|
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج (5)
ومن المعالم في تربية النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه
الثاني عشر : تربية القادة لا العبيد .
ثمة سؤال يفرض نفسه ويقفز إلى أذهاننا وهو : هل نحن نعنى بتعليم
الناس وتهيئتهم ليكونوا أهل علم يستنبطون ويبدعون ويبتكرون؟ أم أننا نربيهم
على تلقي أقوال أساتذتهم بالتسليم دون مراجعة وربما دون فهم لمضمون القول ؟
هل نرى أن من أهدافنا في التعليم أن نربي ملكة التفكير والإبداع لدى طلابنا
، وأن نعودهم على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص ، وعلى الجمع بين ما
يبدو متعارضاً ؟ وهل من أهدافنا تربيتهم على تنزيل الأحكام الشرعية على
الوقائع التي يرونها ؟إن المتأمل في واقع التعليم الذي نقدمه لأبنائنا
ليلحظ أننا كثيراً ما نستطرد في السرد العلمي المجرد ، ونشعر بارتياح أكثر
حين نقدم للطالب كماً هائلاً من المعلومات ، وهو الآخر – لما غرسنا لديه-
يقيس مدى النجاح والإنجاز بقدر ما يسطره مما يسمعه من أستاذه ، والتقويم
والامتحان إنما هو على أساس ما حفظه الطالب من معلومات ، واستطاع استدعاء
ذلك وتذكره ، وشيء من ذلك حق ولاشك ، لكن توجيه الجهد لهذا النوع وهذا
النمط من التعليم لا يعدو أن يخرج جيلاً يحفظ المسائل والمعارف فقط ثم
ينساها بعد ذلك ، أو يكون ظلاً لأستاذه وشيخه ، ولأن تعلم الجائع صيد السمك
خير من أن تعطيه ألف سمكة ، فهل نحن نربي الناس على أن يكونوا عاملين
مبدعين مشاركين ؟ أم نربيهم على مجرد الاتباع والتقليد لما عليه كبراؤهم ؟
أما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تربيته لأصحابه لوناً آخر ، ففي تربيته
العلمية لهم خرّج علماء وفقهاء ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يقتصر على
مجرد إعطاء معلومات مجردة ، وقد كشف الواقع آثار هذه التربية النبوية ، ففي
ميدان العلم واجهت أصحابه قضايا طارئة مستجدة لكنهم لم يقفوا أمامها حيارى
، فاستثمروا نتاج التربية العلمية التي تلقوها ، لذا اجتهدوا في اتخاذ
السجون وجمع القرآن وجلد الشارب والخراج وغيرها ، وفي ميدان الجهاد وإدارة
الدولة والدعوة ، فقضوا في شهور على المرتدين بعد أن حسموا الموقف الشرعي
من قضية الردة ، ثم اتسعت الدولة ووطئت أقدام أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم بلاد المشرق حتى وصلوا أذربيجان وما وراء النهر وبلاد المغرب حتى
وصلوا غرب أفريقيا ، ودفن من دفن تحت أسوار القسطنطينية ، ولو تربى أولئك
على غير هذه التربية لما صنعوا ما صنعوا ، فأين المربون اليوم الذين يترك
أحدهم الفراغ حين يمضي ؟ أينهم من هذه التربية النبوية ؟ أرجوا أن يعيدوا
النظر في تربيتهم لأجيالهم ..!
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج (7)