الهدية من جوالبِ المودة بين الناس ، و هي تَعْمُرُ بٌنياناً راسخاً من
المحبةِ ، لما تحمله من جليلِ معاني حقيقة الاتصال بين المُهْدي و المُهْدى
إليه .
و يَختلفُ المُهْدُون من حيثُ هداياهم ، فليسوا سواءً ، منهم مَن يُهدي
مُقَيِّماً هديته على قانونِ قدرِ المُهْدى إليه ، و لا ينظرًُ إلى الهديةِ
مُغْفِلاً المُهْدي إلا من لم يَحْظَ بشيءٍ من حقيقة المودَّةِ التي
الهديةُ رسولٌ أمينٌ يحملها إليه ، و إذْ كانَ أناسٌ ينظرون لقدرِ الهديةِ
اهتمَّ كثيرٌ من المُهْدِيْن بقدرِها فاستوضعوا نفوسَهم من أجل وُضعاءِ
نفوسٍ ، فكانت الهديةٍ ممقوتةَ المعنى ، و لا تبايُنَ بين هديةٍ رفيعة
القدرِ و أخرى وضيْعَته .
و من المُهْدِيْن من كان شأنُهُ في أن ينظرَ إلى ذات الفعلِ ، فالإهداءُ
فعلٌ شريفٌ ، يَشْرُفُ بالإهداءِ المُهدي و الهديةُ و المُهْدى إليه ، و لا
يُهدي أصحاب هذا النظرِ هداياهم إلا لمن أدركوا صِدق مودتهم ، و صحيح
محبتهم ، فكانت الهديةُ لديهم تكميلاً لأساسٍ ، و ليستْ توثيقاً بمعنى
التوثيق .
حينَ تكون الهديةُ بقدرِ ذاتِ الإهداءِ ، فإنَّ النظرَ يتقلَّب في معنى
الإهداء لا في مبناه ، و معنى الإهداءِ إبقاءُ أواصرِ المودَّةِ و
استدامتها ، و لذا جاءَ التوجيه النبوي حاملاً هذا المعنى " تهادوا تحابوا
" ، فالهديةُ تحقيقٌ لمعنى المحبة بين الطرفَيْن .
و إبقاءُ معنى الإهداءِ في الهديةِ يَكون بهديةٍ تقوم بالوظيفةِ ، و
يُعْنَى بذاتِ العُمُرِ الطويلِ ، أو ذاتِ الاستعمال الدائم ، أو ذاتِ
الأثرِ القوي التأثيرِ ، فلا تعْزُبُ عن قلبِ المُهْدَى إليه ، و لا
يَسْتغني عنها ، و لا تغيب عن جارحةٍ ، فتكون حاضرةً في كلِّ أحواله ، أو
في أغلبها ، و في مُلاحظةِ محبوباتِ المُهدى إليهِ و ميَلِهِ في الهديةِ
تحقيقٌ لتحصيلِ معنى الإهداءِ ، و هذا ذَوقٌ من سِر الإهداءِ ، قلَّ من
يَنتبِهُ إليه .
عندما تكون الهديةُ بهذا الذوقِ الرفيع يَهيمُ في واديها المُهْدى إليه ،
فيُدرِكُ بِذوقِه ما جالَ في خاطرِ المُهدي ، فيَسْتَبْقي هديته كما قَصَدَ
، على أقلِّ الحالِ في حَضْرَتِهِ ، و هذا من أدبِها الراقي ، و ربَّما
استبقى المُهْدى إليه معنى الهديةِ لدى المُهدي بهديةِ الإبقاءِ ، فغَدَتْ
الهدايا رُسُلَ وَصْلٍ ، و الرُّسُلُ لا تكذب .
قَد يستدعي الإنسانُ هديةً لإبقاءِ حقيقةِ الوصلِ ، و استدعاءُ
المُبْقِياتِ وظيفةُ عُمَّارِ المجدِ التليد ، و بُناةِ القصدِ الرشيد .
فإبقاءُ معنى الإهداءِ بأيِّ مبنى غايةٌ يَسْعى إليها أهل الكمالِ ، و تهفو
إليها نفوسُ الجَمالِ ، فالمعاني تُزَيِّنُ المباني ، و المخابرُ تُطَهِّرُ
المظاهر .
Abdullah.s.a