مِن ثقافةِ الأمثالِ مُراعاةُ ربطِ المثلِ بالمثَلِ ، أو بمبدأ أو قانون
آخرَ ، فرُبَّ مثلٍ هو قيدٌ لمثَلٍ آخرَ ، ففي الربطِ بينهما و الجمع بين
معنييهما إيضاحٌ للمثليْن و استخراجٌ لمعانٍ أكثرَ ، و هذا ما غابَ عن
الكثيرِ في حالِ ضربِ الأمثالِ ، حتى عِند الشُّرَّاحِ للأمثالِ ، و أهميته
تأتينا من القيمة الثقافية للمثلِ و هي أنه رسالةٌ تربويةٌ ، منقولةٌ في
الشعوبِ لبناءِ أبنائها ، والتربيةُ ما لم تكنْ مُترابطةٌ أطرافها و أصولها
ببعضٍ كان أثرها أقل ، و هذا ما لا يتناسبُ مع القيمة التربوية الثقافية ،
فملاحظةُ ربط الأمثالِ معانيها يَجعلُ مَعنى المثلِ و رسالتَه مضبوطةً
مُحكَمةً ، فكما نحتاجُ للغوصِ في معاني الأمثالِ للكشفِ عنها ، فإننا
نحتاجُ ، أيضاً ، لربطِ الأمثالِ بما يَضبط معناها ، لأنَّ المثلَ في أصله
مرتبطٌ بحالةٍ كان سبب ولادته .
مثالٌ توضيحيٌ لربط مَثَل بِمَثَلٍ : « الصمتُ حكمةٌ و قليلٌ فاعله « و «
السكوتُ من ذهبٍ « ، هذان مثلانِ مشهوران ، إطلاقُ معنييهما غلطٌ ، لأنهما
مقيَّدان بشيءٍ في أمثالٍ أُخرى ، فالتصويبُ للمثلِ أن يُقالَ : إن ذلك حين
يكون في الكلامِ ضررٌ ، حيثُ السكوتُ عن الحق مُشاركةٌ في الباطل ، و
الساكتُ شيطانٌ أخرسُ ، أيضاً ، يُقال : السكوتُ عن طلبِ الحقِّ غلطٌ و ليس
من العقلِ ، بدلالةِ ضمِّ المثلِ الآخرِ : « ما ضاع حقٌّ له طالبٌ « ، و هو
يُؤصِّلُ المطالبةَ بالحقِّ بالسعي فيه .
فلمَّا ننظر إلى المَثَلِ الأولِ « الصمتُ حكمة « مُطلقاً بِلا قَيْدٍ
بالمثلِ الآخرِ نجعلُ توظيفَه مُستعملاً في كلِّ حالٍ ، و هذا ما تبادَرَ
إلى أفهامِ كثيرين من الناسِ ، و لكننا وجدنا أنَّ أهل الأمثالِ عاشوا
حالةً أخرى أدركوا فيها ذكرَ السكوتِ بالذَّمِّ ، فليس كلّ سكوتٍ وصمتٍ
حكمةً ، ولا كلّ كلامٍ نِقمةٌ ، فلولا الجمعُ بالربطِ بين المثلين لضاعت
وظيفتهما .
و مَثلٌ اخرَ لربطِ المثلِ بالمثلِ و بغيرِ مَثَلٍ : « مَن جدَّ وَجدَ و
مَن زرع حصَدَ « هذا المَثَلُ لا يَكادُ أن يكون مجهولاً ، فقد لقيَ
انتشاراً كبيراً في كلِّ الأوساطِ ، و أُخِذَ على أنَّه شيءٌ قطعيٌّ لا
يتأخرُ المُراد عن التحقٌّقِ عند بذلِ السعي إليه ، فكان المُتبادِرُ أنَّ
من سَعى لشيءٍ فإنه يجده ، فصار أشبه بالشيءِ التلقائي ، و هنا تَكمن
مُشكلة عدم ربطِ هذا المثلِ بمبدأ مهم جوهري و هو تأهُّلُ الحالِ ، و
تأهُّلُ الحال إما أن يكون وقتاً ، و إما أن يكون نفسياً ، و إما أن يكون
مكاناً ، ففي طلبِ الرزقِ مثلاً يسعى الإنسان لتحصيلِ رزقه ، و يبذل جُهداً
كبيراً في ذلك ، و قد يحصل على مراده و قد لا ، و هناك أمثالٌ عامية تكون
ضَبطاً لإطلاق هذا المثل و إشارةً إلى مبدأ تأهُّب الحالِ ، فمن أمثالهم :
« أرضك التي تُرْزَقُ بها « فهنا لم يَربط العامةُ وقوع النتيجة و المراد
على وقوع البذل و السبب ، و إلا لو كانوا يؤمنون بجدوى المثل « من جدَّ
وَجدَ « لما ذكروا هذا المثلَ الآخر القاضي بأن الانتقالَ عن الأرضِ قد
يكون سببا للرزق ، فكلُّ مَن جدَّ في طلبِ شيءٍ فإنه يجده متى كان الحالُ
متأهلاً لقبول وقوع النتيجة ، وهذا التأهُّبُ حلقة مفقودة في قانون السببية
، و في مراعاته - بصورة عامة - حلٌّ لكثير من إشكالاتِ فهم هذا القانون .
فإطلاقُ فهم الأمثالِ دون ربطها بأمثال أُخرى أو بمبادئَ كبرى سيُحدِث
خللاً في فهمها ، و عدمَ اعتبار لجدواها ، فالربطُ عمليةٌ مهمة في فهم
الأمثال و إقامة معناها .
* باحثٌ سعودي في أدب التطوير البشري ، الرياض .
Tamooh1426@hotmail.com