|
" ثقافة الفوز أن تنظر إلى القوة لا الضعف "
إبراهيم العُتَيِّق
الإنسان يَطمح للغلَبة و
الانتصار على الآخرين في أيِّ مجالٍ في حياته ، فلا يرضى أن يكون غيره أعلى
منه ، كما أنه لا يُحب أن يغلبه أحد في ساحاتِ العِراك و التصارع التنافسي
نحو الأعلى و الأسمى في الحياة .
لذا ؛ كان الأهم لديه أن يكون متأهِّباً لكلِّ حالةٍ يكون فيها صراعٌ و
تنافس نحوَ الكمال ، و لا يكون متأهباً ما لم يكن ناظراً بدقَّةٍ في مكامن
قوته و أسلحة المعركة ، فالحياةُ ليست إلا بسلاحٍ ، و النجاح له أسلحةٌ
كثيرة ، و قيمة السلاح في قوته و جودته ، و إن لم يكن كذلك فليسَ إلا اسماً
مُعاراً يجلبُ عاراً .
كلُّ إنسان فيه من القوةِ الكثيرُ ، كما أنه فيه من الضعيفِ شيءٌ ، و
الشيءُ كَفَيءٍ ، و الفيءُ لا يستقر ، و من الفطنةِ في منافسَةِ الآخرين
على بلوغ النجاح أن ينتبه الإنسان إلى تلك المكامن التي فيها قوته ، و يبحث
عنها و يُوفِّرها ، لتكون قائمة بعملها ، كما أنه ينبغي له أن ينظرَ إلى
مكامن الضعفِ فيسعى في تقويتها و تجويدها ، و ألا يغُضَّ النظر عنها حيناً
و إلا فـ " رُبَّ جُرْح أصاب في مقتلٍ " .
سلاحُ النجاح هي القوةُ المختزنة لدى الإنسان ، و هي الذاتيَّة العظيمة
التي تجعله يسيرُ في طلب الشيءِ بيقين البلوغِ و التحصيل له ، و هي أشياءُ
لها حقيقتها و أثرها في واقع حياته ، و إن لم يكن لها أثرفي واقعه فليست
إلا أوهامٌ و الـ " وهم سيبتره النسيان يوماً " ، و لا تبقى إلا الحقائق ،
كما أنه لا يصح إلا الصحيح .
البحثُ عن تلك الأشياء التي هي أسلحةُ السعي للنجاح خطوةٌ أولى ، و هي من
الأهمية بمكانٍ ، فيبحثُ عن نقاط قوته في كلِّ شيءٍ ، فيتلمَّس ذات أنحاءِ
عالَمه ليحصل عليها ، و بقدر البحثِ يكون البعثُ ، فإن أكثرَ البحثَ و
التنقيبَ وجدَ كثيراً ، و إن قلَّل البحث قلَّ الموجود .
محالُّ القوة عند الإنسانِ مُوزَّعَةٌ في كيانه كلِّه ، و لكلِ جزءٍ منه
شيءٌ من القوة ، فلديه في : العقلِ كثيرٌ من صور القوة ، و العقلُ أقوى قوة
يمتلكها الإنسانُ ، حتى لو فقد بقيَّة الكيان القائم به الجسم ، ففيه
التفكيرُ و التدبير و الإدارة و القيادة و التأمُّلُ و التخيُّلُ ، و
أشياءَ لا تنتهي حصراً لعجزه و قِصَرِ نظره ، و قوةُ العقلِ في المعارفِ
التي يحتويها ، و المعرفة قوةٌ بذاتها .
و لديه الجسَدُ ، فكلُّه قوةٌ مُوزَّعَة ، و كل جزء منه قوة بنفسه ، و لو
دقَّقَ نظرَهُ في أجزاء جسده ، و خاصة حواسه الخمس ، لأدرك أسراراً خافيةً
عنه تمتلك قوة تسحَر ، و لكن أخفاها التغافلُ و التجاهُل ، بِوُدِّي لو
أتطرَّق لقوى الحواس و لكن الدلالةُ رسالة .
و لديه العاطفةُ ، فهي قوةٌ متى اسْتُقْوِيَتْ و استُثِيْرَت ، أقلُّ
أحوالها أنها إذا تحرَّكتْ حرَّكَت العقلَ فتحرّك له الجسدُ .
إنَّ القوى تلك التي يملكها الإنسان هي التي يجب أن يكون نظرُه عليها ،
نظرَ المفتخر بها ، المعتمد عليها ، المتمثِّل بها شهادةً زمنيةً حياتية ،
و تلك القوى لا ينظر إليها إلا من ارتقى سماءَ النجاح ، و لا يَمدح
الإنسانَ بها إلا من حصلَ عليها و لقيَ أثرها ، و أما من انحطَّ إلى حضيضِ
الفشلِ فإنه يبحثُ في الضعفِ و يُهمل القوة .
متى التفت الإنسان في ساحة حربِ النجاح إلى خللِ سلاحه فقد استلفتَ انتباه
المنافسِ فأتاه من تلك ، و لو ضعُفَ سلاح الإنسان استبدله بآخرَ ،
فالاحتياط في حرب الحياة كالأساسِ .
إن كثيراً من الناسِ يمتلك من القوى ما يهزم بها شعوباً ، و لكنه في غياب
نظره وعدم اهتمامه بها و اشتغالِه فيما نقَّبَه المنافسون من نقاط ضعفه ،
بسبب ذلك كلِّه يكون في خسارة في الحربِ ، و خصومه نظروا إلى قوتهم و لم
يلتَهوا بمعالجة الضعف ، لأن الساحة ساحة قوة ، و القوة الحقيقية هي التي
لها البقاء و الأثر .
لا يعني الاهتمامُ بالقوةِ إهمال الضعف ، بل تفعيلُ القوةِ في حالٍ القوة ،
و معالجة الضعفِ في حال السِلْم و عدم الحرب ، متى غابَ المنافسُ عُولِج
الضعف ، و مع وجودِه تُظهر القوة .
نظرُ الإنسان إلى مَثاراتِ ضعفه مُوهِنٌ لقوَّتِه ، و عائقٌ لمسيرته ، و
عندها تضيع المكاسب ، و تُخسَر الغنائم ، و أين ركضُ الكلبِ من ركضِ الظبي
، فما أوهنَ الظبيَ إلا خُسرانِه قوته باستقوائه قوة الكلبِ ، فلا كسبَ إلا
بالقوةِ و الضعفُ زيفٌ .
في حربِ النجاحِ تكون المهاراتُ التنافُسيَّة ، و الإبداعُ في كسبِ المعركة
، و أبداً لا تسقط رايةُ قويٍّ ، هكذا الحربُ ، و " الحرب خِدعة " .