تَوطِيءٌ :
في أحايينَ تمرُّ على الإنسانِ تدفعه إلى أن يُمسِك بالقلَمِ ليرْقُمَ
شيئاً جالَ في خاطرِه ، و باحَتْ بِهِ نفسُه إلى عقلِهِ سِراً ليكون منه
إبلاغاً .
تتفاوتُ تلك التي تجولُ في الخاطر ، و تتنوَّع ، فليسَ يشملُها فَنٌّ ، و
لا تندرجُ تحتَ تصنيفٍ ، لأنَّ الخواطرَ طيَّارةٌ سيَّارةٌ ، تضربُ فيافيَ
العقلِ و تجوبُ جوَّ سمائه ، فلا يجري عليها زمانٌ و لا مكانٌ ، و إنما
حَسْبَ بَوْحِها حينها .
الخواطرُ منها ما جوهرٌ و منها ما هو زيفٌ ، فالعبرة بجوهرية الخاطرةِ ، و
جوهريتها بمعناها لا بمبناها .
تطلبُ الخواطرُ من الشخصِ أن يكون مُقيِّداً إياها حين ورودها ، و إلا فلا
تستقر ، لأنها تطيرُ أو تسير ، و لا إلى مُستقرٍّ تصير إلا بكتابتها في
طرْسٍ بيراعٍ يُبقي و لا يُفني .
كانت لي مع تلك الخواطرُ ما رَقَمْتُ منها جواهراً باقيةً في محلِّ
الصِيانة و الرعاية ، و تتنوعُ و تتشكَّلُ في فنون و مجالاتٍ ، ارتأيتُ أن
أضعَ شيئاً منها في سلسلةِ (] جواهر الخواطر [)
، أُتحفُ بها قارئاً يلتقطُ خاطرةً ترتقبُ محلاً لتستقر فيه .
178) قانون الصداقة بصورة عامة هو التركيز
على الايجابية ، لأن الصداقة صِلةٌ إبقائية و ليست إفنائية ، علاقة لتدوم
لا لتزول ، و عندما نراها بعين الإيجابية في الإيجابية نكون قد أبقيناها ،
و لكننا حين نراها بعين الإيجابية في السلبية نكون قد هدمناها في مهدها ،
كما لو أننا رأيناها بعين السلبية في السلبية أو بعين السلبية في الإيجابية
.
قانونٌ ثانٍ : الصداقة إما أن تكون صداقة أرواح أو صداقة أشباح ، فصداقة
الأشباح ترابُطٌ رُوحيٌ باطنيٌ قلبيٌ ، فيكون التواصل بين الصديقين من خلال
بواطنهم و تخاطر أرواحهم حتى لو كانا بعيدين جسداً أو خبراً ، و هذه أساسُ
الصادقات و جوهرة العلاقات .
و صداقة الأشباح ( الأجساد ) لا تبقى ، و لا يُضمنُ دوامها لأنها تكمُن في
التواصل الجسدي من خلالِ حواسِّه ، و الحواسُ لا يُضمن صِدق تعبيرها عن
الباطن ، و ربما تكون صداقة الأشباح ردماً لصداقة الأرواح .
قانون ثالث : الصداقة الروحية تفتقرُ لأصولٍ ستةٍ حتى تتوطَّد و ترسخ :
الثقة ، الاحترام ، التسامح ، التشجيع ، المشاركة في الأحاسيس ، المحبة .
و بدون هذه الأصول الستة يكون فيها نوعٌ من الخلل ، و متى طرأ الخللُ في
طرفٍ من الصداقة تأثر الطرف الآخر تلقائيا ، لأن العلاقة روحية ، و الأرواح
لها لغتها الخاصة في التخاطُبِ .
(2)
186) " البقاءُ للأقوى " أؤمنُ بها إيماناً كاملاً ، لأنَّ القويَّ هو
فَوقَ الضعيف ، و القوةُ متنوعةٌ و ليست شيئاً واحداً ، كما أنها ليست
محصورة في شيءٍ لا تتجاوزه إلى غيره ، فهناك قوةُ : الفكر ، و الذات ، و
التواصل ، و العطاء ، و الذكاء ، فهي تشملُ كلَّ مناحي حياة الإنسان ،
فبقدرِ قوته في جزءٍ من حياته يكون بقاؤه به ، و يكون فانياً بسبب الجزء
الذي بقيَ ضعيفاً فيه ، و هكذا في كل بني الإنسان البقاءُ للقويِّ في
الجزءِ الذي بانتْ فيه قوته ، و الفناءُ له في الجزءِ الذي بان فيه ضَعفه .
(3)
188) لا تخلو المسائل المطروقة في الساحة الشرعية من كون كثيرٍ منها داخلٌ
في دائرة الأدب و المروءة ، و ليست في دائرة الأحكام الشرعية ، و كل فعلٍ
يكتنفه طرفان : شرْعيٌ ، و أدبيٌ ، و يميلُ إلى أحدهما فيأخذ أحكامه أصالة
، و يُلْحَق بأحكام الطرفِ الآخرِ بمقتضى الحال و الزمان و المكان .
و ما كان من الأخلاقِ و المروءات يُتسامَح فيه ما لا يُتسامَحُ في جوانب
الأحكام الشرعية ، و الأحكام الشرعية لم تأتِ على نسقٍ واحد في الحكمِ
مُوحَّداً مُجمَعاً عليه ، بل كلُّ أمرٍ يتجاذبه حكمان على الأقلِّ ، و إن
كانَ مُجمَعاً على أصله ففي فروعه خلافٌ ، و من ألحقَ الكتبَ نظرَه أدرك
ذلك .
عبد الله العُتَيِّق
(4)
200) يعتري المرءَ حالةٌ يكون فيها بين مدٍّ
و جَذرٍ ، بين قلبٍ و عاطفة ، بين عقلٍ و هوى ، أمرانِ كلاهما مهمٌّ من
ناحيةِ العين الداخلية له ، غيرَ الملابسات التي تُلازم الحالة فلها دورها
، يكون المرءُ في هذه الحالة في دائرة من الحيرة يفقد فيها حلَّ الأمور
لعدم قبضه زمامها ، فيبقى حيراناً معَ حلمه و عقله ، هذه الحالة جوهرُ قيمة
العقلِ ، لأن المرءَ كائنٌ في مفرقِ طرقٍ ، و ما غلبَ من الطرفين
الجاذِبَيْن على الآخر يكون بعد ترددٍ طويل صعبٍ ، وهذه أصعب حالات المرءِ
عند اتخاذ القرارات .
(5)
204) هتك عِرْضِ خَصم المناظرات آفةٌ يقَعُ
فيها مَن ضعُفَتْ حُجَّته ، و هزُلَتْ براهينه ، فيرومُ بِقَعْقَعَةٍ
يَظنها مُقْنِعَة ، و ينْحو لمذمةٍ يَخالُها مُتِمَّة ، و ّذو الصِدْقِ في
الجدلِ ، و الرغبةِ في دراية الحقِّ يقف على البراهين و لا يَعْدوها للذاتِ
، لذا فهو يبوءُ بغلَبَةٍ و لو كان مُخطئاً ، لأن الحوارات قائمة على الحجج
العقلية و البراهين المنطقية و القواعد العلمية ، و يسقطُ في ميدان
المناظرات من ليس قائماً بواجب الحالِ ، و صِدق المقال ، و وجيه الاستدلال
.
يتبع ..
Abdullah.s.a