الإشارات تعترضُ حياة الإنسان كثيراً ، فهي ومضاتٌ في المسيرة ، و لمحاتٌ
في الطريق ، يَبدو منها شيءٌ يسيرٌ لا يكاد يفطن له الكثيرون ، تلك
الإشارات قد تكون باباً يَلِجُ منه الشخصُ نحو مرادٍ لم يكَدْ يصل إليه أو
حتى يعرف طريقاً يَهديه إليه ، فمن نباهة العقلِ مُلاحظة تلك الإشارات في
الحياةِ ، في كلِّ شؤونها و تفاصيلها ، في كلِّ الأحوال و الأوضاع .
اهتمَّ الناسُ قديما بشأن الإشارات ، و هُنَّ خواطرُ القلوبِ ، فحرصوا على
اقتناصِ فُرصةِ مجيء الإشارات يحتاج إلى يَقظة قلبٍ ، و تحديقِ بصرٍ ، و
استراقِ سمعٍ ، إذِ الإشارةُ من شأنها الخفاءُ فليستْ بيِّنة ظاهرةً ، لذلك
فلا يُدرَك إيحاءُ الإشارات إلا بما بُيِّن .
الإشارات تظهرُ في غيرِ محلِّها ، و هنا يكْمُنُ مدى الاهتمام بطروءها و
مجيئها ، فليس لها علامةٌ تدلُّ عليها ، و لا شارةٌ تُميِّزها ، و ربما
كانتْ بشيءٍ معلومٍ يُحتقَرُ ، فربما رُميت الدُّرَّةُ في المزبلةِ .
الإشاراتُ ليست نوعاً واحداً ، فهي تتنوَّع بأنواعٍ متعددة ، منها إشارات
الخيرِ تلك المُوْحية بالسداد و الإرشاد ، و هي خواطرُ يُنعم بها الله
تعالى على عبده فيفتح له بها باباً مُغْلَقاً ، و قد تكون إشاراتُ سُوءٍ و
شرٍ يُلقي بها الشيطان في القلبِ فيهيم الشخصُ على وجهه في ضَيْعةٍ ليس لها
دِلالة ، و قد تكون إشارةُ نفسٍ فتهوي بصاحبها في هُوَّةٍ لا ينجو منها .
و ليس لورود الإشارات صفةٌ معيَّنة فربما كانت الإشاراتُ لفظةً ، أو رقماً
، أو حالاً في الكونِ ، أو تغيُّراً في الزمن ، أو رؤيةً لشخصٍ أو حيوانٍ ،
و قد يكون يقظةً و ربما كان مناماً ، فيقع في القلبِ خاطرُ إشارةٍ نحو
الشيءِ الذي ألَمَّ بالشخص ، و بِفِطْنَتِهِ و يقظة قلبه يُدرك رسالة
الإشارة ، و " الحرُّ تكفيه الإشارة " .
لا يقفُ الشخصُ عند وُرودِ الإشاراتِ قائماً بالتنفيذ ، فليست الإشارات
سِوى ومضات ، و الحياةُ تُعمَر بالتدبيرِ المُحكَمِ بقانون العقلِ لا
بومضاتِ خافتة ، فتُوضَع الإشارات على مَحَكِّ المعرفة و العقلِ ، فيُقبَلُ
منها ما صَحَّ بناؤها ، و يُرفَضُ ما فَسَدَ ، و القبول للإشارات بالتسليم
تضليلٌ للعقلِ و تسفيه للرشاد ، و خبالُ العقلِ في التسليم لكلِّ عارضٍ ،
فربما كان العارضُ ممطِرُ سوءٍ مُهلِكٍ ، و في إسنادها إلى قانون العقلِ و
المعرفة تمحيصٌ و تصفية ، فيذهبُ زَبَدُها و يبقى النافع للناسِ .
عبد الله العُتَيِّق
Abdullah.s.a