الرسالةُ هويةُ الشخصِ لذاته و للآخرين ، يحملها بين دفتَّيْ صدره ، يسعى بها
في الدنيا ناشراً ، و هي : تحدوه في مسيرِه ، تبعثُ فيه العزيمة ، و تفتحُ له
آفاقاً .
صاحبُ الرسالةِ يَحترمُ ما تُمليه عليه قوانين الرسالة ، و يُعظمُ مباديءَ
الرسالة ، فيكون في ذلك كله محترماً ذاتَه و مُعظِّماً مبادئَه ، لأنه بذلك
سيكون لرسالته وقعها عند من يعرفُ قدر الرسالات .
ليست الرسالةُ فكرة يتبناها الشخصُ فتكون لائحة أمام عينيه في كلِّ حين ، و
إنما الرسالةُ معنًى قبل أن تكون حِسَّاً ، و خُلُقاً قبل أن تكون خَلْقاً ، و
صفاتٍ قبل أن تكون ذاتاً ، جوهرُ الرسالةِ في المخبَرِ لا المظهر ، و في الباطن
لا في الظاهر .
لو كانت الرسالة مجرَّد أفكارٍ يَحملُ الشخصُ على عاتقِه لواءَ الانتماءِ إليها
دون أن تكون لها معاني عائدة على الباطن ، بل منبعثة من الباطن ، لكان حُملانه
لوحاً أو ورقةً يرْقُم فوقها أسطرها رسالته كافياً عند الناس ، الظواهرُ في
المرءِ _ خُلُقاً ، و صِفةً ، و تعبيراً _ هي تعبيرٌ عن معاني الرسالة التي
دُفِنَتْ في قاعِ باطنه ، فأبتْ إلا أن تظهرَ دون إرادة منه ، لأن الحقائق لا
تُزيِّفها البوارق _ جمعُ بارقة _ .
إن لم تكن الرسالةُ الظاهرة للشخصِ حاكيةً الرسالة الباطنة تخلَّفَ الناسُ عنه
، لأنَّ الصدقَ أساسٌ في كلِّ رسالة ، و التبايُنُ بين ظاهرِ الرسالة و باطنها
ليس صدقاً .
كذلك الرسالةُ تهذيبٌ للذات ، و تكميلٌ للصفاتِ ، لتكتمل رسالتها ، فإنَّ
الصفةَ مَظهرٌ لما فهمته الذاتُ عن الرسالة ، و بقدرِ الفهم يكون التعبيرُ .
الرسالةُ تُبْعَثُ إلى :
_ الذات ، يَحملُها الشخصُ ليُهذِّبَ به نفسَه ، و يُجمِّلَ صفاتِه ، و
يُزخرفها بأغلى الحُلي المعنوي و الحِسي ، حينها يقوم بُنيانُ الذاتِ على أساسٍ
متين ، و قاعدة رصينة ، فلا يتزعزعُ البُنيان ، و لا يطرأُ عليه الهدمُ .
عندئذٍ يكونُ البَعْثُ الثاني إلى :
_ الآخر ، فتصلُه الرسالةُ حساً و معنى ، ذاتاً و صفاتٍ ، فتبلُغه مقاصدها ، و
يكتفي حينها بالإشارةِ عن العبارة ، فتقَع في قلبِه موقعاً مقبولاً كما كانت من
صاحبها .
فلن تبلغ رسالةُ أحدٍ إلا حيثُ بلغتْ منه حساً و معنى ، فَقِوامُ الظاهرِ
بالباطن ، و العبرةُ بصفاتِ الذات لا بذات الصفات ، فالولوجُ من الحرفِ المرسوم
إلى الوصف المفهوم في الرسالة قصدٌ بليغٌ ، به قامت رسالات الكبار .