واليهود أضلُّ الملل ، لاح في ديانتها العوج والخلل ، أبان الله في كتابه أحوالهم
تصريحاً وإسهاباً ، إيماءً واقتضاباً ، في مئات الآيات ، ووصفهم وصفاً مطابقاً
عادلاً ، حذَّر منهم ووضعهم في مقدمة صفوف أعداء المؤمنين
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لّلَّذِينَ ءامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ }
[المائدة:82].
واجهوا الإسلام بالعداء والإباء ، واحتضنوا النفاق والمنافقين ، وحرضوا المشركين
وتآمروا معهم ضد المسلمين ، اكتوى المسلمون بنار عداوتهم وكيدهم ، تطاولت ألسنة
السفهاء منهم على خالقهم ، جمع لهم نبيُّهم بين الأمر والنهي والبشارة والنذارة ،
فقابلوه أقبح مقابلة ، كانوا معه في أفسح الأمكنة وأرحبها وأطيبها هواءً ، سقفُهم
الذي يلظهم من الشمس الغمام ، وطعامهم السلوى طيرٌ من ألذِّ الطيور ، وشرابهم من
العسل ، ويتفجَّر لهم من الحجر اثنتا عشرة عيناً من الماء ، فكفروا النعم وسألوه
الاستبدال بما هو دون ذلك ، طلبوا الثوم والبصل والعدس والقثاء ، وهذا من قلة
عقلهم وقصور فهمهم ، يعتقدون الصواب والحق مع من يشدِّد ويضيِّق عليهم ، عُرضت
عليهم التوراة فلم يقبلوها ، أمر الله جبريل عليه السلام ، فقلع جبلاً من أصله
على قدرهم ، ثم رفعه فوق رؤوسهم ، وقيل لهم : إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم ،
فقبلوها كُرهاً
{ وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم
بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[الأعراف:171]
ولما بُعث نبينا محمدٌ حرَّضوا الناس عليه وقاتلوه ، آذوه عليه الصلاة والسلام ،
وتآمروا على قتله والغدر به مراراً ، همُّوا بإلقاء حجر كبير عليه في بني النضير
من أعلى بيتٍ كان يجلس تحته ، فأتاه خبر السماء ، وأهدوا إليه شاة مشوية فيها
سمٌّ، فلاك منها عليه الصلاة والسلام شيئاً ، وضلَّ متأثراً بما لاكه منها حتى
توفي، ومكروا به فسحروه حتى كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعل، فكفاه
الله وخلّصه من ذلك ، قوم يُشعلون الفتن ، ويوقدون الحروب ، ويبثُّون الضغائن ،
ويثيرون الأحقاد والعداوات
{ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ
أَطْفَأَهَا اللَّهُ } [المائدة:64]
يكتمون الحق ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، أصحاب تلبيس ومكر وتدليس
{ ياأَهْلَ الْكِتَـابِ لِمَ تَلْبِسُونَ
الْحَقَّ بِالْبَـاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }
[آل عمران:71] ينقضون العهود ، وينكثون المواثيق ، قتلوا عدداً من الأنبياء الذين
لا تُنال الهداية إلا على أيديهم ، بالذبح تارة ، والنشر بالمناشير أخرى ، أراقوا
دم يحيا ، ونشروا بالمنشار زكريا ، وهمُّوا بقتل عيسى ، وحاولوا قتل محمد مراتٍ ،
ولا خير فيمن قتل نبياً
{ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا
لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا
تَقْتُلُونَ } [البقرة:87].
اليهود لنِعم الله وآلائه جاحدون ، إن أحسنت إليهم أساؤوا ، وإن أكرمتهم تمرّدوا
، نجاهم الله من الغرق مع موسى فلم يشكروا الله ، بل سألوا موسى إباءً واستكباراً
أن يجعل لهم إلهً غير الله ، يعبدون الله على ما يهوون ، ولأنبيائه لا يوقِّرون ،
قالوا لنبيهم : لن نؤمن لك حتى نرى الله بأعيننا جهرة
{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ
يَنظُرُونَ } [الذاريات:44] قوم حُساد ،
إن رأوا نعمةً بازغة على غيرهم سعوا لنزعها ، وفي زعمهم أنهم أحق بها ، يقول
النبي " إن اليهود قومُ حسد " [ رواه ابن خزيمة ] دمروا الشعوب والأفراد بالربا ،
يستمتعون بأكل الحرام ، يستنزفون ثروات المسلمين بتدمير اقتصادهم ، وإدخال
المحرمات في تعاملهم ، يفتكون بالمسلمين لإفلاسهم ، ويسعون إلى فقرهم ، يتعالون
على الآخرين ، بالكبر تارة ، وبالازدراء أخرى ، يتعاظمون على المسلمين عند ضعفهم
، ويَذِلّون عند قوّتهم ، في أنفسهم أنهم شعب الله المختار ، وغيرهم خدمٌ لهم ،
إنما خُلقوا لقضاء حاجاتهم ، ألسنتهم لا تتنزه عن الكذب والفحش والبَذاء ، قالوا
