخيكَ سوءًا
، وأنتَ تجِد لها في الخير محمَلاً " ، وقال عن سعيد بنِ المسيّب رحمه الله
: " ليسَ مِن عالمٍ ولا شريف ولا ذي فضلٍ ، إلاّ وفيه عَيب ، ولكن مَن كان
فضلُه أكثرَ من نقصِه ، ذهبَ نقصُه لفضلِه " ، فيا أصحاب الشائعات ، ويا
أهل الوشايات ، رويدكم رويدكم ، وعلى رسلكم على رسلكم ، واعلموا أنَّ
إيذاءَ المصلحين ، الآمرين بالمعروف ، والناهين عن المنكر ، أو الاعتداءَ
عليهم ، أو الطعنَ فيهم ، أو تضخيمَ أخطائهم ، وبَثَّ الأكاذيب عنهم ، لهو
جُرمٌ عظيم ، وذَنب جسيم ، تصيبُ المرءَ
مغبَّتُه ، وتلحقه معرّتُه ، يقول جلّت قدرته : { إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ
اللَّهَ تعالى قَالَ : " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا ، فَقَدْ آذَنْتُهُ
بِالْحَرْبِ " [ أخرجه البخاري ] .
وأخيراً عباد الله : إن كان الحديث عن الأمن والأمان في واحته ، والراحة
والاطمئنان في باحته ، فلا ننسى إخوان رجال الهيئة ، من رجال المكافحة
والبحث والشرطة البواسل ، والمباحث وحرس الحدود وخفر السواحل ، هم الحصن
الحصين ، والدرع المتين ، هم صمام الأمان في المجتمع ، ينافحون عن الدين
والعقيدة ، ويذودون عن الخصال الحميدة ، هم حراس الوطن ، من أخطار الفتن ،
رجال الحسبة والأمن ، حماة الأعراض والثغور ، من المعتدين والمرجفين ،
فدافعوا عباد الله عن شعائر دينكم ، وذودوا عن أعراضكم ، وجاهدوا أعداءكم ،
{ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ
مَعَكُمْ ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } ، هذا وصلوا وسلموا على خير
الأنام ، نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد أمركم بذلك ربكم الملك
العلام ، فقال في خير الكلام : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد ، وارض اللهم
عن خلفائه الراشدين ، الحنفاء المهديين ، الذين قضوا بالحق وبه كانوا
يعدلون ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعنا معهم
بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك
والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًّا ،
وسائر بلاد المسلمين ، يا رب العالمين ، اللهم وفق الآمرين بالمعروف
والناهين عن المنكر ، اللهم كن لهم وليًّا ونصيرًا ، ومعينًا وظهيرًا ،
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لهداك ، واجعل عمله في رضاك ، ووفق إخوانه
وأعوانه وأمراءه ووزراءه ، لما فيه مصلحة البلاد والعباد ، اللهم أيدهم
بالحق ، وأيد الحق بهم ،
يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم ادفع عنا الغلا والربا والزنا ، والزلازل
والمحن ، وسوء الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم إنا نسألك الجنة ،
ونعوذ باك من النار ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين في سبيلك في
كل مكان ، اللهم قوي عزائمهم ، واربط على قلوبهم ، وانصرهم على عدوك وعدوهم
، يا أرحم الراحمين ، اللهم يا ذا الجبروت ، والقوة والملكوت ، يا من لا
يخلف وعده ، ولا يهزم جنده ، اهزم اليهود والنصارى المحتلين ، وقاتل الكفرة
والمرجفين ، المتربصين المعتدين ، اللهم لا تجعل منهم على الأرض دياراً ،
واجعلهم لمن خلفهم أثراً واعتباراً ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة
حسنة وقنا عذاب النار ، برحمتك يا عزيز يا غفار ، سبحان ربك رب العزة عما
يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .