|
قال الأخطلُ :
إنَّ الكلامَ لفي الفؤادِ و إنما *** جُعلَ
اللسانُ على الفؤادِ دليلا
اللسانُ آلةُ التعبيرِ عمَّا في القلبِ ، بِهِ يُظهرُ الشخصُ مُراده و مقصدَه ،
يَصِلُ المعنى المُرادُ إليه بعد تفهُّمِ العقلِ لما في القلبِ ، و اختلاف
التعبيرِ بِه باختلافِ تبيُّنِ العقلِ له ، و تبيُّنُ العقلِ متفاوتٌ بقدرِ
فهمه لمقصد القلب .
يرْغبُ كثيرٌ من الكَتَبَةِ و المُتكلِّمَةِ أن تكون أطروحاتهم ذات تميُّزٍ
لُغويٍ ، و لكنْ لا يهتدي غالبُهم لطريقِ تنميةِ ذلك ، رغبةً في مشاركةِ
الإنماءِ الذاتي ، و تطويرِ الطاقاتِ البشرية ، و حفظِ جوهرية اللسانِ كانت هذه
الأكتوبةُ موجزةٌ ، تُبرزُ معالمَ الطريق ، مُهداةً لكلِّ صديقٍ .
[ تنبيهٌ :
سأذكرُ ما أقدرُ عليه مِن كتُبٍ في مواضِعَ ليسْهُل الرجوعُ إليها ]
قِوامُ التنمية :
لتنمية اللسان ركائزُ هيَ قِوامُ
بُنيانها :
أولها :
بُنيةُ الكلام ، فإنَّ الكلامَ العربيَّ قائمٌ في بُنيتِه على أساسين :
الأول :
بناءٌ صرْفيٌّ ، و هو ما يقصده النحاةُ و الصرْفيون من تأسيس بُنية الكلمة و
ذكر أصلها و تحويلها حسْبَ الأحوال .
الثاني :
بناءٌ إعرابي ، حيثُ مراعاة وضْعِ الكلمةِ في إعرابها ، حيثُ : الرفعُ و النصبُ
و الخفضُ _ الجرُّ _ و الجزمُ ، و لكلٍّ علاماتها من حركةٍ أو حرْفٍ ، و يُذكرُ
ذلك في أبواب النحوِ .
الاعتناءُ بالبُنيةِ الكلامية من هذه الجهةِ تأسيسٌ لصحةِ الكلمة ، و تدعيمٌ
قوي لقاعدة اللسان ، حيثُ سلامةُ الكلمةِ من الخطأ البُنْيَوي ، تجدُ في بعضِ
الكتاباتِ _ و التبعيضُ تكثيرٌ ، هنا _ مَن لا يُحسنُ ذكرَ أصلِ الكلمةِ صرفياً
، و يُخطيءُ الأكثرون في سَوقِها نحْوياً ، وباختلال البُنيةِ اختلالُ المعنى .
ثانيها :
حليةُ الكلام ، لكلِّ بُنيةٍ حِلْيَةٌ ، و حليةُ الكلامِ جمالٌ أخاذٌ ، و سحرٌ
جذَّاب ، يسلبُ لُبَّ القارئ ، و يسرقُ قلبَ السامع ، و الإبداعُ مرتَعٌ خَصْبٌ
، و مورِدٌ عذبٌ ، يشتكي في ظلمةِ ليله هجرَ الوُرَّاد ، و يُظمئُ نهارَ لفظه
في مغازلةِ السُّهاد .
حِليةُ الكلامِ تنتظمُ :
أولاً :
حليةٌ لفظيةٌ ، و هي المُحسِّناتُ اللفظيةُ في الكلام ، فجمالُ الكلمةِ في
لفظةٍ حسنةٍ ، و عبارةٍ مُستحسنةٍ ، أجاد اللغاةُ في وضعها ، و حُليُّ اللفظِ
أقسامٌ :
القسم الأول :
الغريبُ ، فإنَّ لغريبِ اللغةِ رنةً ، تلفتُ النظرَ إليها ، و الغريبُ ما
استغربَه الشخصُ لِجِدَّتِهِ عليه و جودتهِ في اللغة ، و لا يُنظر للغريبِ
المُسْتَهجنِ _ لفظاً أو معنى _ فهو تقبيحٌ للحسنِ ، مذمومٌ عند اللغويين .
من الغريبِ المكتوبِ ما كان من ذكرِ ألفاظٍ تؤدي معنى واحداً ، كتبَ فيه :
الهمذاني في " الألفاظ الكتابية " _ و تحقيقُ أميل يعقوب أجملُ لأنه تمَّمَ
فصولَ الكتاب بالفائتِ معتمداً على " نُجعة الرائد " لليازجي _ ، و ابنُ مالكٍ
في " الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة " .
القسم الثاني :
الشعرُ ، فللشعرِ رونقاً في النثرِ ، و لا زال الناسُ يأذخهم الشعرُ و معناه ،
و يسحرهم القريض و مبناه ، ومنثورِ حِكمِ الشعرٍ كثيرٌ جداً ، و شواهده أكثر .
و حيثُ كثرَ الشعراءُ ، و لزمت الكَتَبَةَ الحيرةُ فإن الانتقاءَ حسنٌ ، و قد
كان مسلكاً جميلاً أخذ به أفذاذ العربية ، فانتَقَوا :
_ أشعاراً ، حِساناً ، مِن أجمعِ ما وقفتُ عليه : " مختاراتُ البارودي " في
أربعِ مجلداتٍ ، و " مجمع الحكم و الأمثالِ " لأحمد قَبَّش .
- شعراءَ ، يأخذُ عقلَ بعضٍ شعراءَ بشعرهم ، لتوافُقٍ و انجذابٍ ، و لجودةٍ و
انسياب ، لديَّ الشعراءُ السِّتة : أبو الطيِّبِ المتنبي ، الشريفُ الرضي ،
ابنُ المعتزِّ ، صفيُّ الدين الحِلِّي ، أحمد شوقي ، محمود البارودي .
القسم الثالث :
السَّجعُ ، سحرٌ حلالٌ ، نثرٌ أشبهُ بشعرٍ ،
أفضلُه ما تساوتْ فِقَرُه ، و حُسنه في رصانةِ تركيبِهِ ، و سلامته من التكلف ،
و خلوِّه من التَّكرارِ ، سلكه البلغاءُ و الأدباءُ ، سهلٌ لمن أكثر القراءة في
كتاباتِهم ، و أدمن النظر في ألفاظ العربية .
حسنٌ قراءةُ : " المقامات " للحريري ، و كتبِ ابن الجوزي ، و غيرهما .
ثانياً :
حليةٌ معنويةٌ ، تسري المعاني حيث المباني ، و كذا العكس ، فكما المعنى في بطنِ
الشاعرِ ، فكذا النثرُ ، إذا ما حُلِّيَ اللفظُ بحليته المعنوية ، و حليةُ
المعنى الكلامي في بلاغته ، و هي تجويدٌ معنويٌّ في تشييدٍ لفظي ، و البلاغةُ :
معاني ، و بيانٌ ، و بديعٌ ، و لكلٍّ بَحثُها مطوَّلاً .
أملي بوضعٍ نقاطٍ على أحرفٍ ، على وِجازةٍ كما ذكرتُ ، و الحالُ الاختصارُ
لطرْحٍ موسَّعٍ .
عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق
2/7/1428
16/7/2007
الرياض