|
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج (10)
ومن المعالم في تربية النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه
الثامن عشر: الإقناع العقلي .
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : يا رسول الله ، ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه ،
قالوا : مه مه ، فقال : ادنه ، فدنا منه قريباً قال : فجلس قال : أتحبه
لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم
، قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ،
قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم ، قال : أفتحبه لأختك ؟ قال : لا والله
جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم ، قال : أفتحبه لعمتك
؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال
: أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس
يحبونه لخالاتهم ، قال : فوضع يده عليه وقال : اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه
، وحصن فرجه ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء [ رواه أحمد ] إن هذا
الشاب جاء والغريزة تتوقد في نفسه مما يدفعه إلى أن يكسر حاجز الحياء ،
ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم علناً أمام أصحابه ، ولهذا أدرك النبي صلى
الله عليه وسلم المربي المعلم أن لديه جانباً لم يدركه فيه أصحابه فما هو ؟
لقد جاء هذا الشاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان قليل الورع
عديم الديانة لم ير أنه بحاجة للاستئذان بل كان يمارس ما يريد سراً ، فأدرك
صلى الله عليه وسلم هذا الجانب الخير فيه ، فما ذا كانت النتيجة : لم يكن
بعد ذلك يلتفت إلى شيء .
التاسع عشر : استخدام الحوار والنقاش.
وخير مثال على هذا موقفه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار في غزوة حنين بعد
قسمته للغنائم ، فقد أعطى صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار
، فبلغه أنهم وجدوا في أنفسهم ، فدعاهم صلى الله عليه وسلم ، وكان بينهم
وبينه هذا الحوار الذي يرويه عبدالله بن زيد رضي الله عنه فيقول : لما أفاء
الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة
قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ،
فخطبهم فقال : يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم
متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟ كلما قال شيئاً قالوا :
الله ورسوله أمنّ قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن قال : لو شئتم قلتم جئتنا كذا
وكذا ، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه
وسلم إلى رحالكم ؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا
وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار والناس دثار ، إنكم ستلقون
بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض [ رواه البخاري (4330) ومسلم
(1061) ] ففي هذا الموقف استخدم النبي صلى الله عليه وسلم الحوار معهم ،
فوجه لهم سؤالاً وانتظر منهم الإجابة ، بل حين لم يجيبوا لقنهم الإجابة
قائلاً " ولو شئتم لقلتم ولصدقتم وصُدقتم " .
إلى أرباب الفكر وحملة
المنهج (12)