الاستقرارُ في الحياةِ غايةٌ يَسعى إليها كلُّ بني الإنسان ، و يبحثون عنها
في محالَّ كثيرةٍ علَّهم يقفون على طريقٍ يُوصلُ إليها أو يصلون إلى نعيمها
، و في التواصُلِ بين بني آدمَ تحقيقٌ لشيءٍ من الاستقرار المنشود ، و
التواصُلُ بالزواجِ يُحقِّقُ كثيراً من الاستقرارِ ، حيثُ كانتْ الغايةُ من
وجوده و ميلِ النفوسِ إليه ، فلا استقرارَ إلا بسكونٍ .
الاستقرارُ الزوجيُّ غايةٌ تنتظمُ وجودها و تضمن توافرها أصولٌ ثلاثةٌ :
الأول : المحبة ، فهي جوهرُ بقاءِ التواصُلِ
، و بدونها يكون التواصُلُ الجسدي الظاهري ، و ليس في الزواج معنى فيه ، و
إنَّما معناهُ في التواصُلِ الروحي الباطني ، و لا يتأتَّى إلا بوجود
المحبة .
تبادُلُ المحبة بين الطرفين أصلُ الاستقرار الزوجي ، و بهِ يكون السَّكَنُ
الذي الاستقرارُ ثمرتُهُ ، و المحبةُ الفرديةُ في الحياة الزوجية نافيةٌ
للاستقرار الزوجي المقصود ، و ضرورة التبادلِ تحقيق للتواصل .
التوازنُ في المحبة الزوجية منجاةٌ ، كما أن التساوي مهْلَكَةٌ ، فالتوازن
عدلٌ و التساوي بذلٌ بِذُلٍّ ، و العدلُ الإتيان بالشيءِ على قدرِ
الاستطاعةِ و القُدْرة مع صِدقٍ و مودة ، و البذلُ منحٌ يعتريه نقصٌ في
مُعْتَرَكِ المنافَسَة لابتغاءِ المساواةِ فَثَمَّ الخللُ .
في تجويد إيجاد المحبَّةِ في عملية الاستقرارِ الزوجي تواتينا الحالُ
لإيجادِ :
الثاني : الاحترام ، فالمحبةُ تدفع الطرفين
لحفظِ مقام كلٍّ لدى الآخر ، و سعايةٌ لصيانةِ جانبِ المودةِ بالعنايةِ
برعايةِ خواطرِ الحبيب ، فتُغْفَرُ الذنوب ، و تُستَرُ العيوب ، وهذا من
جواهر الاحترام بين الناسِ .
و الاحترامُ إعزازٌ و تعزيز ، فإعزازٌ للذاتِ و الآخر ، و تعزيزٌ لبقاءِ
ذلك ، و في تبادُله بين الزوجي تحصيل لكمالِ الاستقرار ، و في تفرُّدِ أحد
الطرفينِ به دون الآخرِ توتيرٌ و تأثيرٌ ، توتيرٌ للاستقرارِ فيكون على
شَفَا جُرُفٍ هارٍ ، و تأثيرٌ على الطرفِ الآخرِ لأن الجانبَ السيئ جالبٌ
سُوءَه للحسَنِ ، فالصاحبُ ساحبُ .
عندما يُمَكَّنُ الاحترامُ في الحياة الزوجيةِ يَبدو وجودُ :
الثالث : المشاركة و التعاون ، فالحياة
الزوجية تبادُلٌ و تعاونٌ ، و مشاركةٌ في بناءٍ و تأسيسٍ ، لن تتأتَّى
فُرْصَةُ المشاركة و التعاون ما لم يكنِ الاحترامُ موجوداً بين الزوجين ،
فإذا انعدَمَ الاحترامُ لن تقومَ للمشاركة بينهما قائمة ، بل تقوم قائمة
الإفسادِ و الإهمالِ ، فينعدم الاستقرار .
و المشاركةُ بين الزوجين ليست مقصورةً على ظاهرية الحياة بينهما ، و إنما
مشاركةٌ كاملة تشملُ كل مناحي الحياة الزوجية ، و بقدر كونِ المشاركة روحية
عاطفية تتوطَّدُ المشاركةُ الجسدية ، فالمشاعرُ بواعثُ المخابرِ و محارثُ
الظواهرِ .
تلك أصولُ الاستقرارِ الزوجي التي يتحقَّقُ بها السَّكَن إلى كلا الزوجين ،
و بينهما و فيهما فروعٌ تُسْتَخْرَجُ بذَوقِ المعايَشة و ممارسةِ الأصولِ
بكمالِ المعنى .
Abdullah.s.a