|
الاستقامة شجرة طيبة ، لها من الثمار اليانعة والجني اللذيذ والخير المستمر فوائد
لا تستقصى ، وأمور لا تحصى ، وإليك طرفا من تلك الثمار اليانعة ، والقطوف الرائعة
..
* تحقيق التوحيد لله عز وجل .
إذ أن من آثار الاستقامة على الدين أن يوحد العبد ربه ولا يشرك معه أحدا ، توحيدا
لا تخالطه شائبة ، توحيدا يوقن العبد من خلاله " أن الأمة لو اجتمعوا على أن
ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ، ولو اجتمعوا على أن يضروه
بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه "[رواه النسائي ح2516] فلا يسأل إلا
الله ولا يرجوا إلا الله ولا يخشى إلا الله ولا يرغب ويرهب إلا فيما عند الله ،
توحيدا يحققه في حياته ليسعد يوم لقياه .
* الصبر .
فليس في الوجود شيء أصعب من الصبر ، إما
على محبوب أو على مكروه ، وهو أنواع : صبر على طاعة الله تعبدا لله ، وصبر عن
معاصي الله ، خوفا من الله ، وصبر على أقدار الله المؤلمة رضا بقضاء الله ،
والاستقامة تورث العبد الصبر بما تحمله هذه الكلمة من معنى
* الدعوة إلى الله تعالى .
والمتأمل حق التأمل في قول الله تعالى "
فادع واستقم كما أمرت "[الشورى:15] يجد أنه سبحانه وتعالى قرن الدعوة إلى الله
تعالى مع الاستقامة في آية واحدة ، لا لشيء إلا أنها من أهمّ المهمات ، وأوجب
الواجبات ، وأعظم القربات ، فالدعوة مهمة الرسل ، ووظيفة الأنبياء ، فبها يستقيم
أمر الفرد ، ويصلح حال المجتمع ، وقد رتب الله عليها الأجر العظيم ، والفوز
العميم واختار لها أفضل الخلق ، وأكرم البشر وسادة القوم وصفوة الأمة وفضلاءها ،
وهم الأنبياء والمرسلون والدعاة والمصلحون ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم
* الثبات .
من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه
وإحكامه وشدة الاعتناء به ، فإن البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه ، والنفس
الشريفة العاليه ، صاحبة الهمة الرائدة لاترضى بالانهزامية ولا تستسلم للتقلبات ،
والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة على الضد من ذلك ، وعلى هذا فإن رونق الاستقامة
هو الثبات عليها حتى الممات ، والله عز وجل يقول " يثبت الله الذين آمنوا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .." [إبراهيم:27] وبهذا يُعلم أن العبد لا
يستغني عن تثبيت الله له في كل ما يملك في أقواله في أفعاله في حركاته وسكناته ،
فبه ينال العبد مناه ويرجو رضا مولاه وهو الطريق إلى الرفعة الأولى والآخرة . نعم
.. إن طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيرة إلا بحبسين : حبس قلبه في طلبه
ومطلوبه ، وحبسه عن الالتفات إلى غيره ، وحبس لسانه عما لا يفيد ، وحبسه على ذكر
الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته ، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات ، وحبسها على
الواجبات والمندوبات ، فلا يفارق الحبس حتى يلق ربه ، فيخلصه من السجن إلى أوسع
فضاء وأطيبه ، وعلى هذا فالمسلم مأمور في هذه الحياة بالاستقامة في دينه كله
عقيدة وعبادة وسلوكا ، ولن تتأتى له تلك الاستقامة وتكمل إلا بأمور :
*
معرفة طريقها والعمل بها واستبانتها بالدليل الشرعي الصحيح .
*
العمل بها والتزام تطبيقها ظاهرا وباطنا .
*
الدعوة إليها والتواصي بلزومها ودفع ما يعيقها ويضعفها .
*
الثبات عليها والصبر على لزومها حتى الممات .
فإذا ما تحققت هذه الشروط وهذه المقومات في حياة العبد كملت استقامته بإذن الله
تعالى ، ومتى ما أنقص شيئا منها نقصت استقامته بحسب ذلك ، فالزم أخي المبارك هذه
المقومات فإنها سبيلك إلى الجنة ونجاتك من النار ، رزقني الله وإياك الثبات على
دينه والاستقامة عليه .. آمين .