الحرفُ رسالةٌ قائمةٌ بذاته ، يحملُ الكثير من المعاني الآتية بكونه مفرداً
أو مُسنداً إلى غيره ، و معانيه المُبَطَّنة أدق من تلك المُظْهَرة ، و قد
يغيبُ عن الكثير بواطن المعاني انشغالا بظواهرها .
إنَّ لكلِّ حرفٍ وظيفة تُلازمه ، فلا يَحِلُّ مكانَه حرفٌ آخرَ ، و إلا
فيختل المعنى المُراد ، و قد رفضَ قومٌ مِن اللغَويين التناوُبَ بين الحروف
، و حيثُ كان هذا في قِوام الحرفِ بذاته مجرداً من كونه مركَّباً في كلمات
تحملُ معاني ، فإنَّ وظيفته في كونه في منظومة من الحروفِ سيكون له أثرُه
الكبير .
البناءُ بالحرفِ من لطائفِ الكَلِمِ ، لأنه سيكون حاملاً شيئاً من المقاصد
الموجودة في العربية ، و في أصول كلماتها ، فإننا نلْحظ أثرَ تلك الحروفِ
في بناءِ أشخاصِ الناسِ الناظرين فيها ، و تأثيرها في نفسياتِهم تأثيراً
بليغاً ، و نلحظ كثيراً سلك الحرفَ سِلعةً لبناءِ وَجهٍ مقبولٍ له عند
قاريءٍ و إن كان مُتَرتِّباً عليه هدمٌ لجَسَدِ أمةٍ ، و تلك نظرةُ الأنا
المُحقَّرة مِن قِبَلِ بُناةِ معانٍ بَناهم حرفُ الوصف .
حين يكون قَصْدُ الكاتبِ مِن رَقْمِ حَرْفِهِ أن يجعلَه لَبِنَةً في حائطِ
الانتهاضِ يُقبلُ قُرّاءُ الحرفِ يَسُوقهم المعنى المُبَطَّن ، فأرواح
الأشياءِ تَدعو الأرواح ، و لأجل هذا يُرى الإقبالُ على حروفٍ ليستْ بتلك
الصَّنعة الكتابية أكثر من ذوات الصنعة الكتابية ، لعِلَّةِ القصد البنائي
.
وظيفة الحرفِ في معناه ، و معناه مطروقٌ عند أهل المعارفِ مِن جهتين :
الأولى : جِهة الفردية ، فكلُّ حرفٍ له معناه المنفردِ به ، و تلك المعاني
لا يُتَوَصَّلُ إليها إلا من خلالِ تأملاتٍ ذَوقية ، أو متعلقةٍ بعلومٍ
اندثرَ المشتغلون بها ، و في معاجم اللغةِ تلميحٌ ، كما في تصانيفها تصريح
.
الثانية : جهة التركيب ، من حيثُ انضمام الحرفِ إلى غيرِه ، و المُنْضَمُّ
إليه نوعان :
الأول : كلمة ، و تلك الأحرُفُ التي لا يَظهرُ معنى كلمةٍ إلا بها ، أو لا
يظهرُ معناها إلا بالكلمة ، و أقربُ إلى ذلك ما يقوله أهل النحو : أو حرفٌ
جاءَ لمعنى ، فيقصدون به الأحرف المجردة الأبجدية .
الثانية : حرف ، و هي العملية التي تتكون بها الكلمةُ ، فليس للأحرفِ
المنفردةِ معنى كمعناها حين ينضمُّ بعضها إلى بعضٍ ليتكوَّن منها كلمة
يُدركها القاريءُ .
و مراعاةُ الكاتبِ أثرَ الحرفِ في البناءِ مِن الأمانةِ المُلقاة على أهل
القلم ، و مَن لَم يُدرك ، أو لنْ يُدرك فلا يُقْحِمَنَّ نفسَه في شيءٍ هو
في عُذرٍ منه حيث كان القلم عنه مرفوعاً ، و أهلية الكتابة عنه موضوعة ،
فالحرفُ حينئذٍ حتفٌ ، و الحتفُ ليس بناءً .
Abdullah.s.a