النومُ مِن المُتَعِ التي مُنِحَها الإنسان ، لِيَجِد فيه راحةً بعد جُهْدٍ
، و استعداداً لِجُهدٍ ، و ليس للنومِ قيمة ما لم يكُن مُمْتِعاً للنائمِ و
مانحاً إيَّاهُ سَعادةَ الحالِ ، و إنَّ حقنا كبشرٍ أن نستمتعَ بكلِّ
جزئياتِ حياتنا ، فلا نحرم أنفسنا شيئاً من مُتَعِها ، إلا ما كان من
الممنوعاتِ فلا ممنوعَ إلا لسببٍ غالبٍ على نفعه .
كثيرٌ من الناسِ يَخْلُدُ إلى النوم ، و يَصْحو بَعْدَه ، و هوَ هوَ في
حالته قبل النومِ ، معَ أنَّه رُبَّما أخذ وقتاً كافياً في نومه ، و قليلٌ
مَن ينامُ القليلَ و يستيقظَ و قد اكتفى بقدرٍ من النوم يُعادل وقتاً
طويلاً ، فلِمَ كان بينهما هذا الفرقُ الكبيرُ و النومُ ظاهرةٌ واحدة ؟
فهل الوقت كافٍ لتحصيل مُتعةِ النومِ ؟
و كيف يجد النائمُ مُتعةَ النوم ؟
السبيلُ إلى مُتعةِ النومِ يكون بالنوم السليم ، كأيِّ شيءٍ في الحياةِ لا
سبيلَ إلى الاستمتاعِ به إلا بطريقِ سلامةِ مُوْصِلٍ إليه ، و سلامة النومِ
لا تكون إلا بإتمام خمسة أنواعٍ يجد فيها النائم أجمل ساعاتِ نومه ، و
أمتعَ نومةٍ تمرُّ عليه .
تذكَر : النوم كيف لا كمٌّ .
1) السلامة الروحية .
الروح هي التي تعملُ بالجسد ، و تدعمه بالطاقة و الحيوية ، و تُقيمه
بالوظائف ، و عملها دائم دؤوب ، فتجد من التعبِ و الإرهاقِ ما يضطرها إلى
الخلود إلى الراحة ، و نومُ الروح و راحتها هو الأساسُ .
و السلامةُ الروحية تعني الهدوءَ و الطمأنينة الروحيَّيْن ، و تتحقَّقُ
السلامة الروحية في تلك الآداب الروحانية النورانية التي يُؤْتى بها عند
النوم ، ففي الأديان حِرْصٌ على سلامة الجانب الروحي عند النوم ، و ذلك في
توجهاتٍ دينية ، و في طقوسٍ تقليدية ، تبعثُ برسالةٍ إلى الروحِ أن تهدَأَ
في نومها ، و أن تسلَم في هدوءها .
هذه الآدابُ الروحانية تحملُ تعويذةً من شرٍّ شيطاني ، و حِصْناً من شَرٍّ
مُتَوَقَّعٍ ، في توجُّهٍ إلى الله تعالى أن يَصون و يحفَظَ ، قد تكونُ
بمنقولٍ دينيٍ ، و قد تكونُ بشيءٍ نفسيٍ في كلماتٍ تَفِيْ بالغرَضِ .
رُبَّما كانتْ أقوالاً يَتفَوَّهُ بها الإنسانُ عند نومه ، و تكون آخرَ
كلامٍ يقوله ، أو يُسَمَّع إيَّاه ، و قد تكون أفعالاً يأتي بها ، و لا
تحملُ الآدابُ الروحانيةُ إلا معانيَ إيجابية تبعثُ انشراحاً للروح .
عندما يأتي النائمُ بآداب السلامة الروحية يجد راحةً داخليةً تنقلُه هذه
الراحةُ إلى :
2) السلامة النفسية .
يُواجه الإنسان في يومه أنواعاً من المتاعبِ ، و التي ليست على حالةٍ
واحدةٍ في أثرها على نفسيته ، و يقينا سيكون تجاوبُه معها مختلفاً ، و
عائداً هذا التجاوبُ بالأثرِ على نفسيته باستقراره و توتره .
جميلٌ عند النوم أن يكون الإنسان سليمَ النفسيةِ من البقايا السلبية التي
كانت بسبب متاعبِ يومه ، لِيَضَعَ كلَّ البقايا تلك في صندوقٍ خارجَ
غُرْفَة نومه ، و إن أزالها من وجودهِ إزالة تامةً لكان أفضلَ له ، ليهنأَ
بنومٍ سعيدٍ ممتعٍ .
إراحة النفس و طمأنتها قبل النوم يمنحها تلك السلامة النفسية ، و ما أجمل
اللحظات اللواتي قبل النوم حين تكون في شيءٍ من جوالبِ الهدوء ، أو نظراتِ
التأمُّلِ ، أو محادثة الذاتِ بلغةٍ مليئة بالشوقِ للسموِّ و الغايات
الحميدة .
لِيَكُن النومُ سليماً من بقايا الأمسِ السلبية ، و لْيَكن زمناً سِحرياً
مليئاً بأسرار السعادة ، لِيَبْتَهِجَ لنا يومٌ جديدٌ سعيدٌ ، فلا سعادةَ
في اليومِ إلا بسعادة النومِ الفارقِ بينه و بين الأمسِ .
