الأماني تبقى أوهاماً ما لم نضعها على أرض الواقع، ما لم ننقلها من حيِّز
التنظير إلى حيِّزِ التطبيق، و عندما نبدأ بتطبيقها في واقعنا نكون قد
أوجدنا لها حقيقة ملموسة بإحدى جوارحنا و مُدركاتنا. فإننا نعيشها حيَّة
بيننا. كثيراً ما نتمنى أموراً أن تتحقَّق، و في أيدينا تحقيقها، و لكن
تنتظرُ هي منا أن نبدأ في تنزيلها في أرضنا عملياً. و حينما تنزل تلك
الأماني و الأهداف في ميدان العمل نبدأ ننظر إليها بنظرةٍ أُخرى مغايرة
للنظرة إليها حينما كانت في الأذهان، فنبدأ بالشعور بحياتها، و الإحساس
بقيمتها. نمارسُ الكثير من أعمالنا في اليوم و الليلة، و بعضها قد لا
يتكرر، و الكثير منها يتكرر، و لكنها يكون روتينياً، فلا نشعر بفرقٍ بين
ممارستنا له بالأمس وممارستنا له اليوم، و أيضاً في الغد. و هنا تكمن نقطة
عدم تلذذنا بأعمالنا. لأنها أصبحت عادة مكرورة كل يوم و حين. ما نمارسه
كثيراً، و نقوم به بصورة متكررة، يغدو لدينا متملِّكاً أنفسنا، فيكون
كأنفاسنا، نعيش بها و لا نشعر بحركتها. و العادات حِسانٌ حينما تكون متميزة
في كل تجدد، لكن عندما تكون هيَ هيَ في كلِّ مرة تأتي فيها فإنها لا تعني
سوى ملء الفراغِ الزمني و الحياتي. قيمة الممارسة للأشياء التي هي من صميم
غاياتنا و أهدافنا، و نرى أن لها أثراً في صناعة حياتنا و تأثيرنا في
الوجود أن متميزة، و أن تكون في تلقائيتها انتقائية، بمعنى: أن تكون كلما
أتتْ و تكررتْ تكون منتقيةً جديداً من القيمة تُضيفه في جوهر حياتنا.
الممارسات الدائمة المستمرة للأعمال تكون مَلَكَةً، نقوم بها بتلقائية و
عفوية، لكنها تحتاج إلى إضافة جوهرية، و لو يسيرة، لتكون متميزة، و بهذا
تكون الحياة متجددة، و تكون الشمسُ في كلِّ إشراقةٍ تحملُ يوماً آخرَ، فيه
الجديد، فلنكن كالشمسِ في ممارستنا اليومية.