" رُبَّ دُرَّةٍ في مَزبَلَةٍ "
الظلامُ جزءٌ في وصف حالَي الزمن ، جزءٌ مُشرقٌ و الآخرُ مُظلمٌ ، جزءان
هما في عقلِ الإنسانِ ، لا ينفصلان عنه أبداً ، فعينُ رأسِه تراهما في
الكون ، و عينُ تفكيره تراهما في الكيف .
لتتوازَن حياةُ الإنسانِ كان الجزءانِ الضدَّان موجودان فيها ، و لن يكونا
موجودان في آنٍ واحدٍ ، إلا في حالِ اختلافِ العينين ، ففي عينِ الرأسِ
الكونُ مُشرقٌ و في عينِ الفكرِ مُظلمٌ ، و ربما كان الظلامُ في عين الرأسِ
و غدا الإشراقُ في عين الفكرِ .
هكذا نظرتنا لحياتنا ، و عين الرأسِ تبعٌ لعينِ العقلِ ، فكيفيةُ تفكيرِ
العقلِ توحي لجوارحِ التلقي فَهمَ الحياةِ ، و ترْسم عين العقلِ ما ستؤمن
به عين الرأس .
حين يَسْمرُ الإنسان في ظلمةِ الليلِ ، يُناغي النجومَ ، و يُغازلُ القمرَ
، و يُفضي إلى الليلِ سِرَّه و خبرَه ، فإنه يكون مُكَيِّفاً ظُلمةَ الليلِ
نهاراً مُشرقاً في عين عقلِه ، و حين ينبثقُ الفجرُ يسأمُ النهارَ و كأنه
محبوسٌ ، فمن الظلامِ ظلامُ الكيفيات و هو أشدُّ .
و في الظلامِ إشراقٌ ، فليسَ كلُّ ظلامٍ ظلامٌ ، ففي عُمقِ الألَمِ يُولد
الأملُ ، و في غَلَسِ الليلِ بُدُوِّ الفجرِ ، و ارتقابُ إشراقِ الظلامِ ،
و البحثُ عَن جُزئه المُشرِقِ الخَفِيِّ ليس كلٌّ يُهدى إليه ، حيثُ
الدُرَرُ في أصدافِ الغَرَرِ .
إن ازدحمَ الناظرون إلى القمرِ في اكتمالهِ ليُسامروه ففي جانبه الذي لا
يرونه إشراقٌ لا يعرفه إلا مَن ذهبَ إليه ، فهو محلُّ التفرُّدِ بالإشراقِ
الخاصِّ دون زحامٍ ، فلن يكون القمرُ منيراً من جهةٍ واحدةٍ في ليلةِ
اكتماله إلا عند أصحابِ العين الواحدة ، و عيناكَ تُرْشدانِك إلى تلك
الجهةِ التي لا يعرفونَ ، و هذه هي الحياةُ تزدحمُ الناسُ على جُزءٍ مُشرقٍ
في عينِ الرأسِ مُظلمٍ في ذاتِ العين ، و الألباءُ الفُطناءُ يجدونُ في
الجزءِ المظلمِ نوراً و إشراقاً بعين العقلِ ، حيثُ النظرةُ البعيدةُ المدى
، فكانوا بالتفكيرِ قد امتازوا و عن قُصورِ النظرِ انحازوا .
حديثٌ مع إشراقِ الفجرِ .
Abdullah.s.a