تستهويني حالةٌ من التأمُّلِ في الحرفِ ، فأستخرجُ من تأملاتي في بعض الحروفِ
عجائبَ في الفِكرِ و الأدبِ و التربية ، حيثُ أنَّ الحرفَ جاءَ لمعنى ، و ليس
كما يرنو إلى النُّحاةُ ، فكلامهم من حيثُ البُنية و كلامي من حيثُ القيمة ، و
فرقٌ فَلا فَرَقَ .
تفكرتُ قبلُ و بعدُ في (( رمضان )) و حروفِهِ ، فقمتُ بكتابةِ كلماتٍ أحسبُها
مِن ضَيْعةِ الوقتِ و إن حفظت ، و من المذمة و إن مُدِحَتْ ، فأحببتُ أن
أُوقِفَ عليها نَظركَِ حينَ تقرأ ، لعلها بذلك تُكون ذات اعتبارٍ و إن كانت إلى
بوارٍ .
فأستلْهِمُ من حرْفِ :
( الراء ) : رؤيةً ثاقبةً في العملِ ، و رويَّةً في المسيرِ ، و رجاءً للثوابِ
، و رغبةً في المرادِ ، و رَوماً للكمالِ ، و رونقاً في الخِصالِ ، و رهبةً مِن
الصَّدِّ ، و رجفةً عند الردِّ ، و رعونةً عندَ النقْصِ .
( الميم ) : مَنَّاً بالفضائلِ و الخيرات ، و مَحَّاً لبلاءِ النفسِ و رعوناتِ
الهوى ، و مَجَّاً لِحَظِّ الشيطانِ و الأمَّارة ، و مروراً على سَنَنِ مَن
سَبَقَ ، و مَشَّاً (1) في معاملةٍ .
( الضاد ) : ضمَّاً للقلبِ على شملٍ تِمٍّ ، و ضجَّاً في سباقِ غُنْمٍ ، و
ضَرَّاً (2) في العزْمِ ، و ضِغناً على دناءةٍ تُكتسى و سفاهةٍ تُعيق ، و
ضَفناً (3) بإرشادٍ و توجيهٍ ، و ضماناً لبَيْنيْنِ مُفسدين يتبعه ضمانٌ لجنةٍ
غَيرَ ذي مَيْنٍ .
( الألف ) : إقبالاً بِشَوْقٍ ، و إيتاءً بِثَوقٍ ، و إكمالاً لنقصٍ ، و
إتماماً لتقصيرٍ ، و إبداءً لنفعٍ ، و إظهاراً لِحُسْنٍ ، و إقراضاً لمالٍ ، و
إيفاءً لوعدٍ ، و إعانةً على نائبةٍ ، و إعطاءً لذي مَسْغَبةٍ .
( النون ) : نَزْواً نحو المعالي السامية ، و نَخْلاً لتهذيبٍ و تأديبٍ ، و
نَدماً على فوتِ فُرْصَةٍ ، و نَدَهاً (4) لهمةٍ عن دُنوٍ و سُفلٍ ، و نَدحاً
(5) في خُلُقٍ و أدبٍ ، و نزْعاً لِشِرْكَةِ الهوى لاستقلالِ أصلِ الهُدى ، و
نزفاً (6) للجهدِ في بلوغِ الغاية بكمالٍ و تمامٍ .
__
الهوامش :
(1) المشُّ : اللين و السهولة و اللطف .
(2) الضر : القوة .
(3) الضفن : الرميُ بخفاءٍ .
(4) النَّدَه : الزجرُ و المنع .
(5) الندح : السَّعةُ في الشئ .
(6) النزف : النفاد و الانقطاع .