إنَّك حين تجعل نفسيتَك سليمةً من السلبياتِ المُزعجةِ تَنْعَمُ بلَذَةٍ
نوميةٍ راقية ، حينها تَظفَرُ بـ :
3) السلامة الوقتية .
إنَّ نعيم السعادة النفسية الذي يَغْمُرُ رُوح النائم و نفسَه يجعله يقوم
بمبدأ السلامةِ التي وجدَ نعيمها في الوقتِ الذي تتمُّ فيه عملية النوم ،
لأن الوقت له دورٌ كبيرٌ في تحقيق متعة النوم ، و اختيار الوقت المناسب
السليم للنوم جدواه عظيمة الأثرِ .
كثيراً ما يفقد الناسُ مُتعة النوم بسبب الوقت ، فالوقتُ المُتأخرُ جداً و
الذي بعده يَقظةٌ مُبكرة لا يجعل في النوم أيَّ مُتعةٍ ، بل يجعل النومَ
تَوتُّراً و اضطراباً و قلقاً ، لأنَّ النفسية لن تكون مستقرةً و هادئة
فيستجلب سلبيات كثيرة .
بعض الأوقاتِ لا تتناسبُ و نومَ الإنسان ، فبعض النفوسِ نمطها ليليٌّ و
أُخرى نمطها نهاريٌّ ، فنوم الليليةِ في وقت النهارِ قلقٌ و تغييبٌ لمتعة
النوم ، و وكذلك نوم النهاريةِ في الليلِ ، و عدم الاستقرارِ على وقتٍ
للنومِ كذلك مُذهِبٌ لمتعة النومِ .
فالوقت السليم للنومِ يُفضي بالمُتعة الراقية للنائم ، حيث الاستقرار
النفسي ، و في سلامةِ الوقتِ يَكسبُ النائمُ حالة السعادةِ التامةِ في نومه
حيثُ يحصُلُ على :
4) السلامة الجسدية .
هيئة الجسد عند النومِ ، و حالته بصورة عامةٍ ، لها أثر كبيرٌ في تحقيق
مُتعة النوم .
نوم النائم على ظهره أو بطنه لن تجعلاه مُرتاحاً ، و نومه على أحد الجنبين
أفضل ، و الجنب الأيمن أفضل من الأيسر ، لأن الأيسر فيه استغراقٌ سلبيٌ في
النوم و تأثيرٌ على القلبِ .
و نوم الشِّبَعِ و الرِّيِّ يُؤثرُ على استقرار و هدوء الأجهزة الداخلية ،
فتكون في نومِ الإنسان عاملةً على هضم ما فيها ، إلا من الفواكهِ فليس منها
تعبٌ لسهولتها .
الاستحمامُ قبل النومِ يُعطي الجسم نشاطاً رائعاً ، و قد يكون أجمل بكثير
من أي مُتعةٍ ، و إذا كان معه تعطُّرٌ و تطيُّبٌ فقد اكتملت السلامة
الجسدية ، فيكون النوم جداً هانئاً ممتعاً مُسْعَدَاً به النائم .
5) السلامة الهَيْئَويَّة .
هيئة النائمِ لها أثرُها في مُتعةِ النوم ، حيثُ عائدتُها على النفسيةِ و
الجسدِ ، و تأثُّرُ الروحِ بذلك ، و من أجل هذا كانتْ محلَّ نظرِ النوَّامِ
عند نومهم .
اللباسٌ النَّومي يختلفُ عن اللباسِ اليَقْظَوي ، فغالباً ما يكون لباسُ
النومِ موحياً بالهدوءِ ، و ممتازاً بالخِفَّةِ ، و ألوانُه كذلك تتميَّزُ
باللونِ الهدوئي ، فليستْ ألواناً صارخةً مُزعجة ، و ليستْ ألبسَةً
مُثْقِلَةً .
مكانُ النومِ فراشاً أو غُرْفَةً يُراعى فيه ما يُراعى في اللباسِ ،
فَخِفَّةُ المكانِ من أثاثٍ و موجوداتٍ ، و لونه الهاديءِ المُريحِ للعينِ
، و مِن ثَمَّ المريح للنفس ، فلو كانتْ الغُرْفَةُ مُزدحِمَةً بأثاثٍ
فإنَّه سيجعلُها ضيَّقَةً ، و ضيْقُ المكانِ ضِيْقٌ في النفسِ ، و لو كانت
ألونها مُزعجةً لكانتْ العين مُضطربةً مُشتَّتَةً ، و عينُ الظاهرِ دليلُ
عين الباطن .
تلك خمسة أنواعٍ من السلامة التي تتمُّ بها حقيقة الاستمتاع بالنوم ،
فلنُحَصِّلْها و لْنُحافظ عليها ، فما أحوجنا لساعاتِ من النوم الممتع كما
هي الحاجةُ إلى يقظةٍ ممتعة ، و لن نجد الاستمتاع بساعات اليَقَظةِ إلا إذا
استمتعنا بساعاتِ النوم ، كما أننا لن نكون إيجابيِّيْن و منتجين في
صَحَوَاتِنا إلا بإيجابيةِ غَفَواتنا .
لا ننسَ ابتسامةَ النوم ، و استرخاءَ النوم ، فأمامنا صباحٌ مُشرِقٌ فلنكنْ
مُشْرِقينَ ليُشْرِقَ بإشراقةِ نفوسنا ، و نوماً سعيداً هنيئاً ، و إلى
صباحٍ خيرُه أنتَ .