|
الحمد لله أنعم على عباده نعمًا عظيمةً وآلاءً جسيمة ، أحمده سبحانه وأشكره
ثبّتَّ نفوسَ المؤمنينَ بالسكينةِ والطمأنينة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الحمد في الأولى والآخرةِ وإليه معادُ الخليقة وأشهد أن سيدَنا
ونبيَنا محمدًا عبده ورسوله دعا إلى كل خيرٍ وفضيلة ، وحذر من كل شرٍ ورذيلة ،
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا ، أحبابي الكرام
..
مما لا مرية فيه ولا شك أن الإسلام شمل في أحواله أخلاق المسلم كلها صغيرها
وكبيرها دقيقها وجليلها فردا وأسرة ومجتمعا ، ومن شموليةِ هذا الدين وعظمته
وجلاله أنه دين الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة نعم .. هذا الدين دين المكارم
السامية والمحامد العالية ، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله " الدين كله خُلق
، فمن زاد عليك في الخُلقِ زاد عليك في الدين "والعجيب أحبابي الكرام أن
الأخلاق والآداب لها صلة وثيقة بعقيدة الأمة ومبادئها ، لها صلة قوية عميقة
بأهم معالم هذا الدين القويم وهي العقيدة ، ذلك أن من مقتضى الإيمان بالله
تعالى وحده أن يكون العبد المؤمن ذا خلق محمود ، والأخلاق السيئة المذمومة دليل
على نقص الإيمان أو ضعفه ، ولذلك فإنك أخي المشاهد الكريم ويا أختي المشاهدة
العفيفة بقدر ما تتصف به من إيمان بقدر ما تتحلى به من مكارم ، وبقدر ما يضعف
الإيمان بقدر ما تتصف به من خلق ذميم ، تنبه لهذا المعنى ..
أقول : بقدر ما تتصف به من إيمان بقدر ما تتحلى به من مكارم ، وبقدر ما يضعف
عندك من إيمان بقدر ما تتصف به من خلق ذميم ، وكما أن الأخلاق السيئة الرديئة
دليل على النفاق وخلو القلب من الإيمان وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،
فالأخلاق الحسنة الجميلة هي عنوان التمسك بالعقيدة ودليل الالتزام بالمبادئ
والمثل وتأمل معي جيدا هذه القضايا وهذه المعالم وكيفية ارتباط العقيدة
والإيمان بالأخلاق وكيفية ارتباط الأخلاق بالعقيدة والإيمان ، فمن مقتضى
الإيمان بالله تعالى أن يكون العبد المؤمن حييا ، ولذلك لما رأى النبي رجلا
يعاتب أخاه في الحياء قال له " دعه فإن الحياء من الإيمان " [ رواه البخاري ]
نعم .. دعه فإن الحياء من الإيمان ، إنها دعوة صريحة ونداء جلي بأن الحياء من
الإيمان ، بأن الحياء من صفات المؤمنين ، ومن مقتضى الإيمان بالله تعالى وحده
أن يكون المؤمن رءوفا رحيما ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " ليس منا من لم
يرحم صغيرنا ، ويعرف حق كبيرنا " [ رواه الترمذي ] فالعلاقة إذا وطيدة بين
الإيمان بالله تعالى من وجه وبين الأخلاق وما يتصف به المسلم من وجه آخر ، كما
أن مقتضى إيمانك أخي المسلم أختي المسلمة أن تكون محتسبا راضيا صابرا بما يقدره
الله تعالى عليك في هذه الدنيا من خير أو شر ، فـليس من الإيمان لطم الخدود ،
وشق الجيوب ، والنداء بدعوات الجاهلية ، لمه ..؟
لأن المعصوم صلى الله عليه وسلم قد قرر قضية وحسم أمرا في باب المصائب والبلايا
وفي باب المنح والعطايا فقال " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك
لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيرا له " نعم .. إن من مقتضى الإيمان بالله تعالى وحده أن يكون المؤمن كريما
جوادا سمحا عفيفا باسما مسالما ، فيه من الألفةِ والإخاءِ والرِّفقِ والعطف
وحُسنِ العشرة والمعاملةِ والإيثارِ والمواساةِ وتفريج الكرُباتِ وقضاءِ
الحاجات ما ينبغي أن يتسم به على الوجه الأكمل ، ليحيا في مجتمعه وبين أحبابه
محِبًّا محبوبًا رحيمًا مرحومًا ، ليحيا في مجتمعه ومع أحبابه حياةً طيّبةً
ويعيش عيشةً هنية رضيّة ، يسعى جاهدا إلى مكارم الأخلاق فيتحلى بها ، وإلى
محاسن السجايا فيتصف بها ، ليُكملَ إيمانَه ويُثقل ميزانَه في يوم لا ينفع فيه
مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وإلى أن ألتقي بكم في حلقة قادمة
وموعدٍ قريب ولقاء ماتع جديد ، استودع الله دينكم وأمانتَكم وخواتيم أعمالِكم
وسلام الله تعالى ورحمته وبركاته عليكم .