|
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج (7)
ومن المعالم في تربية النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه
الرابع عشر : التعويد على المشاركة والعمل .
اعتاد كثير من ناشئة المسلمين اليوم أن يُكفى كل شيء ، فهو في المنزل يقدم
له الطعام والشراب ، ويتولى أهله تنظيم غرفته وغسل ملابسه ، فساهم ذلك في
توليد جيل كسول لا يعرف العمل والمسئولية ، وفي المدرسة وميادين التعليم
اعتاد التلاميذ الكسل الفكري ، وصار دورهم مجرد تلقي المعلومات جاهزة دون
أي جهد ، وحتى حين يُطلب منهم بحث أو مقالة فلابد أن تحدد لهم المراجع ،
وبأرقام الصفحات ، وقل مثل ذلك في كثير من المحاضن التربوية ، إننا حين
نريد تخريج الجيل الجاد فلابد من تعويده من البداية على المشاركة وتحمل
المسئولية : في المنزل بأن يتولى شؤونه الخاصة ، وفي المدرسة بأن يبذل
جهداً في التعلم ، وعلى القائمين اليوم في المحاضن التربوية أن يأخذوا
بأيدي تلامذتهم ، وأن يسعوا إلى أن يتجاوزوا في برامجهم التي يقدمونها
القوالب الجاهزة ، وأن يدركوا أن من حسن تربية الناشئة أن يمارسوا
المسئولية ، وألا يبقوا كَلاً على غيرهم في كل شيء ، فينبغي أن يكون لهم
دور ورأي في البرامج التي يتلقونها ، وحين نعود لسيرة المربي الأول والمعلم
الأمثل محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه سنرى نماذج من رعاية هذا
الجانب ، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن يتحملوا المسئولية أجمع
تجاه مجتمعهم ، فليست المسئولية لفرد أو فردين ، فعن النعمان بن بشير رضي
الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل المداهن في حدود الله
والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في
أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به
فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا : ما لك ؟ قال : تأذيتم
بي ولا بد لي من الماء ، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم ، وإن
تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم [رواه البخاري (2686)] ومن ذلك أيضاً استشارته
صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من المواطن ، بل لا تكاد تخلو غزوة أو
موقف مشهور في السيرة من ذلك ، وفي الاستشارة تعويد وتربية لهم ، وفيها غرس
للثقة ، وفيها إشعار لهم بالمسئولية ولو عاش أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم على خلاف ذلك ، أتراهم كانوا سيقفون المواقف المشهودة في حرب أهل
الردة وفتوحات فارس والروم ؟بل كان صلى الله عليه وسلم على المستوى الفردي
يولي أصحابه المهام ، من قيادة للجيش وإمارة ودعوة وقضاء وتعليم ، فأرسل
رسله للملوك ، وبعث معاذاً إلى اليمن ، وأمَّر أبا بكر على الحج ، بل كان
يؤمر الشباب مع وجود غيرهم ، فأمر أسامة على سرية إلى الحرقات من جهينة
[رواه البخاري (4269) ومسلم (96) ] ثم أمره على جيش يغزو الروم [رواه
البخاري (4469) ومسلم (2426) ] وولى عثمان بن أبي العاص إمامة قومه [رواه
مسلم(468)]... وهكذا فالسيرة تزخر بهذه المواقف ، فما أجدر الدعاة والمربين
اليوم أن يسيروا على المنهج نفسه ليخرجوا لنا بإذن الله جيل جاد يحمل
المسئولية ويعطيها قدرها.
إلى أرباب الفكر وحملة
المنهج (9)