عن العظيم سبحانه : يده مغلولة ، وقالوا عن الغني تعالى : إنه فقير ونحن أغنياء ،
ورموا عيسى وأمه بالعظائم ، وقالوا عن المصطفى إنه ساحر وكذاب ، تتابعت عليهم
اللعنات ، وتوالت عليهم العقوبات ، افتتنوا بالمرأة ونشروا التحلل والسفور ، يقول
النبي " أول فتنة بني إسرائيل في النساء " [ رواه مسلم ] دعَوا إلى الإباحية
والفساد مع التستُّر تحت شعارات خداعة كالحرية والمساواة ، والإنسانية والإخاء ،
يفتكون بالشباب المسلم ، ويغرونه بالمرأة والرذائل ، فُتنوا بالمرأة ، ويعملون
جاهدين لفتنة غيرهم بها ، ضاعفوا جهودهم لإخراج جيل من المسملين خُواء ، لا عقيدة
له ولا مبادئ ، ولا أخلاق له ولا مروآت ، يلوِّثون عقول الناشئة بتهييج الغرائز
الملذات ، تارة بالمرئيات ، وأخرى بالفضائيات ، يحسدون المرأة المسلمة على سترها
وحيائها ، يدعونها إلى السفور والتحلل من قيمها ، ويزيِّنون لها مشابهة نسائهم في
ملبسها ومعاملتها ، ليحرفوها عن فطرتها ، يزيِّنون للشباب والمرأة الشهوات ،
لينسلخ الجميع عن دينه وقيمه ، فيبقى أسيراً للشهوات والملذات ، قال الله عنهم
{ وَيَسْعَوْنَ فِى الأرْضِ فَسَاداً
وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }
[المائدة:64] يهدفون لِهدم الأسرة المسلمة ، وتفكيك الروابط والأسس الدينية
والاجتماعية ، لتصبح أمةً لا خطام لها ولا لجام ، ينشرون فيها الرذائل والفواحش ،
ويدمِّرون الفضائل والمحاسن
{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ أَيْنَ
مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مّنَ النَّاسِ وَبَاءوا
بِغَضَبٍ مّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ }
[آل عمران:112] جُبناءُ عند اللقاء ، قالوا لموسى
{ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا
إِنَّا هَـاهُنَا قَـاعِدُونَ }
[المائدة:24] يفرون من الموت ، ويخشون القتال
{ لاَ يُقَـاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ
فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ }
[الحشر:14] يحبون الحياة ، ويفتدون لبقائها ، ذهبوا في كفرهم شيعاً لا يحصون
{ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ
شَتَّى } [الحشر:14] اختلافهم بينهم شديد
، ونزاعهم كليل ، الألفة والمحبة بينهم مفقودة إلى قيام الساعة ، قال تعالى
{ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ }
[المائدة:64] طمَّ بغيهم ، وعمَّ فسادهم ، لا تُحصى فضائحهم ، ولا تُعد قبائحهم ،
أكثر أتباع الدجال ، أمرنا الله بالاستعاذة من طريقهم في كل يوم سبع عشرة مرة
فرضاً ، أفبعد هذا أهم شعب الله المختار أم هم أبناء الله وأحباؤه؟! ظلمٌ في
الأراضي المقدسة ، إجلاءٌ من المساكن ، تشريدٌ من الدور ، هدمٌ للمنازل ، قتلٌ
للأطفال ، اعتداءٌ على الأبرياء ، استيلاءٌ على الممتلكات ، نقض للعهود ، غدرٌ في
المواعيد ، استخفاف بالمسلمين ، هتكٌ لمقدساتهم ، واغتيال لرموز المصلحين ،
فالنصر عليهم لن يتحقق إلا برايةٍ يستظل فيها المقاتلون براية التوحيد ، ولن يكون
إلا بالأخذ بالأسباب ، والرجوع إلى الله ، وتقوية الصلة به سبحانه ، قال تعالى
{ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ
أَعْمَـالَهُمْ } [محمد:7، 8] وبهذا تقوى
الأمة ، وتُرهب عدوها ، وإذا انغمست الأمة في عصيانها وغفلتها وبُعدها عن خالقها
، فالأقصى عنها يُقصى ، فعلينا إصلاح أنفسنا من الداخل بالتسلح بسلاح العقيدة
قولاً وعملاً وواقعاً ، ولنحذر دسائس اليهود في تدمير المسلمين ، وواجبٌ علينا
الحفاظ على شبابنا وصونهم من المغريات والمحرمات ، والاهتمام بنسائنا ، وشغلُهن
بما ينفعهن في دينهن ، وعدم تعريضهن للفتن ، ومنعهن من التبرج والسفور والاختلاط
، وتحصين الجميع بالعلوم الشرعية ، وتكثيف ذلك في دور التعليم ، مع حسن الرعاية
وكمال الأمانة في القيام بهم ، وعلينا السعي إلى إصلاح الأسرة المسلمة ، وأن لا
نهزمها من داخل أروقتها بما تتلقاه مما يعرضه أعداؤها عليها ، ففي مراحل التاريخ
لا يخلو منه عِقد إلا ولليهود في الإفساد يد .