|
" يا عزيزي : كُلُّنا نُصوصٌ "
سَعد الشهري
كُلُّ شيءٍ في الكونِ ينطقُ
بشيءٍ ، و عن شيءٍ ، و في شيءٍ ، فليسَ إلا ناثراً بلسانِ الحكمةِ الصامتِ
الكثيرَ ، كل شيءٍ في الكونِ ، حتى ذاك الإنسان ، المخلوقُ الشاملُ لجميعِ
ما كان منثوراً في المكوَّناتِ غيره ، ففيه مِن أنواعِ العوالمِ المخلوقَة
الكثير ، سواءً العوالم العُلويَّةِ أو السُّفلِيَّة ، الجماديةِ أو
الحيَّةِ ، الأليفةِ أو المُسْتَوحِشَة ، النورانيَّةِ أو النُّورية ،
الرَّطبَةِ أو اليابسةِ ، فهو ينطقُ عن تلكَ كلِّها ، ينطقُ عنها بلسانِ
القالِ تعبيراً ملفوظاً ، منقولاً عن غيرِه لموافقته حالَه ، أو مَقُولاً
منه ، و ينطقُ بلسان الحالِ بالفَعالِ ، المُنبئةِ كُلِّها عن مكنونٍ في
نفسِهِ مخزونٍ مكتومٍ ، و ربَّما كان عن شيءٍ معلومٍ مُدْرَكٍ لكلِّ أحدٍ ،
فهو كتابٌ ينطقُ عن خالقِهِ بالحقِّ و الصِّدْقِ ، و يُقرأُ بكلِّ لُغَةٍ ،
لأنها مكتوبٌ بكلِّ اللغاتِ ، فكلٌّ يَقرأُ الإنسان بلغته ، و لا تكادُ
تُخْطَأُ لغة مقروءاً بها .
فكان الإنسانُ معنى مرقوماً في مبنى ذاتِ جسدِهِ ، يَحكي كثيراً من أحوالِ
الوجودِ ، و يَقُصُّ أنباءً على أبناءٍ ، ليُدرِكَ اللاحقُ خبرَ السابقِ ،
و الآبقُ أمرَ البائقِ ، و برهانَ الخلقِ و الخلائقِ .
و حقُّ ذاك الكتابِ الإنسانيِّ أن يُقرأَ بإنصافٍ ، و على أصولِ النظرِ فيه
، فلا بَخْسَ و لا هضْمَ ، و متى كان القاريءُ هاضماً كان عن الصوابِ
عائماً ، و لا يُخطيءُ قراءةَ الإنسانِ الكتابِ إلا مَن أخطأَ ذاتَه ، و
نَكَسَ إلى رُفاتِهِ .
و عِند قراءةِ الإنسانِ الكتابِ نُتقنُ قراءَةَ العقلَ الإنسانيِّ ، و
الفِكرِ الإنساني ، فلا تُتقَنُ الصفات إلا مِن إتقانِ الذاتِ ، فكلُّنا
كتابٌ مقروءٌ ، و لكلِّ كتابٍ نُظُمٌ ، و للمكتوبِ قوانينُ ، فالنُّظُمُ
أسْرِجَةُ الظُلَمِ ، و القوانينُ مضامينُ .