الحرية الفكرية ليست مقيدة ، و من قيدها فهو يهتك حرمتها بقلة فهمه و عقله
، الحرية تعني عرض الفكر و تعني مناقشته و تعني رده و نقضه ، من أساء عومل
بقدر سوء تصرفه ، و من أحسن كذلك ، لكن أن تكون معاملة المدافع أو المحاوِر
أسوأ من معاملة المحاور الآخر فهذا يعني أن الحرية مفهومة بخلل و عِلل .
حتى نثبت قيمة الحرية لا بد من مناقشة ما لدى الآخر بعلم و أدب ، و ألا
نتجرأ على المقدسات مهما كانت ، من لم يعجبه ذلك فليرتحل فليست الحرية
مكانا لتفريغ الشحنات ، لكل شخص مقدساته ، فيجب احترامها ، و من تعرض
للمقدسات بالاستهزاء يجب أن يوقف عنده حدوده ليعرف أن هذا المكان لا يسع
إلا الجادين . كل دينٍ سماوي سليم من الخلل في أصله ، و لا خلل إلا في
أتباعه ، فعليهم الخطأ و إليهم يوجه النقد ، أنبياء الأديان سليمون فيما
يتعلق بالدين ، و الأديان تواكب معطيات زمانها ، فهذه مقدسات ، في كوني
مسلماً أتقبل الآخر على أي طيف و دين إلا أنني لن أسب عيسى و لا موسى و لا
أنتقدهما لأنهما مرسلان من الرب الذي أرسل محمداً ، و لكنني قد أعيب شيئا
في أتباعهما كما أعيب في أتباع نبيي محمد ، فالأديان و الأنبياء و الله
مقدسات عند كل الدينيين ، و أما الأتباع فلا . مقبول عرض المقدسات للحوار
حولها بالعلم و الأدب لا بصورة السخرية و الاستهزاء ، و المستهزيء ينال ما
يستحقه ، لكن أن يستهزيء اثنان من فكرين فيعاقب المدافع و يترك المتعرض
فهذا خلل في فهم الحرية ، بل القائم بعملية المعاقبة مدعٍ للحرية و لا يفهم
شيئاً عنها . حين يقوم شخص بطرح فكر ليُلزم بأن وجهة نظره صحيحة فإذا
حُوْوِرَ لم تكن لديه الحجة فهنا الحرية دعوى لا بينةَ لها .